لتتفهم أسباب سوء التعرض للأضواء في الظلام، يجب أن تضع في اعتبارك تطور الإنسان، ففي العصر الحجري كان الانسان يتعرض لنوعين فقط من الإضاءة خلال اليوم، الشمس والقمر، ثم تم إضافة النيران في وقت لاحق، وكان هذا هو النظام الطبيعي الذي تعودت عليه ساعتنا البيولوجية منذ ذلك الوقت.
اليوم لدينا أضواء صناعية في غرف النوم، وهو وضع مختلف تماماً، فضوء المنازل أضعف من نور الشمس ولكن كذلك أقوى من ضوء القمر والنجوم.
لذلك الفارق بين ضوء القمر، والضوء الذي نتعرض له في المساء يؤدي إلى الكثير من المشاكل البيوكيماوية بأجسادنا، منها انتاج المزيد من الكوليسترول والميلاتونين.
النوم في الضوء يفسد كيمياء المخ :
الميلاتونين يوضح لماذا الأضواء في غرف النوم مضرة لهذه الدرجة، فالمخ يقوم بإنتاجه في المساء وبالظلام، لينظم عملية النوم والاستيقاظ، فيقلل من ضغط الدم، ومستويات الجلوكوز، ودرجة حرارة الجسم، وهي من الأشياء الهامة لتحصل على فترة نوم مريحة.
والجزء الذي يتحكم في ساعتك البيولوجية يسمى Suprachiasmatic Nucleus، وهو مجموعة من الخلايا في المهاد بالمخ، هذه الخلايا تستجيب للإضاءة والظلام، وتلك الأعصاب بعيونك التي تستشعر الضوء تنقل إشارات له لتخبره إنه وقت الاستيقاظ، وكذلك تقوم ببدء العديد من العمليات الأخرى مثل زيادة درجة حرارة الجسم، وإنتاج الكوليسترول، الذي من المفترض أن يكون في اقل احواله بالمساء، ليسمح لنا بالنوم، ويصبح أعلى اثناء النهار لينتج الطاقة لإداء المهام والوظائف المختلفة، ولكن الضوء في المساء يقطع النوم، ويحدث العديد من المشكلات في الجسد ومنها رفع مستويات الدهون، والأنسولين. اقرا عن فوائد النوم عاريا
وفي حالة أن غرفتك مظلمة في المساء، وليس هناك أي إضاءة، من المفترض أن يضخ جسمنا كمية من الميلاتونين كافية للحصول على نوم هادئ، لكن ذلك قد لا يحدث تبعاً لكمية الإضاءة التي تتعرض لها خلال اليوم.
الضوء قبل النوم :
فالكثير من الدراسات أظهرت ان التعرض للإضاءة في الغرفة قبل النوم بساعة ونصف يؤدي إلى ذات المشاكل في نسب الميلاتونين، لذلك حتى قبل النوم، الضوء في غرفتك من الممكن أن يسبب لك مشاكل، سواء الضوء من الجهاز اللوحي، او الهاتف المحمول أو الإضاءة المعتادة في الغرفة.
ومؤخراُ أثبت الباحثون ان الأضواء الخارجة من شاشة الكمبيوتر في المساء خصيصاً بالنور الأزرق تؤدي إلى اضطرابات في النوم، سواء بسبب نقص نسب الميلاتونين أو بسبب الضغط العصبي الذي يحدث نتيجة استخدام هذه الأدوات التكنولوجية قبل النوم.
أمراض تتسبب بها الإضاءة في المساء:
مؤخراً تم اثبات ان هذه الاضطرابات في الهرمونات وكيمياء المخ تؤدي إلى حدوث العديد من الأمراض، والسرطان واحد منها.
فعلى سبيل المثال، ونتيجة لدراسة استمرت عشرة سنوات وُجد أن مجموعة من السيدات تم تعريضهن للضوء خلال النوم أصبح لديهم احتمالية بنسبة 22% أكثر للإصابة بسرطان الثدي، أكثر ممن نمن في ظلام تام، وذلك بسبب اضطرابات الهرمونات نتيجة عدم انتظام انتاج الميلاتونين.
وفي دراسة أخرى قام الباحثون بأخذ عينات دم من سيدات مصابات بسرطان الثدي، فكانت النتيجة أن نسبة تضاؤل الورم كانت أكثر في السيدات اللواتي ينمن في ظلام تام.
وتلك بالطبع مشكلة كبيرة لأصحاب الوظائف التي تستدعي العمل في المساء، حيث تم اجراء دراسة على الممرضات اللواتي يعملن في المساء ليجد الباحثون إنهن معرضات أكثر للإصابة بسرطان الثدي عن زميلاتهن اللواتي يعملن في الصباح.
الإضاءة الزرقاء الخافتة في المساء والاكتئاب:
في الحقيقة لا يجب أن تكون الإضاءة ساطعة في المساء لتؤدي إلى المشاكل، فالتعرض حتى للإضاءة الخافتة في المساء قد يؤدي للإصابة بالاكتئاب.
لذلك يجب أن تفكر مرتين قبل ترك الأضواء في غرفة نومك مضاءة سواء ضوء الساعة، أو الوميض الخاص بهاتفك المحمول وأضواء الشارع، وقد أظهرت أبحاث أخرى أن الضوء الأزرق خصيصاً له تأثير كبير في إحداث أعراض الاكتئاب.
مظاهر التقدم في العمر ومشاكل القلب:
الميلاتونين له كذلك وظائف مضادات الأكسدة، ولذلك له تأثير في إظهار عوامل التقدم في العمر، حيث أثبت بعض الباحثون إنهم قادرون على معالجة اثار التقدم عن طريقه، وكذلك اضطرابات الميلاتونين تؤدي إلى حدوث امراض مثل الزهايمر، وامراض القلب.
اكتساب الوزن الزائد:
الضوء في المساء يؤدي إلى اكتساب الوزن الزائد وذلك بسبب اضطراب الميلاتونين الذي يؤثر على الكوليسترول والتمثيل الغذائي، ونسب السكر في الدم.
الظلام التام وقت النوم والأطفال:
الكثير من الإباء يظنون أن الإضاءة الخافتة تساعد الأطفال على النوم أفضل، ولكن سنثبت لك ان الظلام التام هو الأفضل لنوم أولادك، وذلك يرجع إلى ساعتهم البيولوجية.
الساعة الداخلية والهرمونات:
سبب أن النوم في الظلام أفضل أن كل طفل لديه ساعة داخلية، والتي تقع في المخ في منطقة المهاد، هذه الساعة تساعده على التفريق بين اليل والنهار، ولتنظيم هذه الساعة يحتاج الجسم إلى أدلة خارجية، مثل النور والظلام، ودرجات الضجة، وأوقات الطعام، وكذلك أحوال جسم الطفل، مثل درجة الحرارة، أو الجوع، أو مستويات الهرمونات.
ويتم افراز هرمون الميلاتونين لدى الأطفال بنسب أكبر من الكبار، حيث كلما كبر الإنسان في عمره كلما قل افرازه لهذا الهرمون، بما يفسر صعوبات النوم لدى كبار السن.
ويتم افراز هذا الهرمون في الظلام، وعندما يتم اضاءة الغرفة فمستوياته ستقل، ولنجعل إفراز الهرمون في نطاقه الطبيعي يجب أن نفرق بين الظلام والنور بالنسبة للأطفال خلال الأربعة والعشرون ساعة.
والميلاتونين ليس مسئولاً فقط عن النوم الهادئ للأطفال ولكن كذلك عن تقوية مناعتهم، وصحتهم على العموم.
إذا ما هي الدرجة المثالية من الظلام؟
لتزيد من كمية الميلاتونين المفرزة لدي أولادك يجب أن تظلم غرفتهم قدر استطاعتك، وكذلك يجب أن نقلل الوقت الذي نضئ فيه النور خلال الليل لنطمئن على أطفالنا لأن ذلك قد يؤدي إلى اضطراب في مستوى الميلاتونين خلال الليلة الواحدة، وكذلك من المشاكل التي قد يفكر بها الأبناء والأمهات هي أن تعود الأطفال على النوم في الظلام التام قد يؤدى إلى أن يصابوا بصعوبات في النوم في حالة تغير نظام الإضاءة لأي ظروف مثل السفر، ومن أسباب قلق أولياء الأمور من الظلام التام أن يصاب الأطفال بالخوف من الظلام في المستقبل ويحدث ذلك مشاكل نفسية.
ولنجيب على هذه المخاوف نرشح لكم استخدام اضاءة شديدة الخفوت ومنتظمة في غرف نوم أولادكم في المساء، وبهذه الطريقة تستطيعوا أن تطمئنوا عليهم من وقت لأخر، وكذلك تنظموا إفراز الهرمون، ويتم تعوديهم على نسبة إضاءة بسيطة.
إذا كيف يعرف الأطفال بالصباح والغرفة مظلمة؟
لو كان الظلام في غرفة الأطفال متواصل سيحدث ذلك مشكلة في تعليمهم الفوارق بين الصباح والمساء، والنوم والاستيقاظ، ولكن ذلك ليس حقيقياً تماما، فهو يرجع إلى سن الأطفال، فالصغار عندما يستيقظون في الظلام الدامس سيكملون نموهم، لذلك الأفضل لهم تحديد موعد للاستيقاظ وفتح الستائر لإدخال ضوء الشمس يومياً، بينما الأطفال الأكبر سيستيقظون ما أن يأخذوا حاجتهم من النوم دون اعتبار للظلام، لذلك إضاءة خافتة في الغرفة كما ذكرنا في الفقرة السابقة ستكون مناسبة حتى يستطيعوا الاستيقاظ دون الشعور بالخوف.
وإليك نصائح لتهيئة غرفة أولادك لنوم أفضل:
ازيلي كل الأضواء الليلية، أو الساعات ذات الإضاءة.
استخدمي ستائر داكنة حتى لا تزعج أطفالك الأضواء في الشوارع.
استخدمي الات التي تشغل صوت موسيقى اثناء نوم الأطفال.
استخدمي اضاءة خافتة للغاية طوال الليل.