لاشك أن الخروج من السجن سعيا في البحث عن الحرية أمرا كان يراود مخيلة الكثير من نزلاء سجن بادوش (20 كم غرب الموصل)، إلا أن شبح الرعب وما رافقه من قتل طال المئات منهم، جعلها جريمة واسعة النطاق بقيت عالقة في ذهن من نجا منها.
وكانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد أعلنت، في (25 آب 2014)، عن قيام تنظيم "داعش" بقتل نحو 670 سجينا من بادوش بالموصل في حزيران الماضي، فيما وجه وزير العدل السابق حسن الشمري، بشمول الهاربين منهم بقانون العفو الخاص في حال سلموا أنفسهم إلى الجهات المختصة وفق الضوابط القانونية.
"بقيت قاطعاً أنفاسي بعد تساقط جثث المعدومين فوقي، إلى أن جاء الأمر بالتوقف عن إطلاق الرصاص"، بهذه الجملة أوضح نصر عباس صالح كيفية نجاته مع سجناء آخرين لا يتعدى عددهم أصابع اليد، من بين 495 سجينا أعدمهم تنظيم "داعش" الارهابي ساعتها بعد أن أخرجهم من سجن بادوش.
فالوصول إلى بر الأمان كان غاية في الصعوبة ولم يكن أمامهم الكثير من الخيارات في منطقة يجهلونها، ويضيف صالح قائلا، "في حوالي الساعة الرابعة فجرا في 10 حزيران 2014، سمعنا إطلاق رصاص وقصف بالهاونات وتفاجئنا بأن السجن كان خالياً من حراسه وأبوابه مقفلة علينا".
ويوضح صالح، أنهم "عندما خرجوا وجدوا سيارات يردد أصحابها عبارة لقد أنقذكم الثوار من السجن، الأمر الذي دفعهم إلى الركوب معهم بعد أن أوهموهم بأنها متجهة نحو مرآب الموصل"، مؤكدا أن "الريبة والشك تسللت الى نفوسهم بعد انعطاف تلك السيارات نحو الصحراء".
ويسترسل صالح بالقول، إن "ما يناهز الـ200 مسلحا أغلبهم شبان من الموصل يرتدون زيا هنديا وأفغانيا جمعوهم الى أن أصبح عددهم 495 نزيلا في تلك الساعة، باستثناء من تم نحرهم والمجاميع الأخرى"، مبينا أن "المسلحين اقتادوهم إلى نهر جاف لكي يجهزوا عليهم بذريعة أنهم روافض".
ويتابع، أن "المسلحين اختلفوا فيما بينهم، لأن كل واحد منهم أراد أن ينفذ حكم الإعدام بنا".
ويقول نصر عباس صالح، إنه "استلقى على الأرض خلف صخرة عندما بدأ المسلحون بإطلاق الرصاص عليهم، لتفادى النيران وكانت الجثث تتساقط فوقه"، مبيناً أنهم "قاموا بعد ذلك بإشعال النار بهدف حرق الجثث، وإطلاق النار على من بقي حيا".
وتابع أنه و"18 آخرين نجحوا في تمويه أنفسهم والتظاهر بأنهم قتلى وسط الجثث الى أن رحل الإرهابيون"، مشيرا الى أنهم "ساروا لمسافة تقارب الثلاثة كم، ليصادفوا بعدها سيارات تابعة لداعش قتلت 14 منهم ليتقلص عددهم الى خمسة فقط".
ويزيد صالح أنه "عند بزوخ الفجر وصلنا إلى مدينة تكريت والتقينا حينها بمجموعة من جنود قاعدة سبايكر لا يعرفون ما هي الأوضاع وكانوا من مواليد التسعينيات"، مؤكداً أن "الجنود خرجوا من القاعدة بعد أن أعطاهم المسلحون الأمان بعدم قتلهم، ولكننا بقينا نمشي معهم".
ويوضح ان "جنود سبايكر كانوا يقولون إن الفرقة الذهبية بقيت في القاعدة ولم تستسلم، بينما نحن ألقينا السلاح وخرجنا بعد أن أخذنا الأمان من المسلحين"، لافتا الى أن "اثنين منهم ذهبوا مع التنظيم بسبب طول مدة المسير ولم يبق إلا ثلاثة حيث اتصلوا بأهاليهم ليستقبلوهم في سامراء ومنها إلى بغداد".
يذكر أن تنظيم "داعش" اعدم المئات من نزلاء سجن بادوش في الموصل وطلبة قاعدة "سبايكر" شمال تكريت عندما فرض سيطرته على هاتين المنطقتين، منتصف حزيران الماضي، فيما أشارت مصادر أمنية الى أن سبب إعدامهم يعود الى خلفيات طائفية.