المدخنون وأثناء شهر عسل عاشوه في ظل "دولة الخلافة" مارسوا خلاله طقوسهم بحرية كاملة دون أن يعترضهم أحد، لكن شيئاً فشيئاً انقلبت الأمور ضدهم عندما بدأ "عناصر الحسبة" الذين يمثلون الجهاز الرقابي للتنظيم بحرق كميات كبيرة من السجائر المخزنة وإغلاق المقاهي ثم ملاحقة المدخنين في المناطق العامة.
مفارز الحسبة تنشط في الأسواق المكتظة بالناس وهي أفضل مكان لصيد المدخنين مثلما حدث مع إبراهيم حسن (34 عاماً) عندما ضُبط متلبساً بـ"الجرم" حيث اُقتيد حسن إلى السجن وبعد 24 ساعة قضاها في الاحتجاز مَـثُـل أمام ما يسمى بالـقاضي الشرعي الذي قرر العقوبة فوراً وهي غرامة قدرها خمسة آلاف دينار مع توبيخ شديد وتذكير بآيات قرآنية وأحاديث للنبي محمد تذهب إلى تحريم التدخين لأنه انتحار بطيء.
وقال حسن لموقع "نقاش" الاخباري بعدما أُخلي سبيله "دفعت المبلغ على مضض، وشعرت بأنني محظوظ قياساً بآخرين مروا بموقفي هذا وكانت عقوبتهم الجلد، وهذا كان شبحاً يلاحق جميع من يُحتجز بالتهمة ذاتها، لكن يبقى تقرير نوع العقوبة لتقدير القاضي".
ليست هناك إحصائية عن نسبة المدخنين في الموصل، لكنها ثاني أكبر مدينة عراقية من ناحية عدد السكان في بلد تزيد نسبة المدخنين فيه عن 31 في المائة، لذا صار الحصول على علبة سجائر على رأس أولويات آلاف الرجال لا سيما وإن نسبة النساء المدخنات تكاد لا تذكر.
"إنه سهل ممتنع" هكذا يصف أبوقيس الذي أنهى عقده الثالث مع التدخين مساعيه لتأمين حاجته من السجائر، موضحاً إنها متوفرة، لكنه يجب أن يحتاط ليتجنب السجن أو الجلد.
أبوقيس وهو سائق تكسي، هيأ مكاناً مناسباً لإخفاء سجائره، وهو يخزن في بيته ما يكفيه لمدة شهر كامل.
الرجل يجول شوارع الموصل يومياً، ويمر على مقربة من عناصر الحسبة باستمرار لكنه أصبح خبيراً في المراوغة والتحايل عليهم.
واضاف "أُدخن عندما اعتقد انني بعيد عنهم، وأحمل معي دائما عطراً لأتخلص من رائحة الدخان في السيارة، لأن كلاب الخليفة يستعملون أنوفهم أيضاً للتحري عن المدخنين".
جماعة "داعش" أحرقت مخازن السجائر في الموصل ومنعت الاستيراد أو الإتجار بها، إذن من أين تأتي الكميات الكبيرة التي تُباع على نطاق واسع اليوم؟.
وكشف أحد التجّار الموصليين عن مصادر دخول السجائر والتبغ إلى الموصل، وقال إنه يستورد السجائر من سوريا ويجلبها في شاحنات بعد إخفائها تحت بضائع أخرى غير ممنوعة كالمواد الغذائية والملابس وغيرها.
ويضيف التاجر الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن هذه السجائر تُنقل من كردستان العراق إلى سوريا عن طريق تجار سوريين يتعاملون مع أشخاص مقيمين في دهوك وأربيل، ثم تصل في النهاية إلى الموصل.
المصدر الآخر هو المحافظات العراقية الوسطى والجنوبية، إذ تُدس السجائر تحت البضائع، لا بل وصل الأمر إلى إدخالها بواسطة الصهاريج وبراميل النفط، والنسبة الأكبر من البضاعة المطروحة حالياً رديئة النوعية وهي مستوردة خصيصا لكي تُهَّرب لأنها تحقق أرباحاً عالية نظراً للمخاطر التي تحف عملية تسويقها.
توزيع البضاعة على بائعي التجزئة وثم بيعها على المدخنين هي عملية خطرة أيضاً في ظل النشاط الاستخباري لتنظيم الدولة الاسلامية، فالتعامل بين التجار (المهّربين) وتجار التجزئة والمدخنين مبني على الثقة المتبادلة قبل أي شيء آخر.
يقول أبوقيس الذي يشير إلى إن الأسواق التي يتعامل معها تشهد إقبالاً كبيراً قياساً بغيرها "انها البضاعة التي تحقق أعلى نسبة أرباح في هذا الوقت" لذا فإن صاحبها أصبح محط أنظار منافسيه حتى أنهم وشوا به أكثر من مرة، لكنه يحتاط جيداً ويخبأ السجائر وتبغ النركيلة في مكان بعيد عن الأنظار مثل الكثيرين.
عناصر الحسبة يولون قضية الدخان أهمية كبيرة، حيث نُشرت مؤخراً صوراً عن عملية ضبط كميات كبيرة من السجائر قبل إدخالها إلى الموصل بواسطة براميل نفط.
ويذهب التاجر إلى إن "دولة الخلافة" مستفيدة بالنهاية من كل ذلك، فطالما إن السجائر باتت تشكل مصدراً مالياً مهماً لها، وإذا كانت الغرامة على المدخن خمسة آلاف دينار عراقي، فإنها تصل إلى ملايين عندما يتعلق الأمر بضبط شحنات كبيرة، وهذا ما حدث مع أحد شركائه عندما غرّمته الحسبة عشرة ملايين دينار.
ويذهب الرجل إلى أبعد من ذلك ويقول "إن دولة الخلافة ذاتها تغض الطرف عن بعض التجار مقابل حصولها على نسبة من الأرباح.
أياً كان الظروف، فإنها لم تعد تشكل قلقاً كبيرا لمدمني التدخين في الموصل طالما أنهم يجدون سيجارة متى ما اشتهوها، فهم يستعينون بها على الحياة القاسية التي يعيشون في كنفها منذ تسعة شهور.