الإلغاء المتوقع للعقوبات التي فرضت بشکل جائر لسنوات طویلة علی الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة له دلالات کثیرة اقتصادیا. سیشهد المجال الاقتصادي في المنطقة انخراط أحد اکبر اقتصاداتها بعد تغییب قصري له.. یبدو الأمر کإلقاء صخرة لها ثقلها في میاه راکدة. الفوائد ستعم علی مجمل مکونات المنطقة وحتی العالم.
یعتقد خبراء اقتصاد عرب أنه في حال تم توقیع الاتفاق نهایة حزیران/ یونیو المقبل فإن الفائدة الأولی من الاتفاق ستحصدها الجمهوریة الإسلامیة نفسها.. الدولة التي استطاعت بالرغم من الحصار أن تتبوأ مستویات علمیة وبحثیة متقدمة في العالم ستشهد بطبیعة الحال قفزات نوعیة علی المستوی الاقتصادي، وعلیه یترقب هؤلاء الخبراء نموا کبیرا للاقتصاد الإیراني الذي سبق وحقق نسب نمو علی الرغم من الحصار المفروض.
في هذا السیاق یری الباحث في الشؤون الاقتصادیة میخائیل عوض في حدیث لوکالة الجمهوریة الإسلامیة للأنباء «إرنا» أن إیران مقبلة علی 'انفراج اقتصادي واسع سیلامس مختلف القطاعات والمجالات ما سیجعل منها قوة اقتصادیة موازیة لمکانتها الإقلیمیة والتکنولوجیة '.
بدوره یذهب الخبیر الاقتصادي لویس حبیقة ابعد من ذلك.. یتحدث عن «قنبلة اقتصادیة» 'ستنتج عن الاتفاق حول الملف النووي.. یوضح حبیقة في حدیثه لوکالة «إرنا» ما یقصده من هذا التوصیف.. یشیر إلی أن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة ستتحول بعد رفع العقوبات إلی 'شریك فاعل علی المستوی الاقتصادي العالمي وستشهد نسبة نمو کبیرة جدًا.. یساعدها علی هذا الأمر مقدراتها الکبری من حیث المساحة وعدد السکان والثروات المتنوعة التی تمتاز بها'.
الفائدة الاقتصادیة للاتفاق النووي لن تنحصر في إیران فقط.. یری فیها عوض محرکا لأساس الاتفاق من الجانب الغربي. من وجهة نظره فان احد العوامل الحاسمة التي دفعت الولایات المتحدة الأمیرکیة والدول الأوروبیة للتسلیم بحق إیران النووي هو 'الأزمة الاقتصادیة التي ضربت الاقتصادات الرأسمالیة ابتداء من العام 2007.. خلفت هذه الأزمة شرکات متعطشة لأسواق جدیدة واستثمارات بدیلة'. إیران بالنسبة لها أشبه بـ«منجم ذهب».
بتعبیر آخر تمثل إیران بیئة مغریة اقتصادیًا للشرکات المأزومة.. یشیر عوض هنا إلی 'الوفود الاقتصادیة والتجاریة العدیدة التي زارت طهران قبل الاتفاق لاستطلاع الإمکانات الاقتصادیة الکامنة في هذا البلد'.
أما بعد الاتفاق فمن الطبیعي الکلام عن معادلة «رابح ـ رابح».. یؤکد حبیقة أن 'أي اتفاق یضمن مصالح أطرافه'. إلا أن الفائدة ستشمل أیضا آخرین، ومن المتوقع أن یسارع هؤلاء لیحجزوا لأنفسهم حصة من الاستثمارات التي ستؤمنها السوق الإیرانیة.
یستشهد حبیقة بزیارة أردوغان إلی طهران، ویضع الزیارة في السیاق الاقتصادي الاستثماري.. هدف أردوغان برأي حبیقة هو 'اقتناص الفرص'. حیث یدرك الأتراك الأهمیة الاقتصادیة لما جری.
الدول العربیة مرشحة أیضا لقطف الثمار ولکن بشرط یسمیه حبیقة 'التعقل والتخلي عن الغرائز'.. عند هذه النقطة یوجه الخبیر الاقتصادي اللبناني عتبًا علی الدول العربیة ویسأل: 'لماذا لا تکون الدول العربیة من ضمن الأوائل في تحصیل الفائدة؟ ولماذا لا تتحلی هذه الدول بالوعي الکافي في هذا المجال خاصة أن المنطقة العربیة تقع في أدني السلم الاقتصادي العالمي؟'.
ویلفت حبیقة إلی نقطة مهمة لا یمکن تجاهلها.. الموقف الصهیوني المعترض والمنزعج، والسبب الحقیقي وراء هذا العداء الصهیوني للاتفاق هو القوة الاقتصادیة الإیرانیة برأي حبیقة.. 'هذه الطاقة الاقتصادیة الواعدة هي المصدر الحقیقي للانزعاج الإسرائیلي، فمن مصلحة «إسرائیل» ضرب اقتصادات دول المنطقة'.
لا یضع عوض کل الدول العربیة في خانة المضیعین للفرص.. یشیر إلی استفادة متوقعة من قبل العراق وسوریا والجزائر إضافة إلی دول غیر عربیة علی رأسها دول "بریکس" وأمیرکا اللاتینیة.
بدوره یعدد لویس حبیقة مجالات الاستفادة والاستثمار في الصناعة والزراعة والبنی التحتیة والتبادل التجاري الأقل کلفة بسبب القرب الجغرافي، فیما یؤکد میخائیل عوض انه مطمئن إلی أن الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة ستعطي الأولویة في علاقاتها التجاریة للدول 'الصاعدة والنامیة علی حساب الانفتاح علی الأسواق اللیبرالیة المرتمیة في أحضان صندوق النقد الدولي'.
أما الفائدة الکبری فهي أن إیران أثبتت أن الحصار المادي لا یؤثر علی العقول والنفوس والإرادات التي تظل قادرة علی الإنتاج والابتکار وصولا إلی تحقیق ما یشبه معجزة اقتصادیة وعلمیة کالتي حققتها الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة.