ليس مفاجئا ما جرى الأمس في الضاحية الشموس. كان بديهيا، والغموض كان يقتصر على موعد الجريمة تحديدا ومكانها. ومنذ أن قررت المقاومة، والأجهزة اللبنانية، ان تقتص - واقتصت - من الأيادي التي بدأت تعبث بالأمن اللبناني قبل عامين، ولُوحق المخططون والمعتدون إلى جرود جبال السلسلة الشرقية، وحتى إلى الداخل السوري، كان هناك من يعمل على التمهيد للموجات الجديدة من حملات الترهيب.
من جحور سوريا وأنفاقها إلى القلمون وكواليس فيينا، هناك غمامة سوداء تخيم فوق رؤوس مئات الخلايا وآلاف العناصر من العصابات المسلحة. الغيمة ذاتها تظلل بعض الرؤوس الحامية في أنقرة والدوحة والرياض وباريس.. وواشنطن. في فيينا نقاش يفرض ذاته واقعيا. التسوية، إذا ما وقعت، ستبدل في المشهد كثيرا. آلاف الأسماء ستوضع تدريجيا على لوائح الملاحقين دوليا. لا مفر من ذلك. هذا تطور حتمي للأحداث مهما كان النفاق رائجا، ومهما كانت معالم التسوية السورية بأبعادها الإقليمية والدولية.
حتى العديد من أولئك الذين خدموا أجندات الخارج، سيجدون أنفسهم ملاحقين بشكل أو بآخر. ما من دولة ستحتمل وجودهم مستقبلا.. إلا ربما في أرض يُراد لها الخراب أيضا. «خدماتهم» قد تنتفي أهميتها، ووجودهم ذاته ربما سيكون محرجا ومكلفا. هؤلاء سينتهون «فرق عملة» على طاولات التفاوض. بالامس فقط، انتقد رجب طيب اردوغان الدول التي تمارس ازدواجية في تعاملها مع التنظيمات الإرهابية في سوريا!
كواليس فيينا منهمكة الآن بمحاولة تحديد الصالح والطالح، ليتقرر مكانه في أي مستقبل ووفق أي دور. المهمة تشبه المستحيلات بسبب تشابك التنظيمات والقوى وتنوع ولاءاتها وإيديولوجياتها وموارد أموالها. لكن العملية جارية وهي بدأت قبل مسار فيينا بكثير من جانب أطراف دولية عدة، وستتخذ على الأرجح مسارا طويلا.
وكما هو كلام اردوغان بالأمس (كما مفارقة إعلانه الحرب على داعش قبل اسابيع)، فليس عبثا خروج الوزير القطري خالد العطية مؤخرا للتحدث عن «اعتدال» حركة «أحرار الشام»، ولا كلام عادل الجبير المتكرر عن بقاء الخيار العسكري لإسقاط دمشق، ملوحا بما تمتلك الرياض من مجموعات مسلحة عاملة في سوريا، لعل من أبرزها «جيش الإسلام» المتحسس في الأيام الأخيرة من مخاطر اقتراب الجيش السوري من التقدم نحو معاقله في الغوطة.
هناك محاولات تبرئة وعمليات تبييض لسمعة القتلة. وفي مثل هذه البيئة الإقليمية الحاضنة للإرهاب، في كل من سوريا ولبنان والعراق، برغم بعض التلعثم، يصبح متاحا لجماعات المسلحين أن تعمل إما لتقديم أوراق اعتماد جديدة عبر خدمات دموية خاصة، لتعزيز الموقع التفاوضي لراعيها الإقليمي، (الحاقدون على دمشق أو المنجرفون بالخرف المذهبي)، أو توجيه رسائل لمن يهمه الأمر، سواء في دمشق وبيروت وموسكو، أو للمتحاورين في فيينا، بأن رؤوس عتاة الإرهاب، لم يحن قطافها بعد.
عمق معركة لبنان بهذه الخطورة، وأكبر مما يدركه معظم سياسييه. وهنا مكمن آخر للخطر. الكثير من الدم آتٍ، ولا مفر من اليقظة، إلى أن تتدحرج رؤوس للعصابات... والحاضنين، ويتم الاقتصاص من القتلة.
* خلیل حرب ـ السفیر