بعد الانتكاسة التي منيت بها العلاقات الأميركية - المصرية على خلفية دعم إدارة أوباما لنهج الإخوان المسلمين في السلطة والحكم كذلك الموقف المتذبذب تجاه الجنرال عبد الفتاح السيسي إضافة إلى المعلومات الاستخبارية التي تفيد عن ضلوع المخابرات الغربية و»الإسرائيلية» بدعم الجماعات المسلحة في مدن مثل سيناء وغيرها بهدف إثارة القلاقل والفوضى وإرباك حكم «العسكر» كما تسميه الولايات المتحدة التي فوجئت بالسقوط السريع والمروّع للتجربة الإخوانية التي دعمتها في أكثر من بلد عربي كانت نقطة الافتراق الأولى بين السعودية التي دعمت علناً السيسي والولايات المتحدة الرافضة لهذا الحكم تحت حجة «الانقلاب» على الديمقراطية...
أما نقطة الخلاف الثانية التي كانت أساسية في إظهار التنافر إلى العلن فكانت الملف السوري وكيفية تعامل الإدارة الأميركية معه. ففي حين كانت تصّر المملكة على ضرورة اسقاط الدولة في سورية بقيادة الرئيس بشار الاسد بالقوة مستخدمة كل الذرائع والإمكانات السياسية والعسكرية والاستخباراتية لتحقيق ذلك كانت الولايات المتحدة تتصرف ببطء وحذر شديدين لما تعلمه من مخاطر جمّة قد تنتج عن شنّ العدوان العسكري على سورية وعلى المنطقة ككل الأمر الذي دفعها للتراجع عنه وتحويله إلى مجلس الأمن من جديد وإخضاعه لسياق التفتيش والعقوبات والقرارات الأممية وهو ما أثار حفيظة المملكة التي اعتبرت هذا الموقف تراجعاً وخذلاناً لكل حلفاء أميركا في المنطقة وفي الوقت نفسه أعطى دفعاً جديداً لسورية بقيادتها للبقاء والتفاوض من موقع قوة وقد أعربت المملكة على لسان رئيس الاستخبارات السعودي عن خيبة أمل كبيرة نتيجة تعامل الحكومة الأميركية مع القضية السورية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك إذ أن التعثر في إيجاد مخرج للأزمة الفلسطينية حمّلت المملكة مسؤوليته لإدارة أوباما الذي يُظهر النفور وعدم الود لنتنياهو ولكنه في واقع الأمر يحرص على تحصين المصلحة «الإسرائيلية» لتبقى هي الاساس في حين تعوّل المملكة كثيراً على تحقيق إنجاز ما في القضية المركزية العربية ألا وهي فلسطين لترسيخ مكانتها في العالم العربي والإسلامي.
وليس بعيداً عن فلسطين يبدو لبنان الحاضر الغائب عن جدول الخلافات الأميركية السعودية ففي حين تصرّ المملكة على عدم إشراك حزب الله في أيّ حكومة لبنانية تضمن له حق «تعطيل» القرارات ترى الولايات المتحدة أنه لا ضير من مشاركته في تشكيل الحكومة شرط إعطاء حلفائها قوة اتخاذ القرارات وعرقلة كل ما يخدم مصالح الحزب من قريب أو بعيد. وقد وظّفت المملكة الكثير من أموالها ونفوذها وحلفائها لتحقيق أهدافها وها هي معضلة تشكيل الحكومة ما زالت قائمة في لبنان وعلى وقع ملف أمني مفخخ قابل للاشتعال في أيّ لحظة وعلى أكثر من جبهة.
لقد عزّزت مشاركة حزب الله في بعض المعارك الدائرة في سورية تصلّب المملكة تجاهه وأرسلت رسائل مختلفة منها أمنية من أجل دفع الحزب الى التراجع عن القتال في سورية إذ بسببه تمّ قلب الموازين العسكرية على الارض وبعدها السياسية بعد الانتصارات التي حققها في مدينة القصير وغيرها مقابل الدعم الكبير والمهم الذي تقدّمه المملكة لما يسمى بـ»الجيش الحر» وتوابعه وتحمّل السعودية سبب خسارتها هذه المواقع للولايات المتحدة التي رفضت التسليح الثقيل «للمعارضة» السورية ما أثّر على قدرتها الدفاعية مقابل ضربات الجيش السوري وقدرات حزب الله القتالية وهو ما أفقدها شهية المشاركة في مؤتمر جنيف ـ2 الذي بات طاولة لترجمة الانتصارات العسكرية على الأرض وتحسين شروط التفاوض للأقوى.
هذا المؤتمر الذي تحشد له الولايات المتحدة كل الدعم وتعتبره خشبة الخلاص للمأزق السوري تبدو المملكة معرقلة له ورافضة لعقده وهو ما أثار حفيظة اميركا تجاه ما أسمته «جحود المملكة» لدعم الولايات المتحدة لها منذ عقود ليست قليلة وهو ما دق إسفيناً آخر في جسد العلاقات بين البلدين الحليفين وبدت كأنها كما وصفها أحد المعلقين الصحافيين «سيارة محطمة تسير ببطء نحو الهاوية».
هذه النظرة المتناقضة بين البلدين تجاه قضايا عدة تعكس الافتراق داخل المملكة بين أجيال «هرمة» و»شباب - عجوز» أيضاً وهم يتخبطون بصياغة سياسة جديدة للملكة تختلف عمّا اعتادت عليه من «نأي» بالنفس وعدم الانغماس المعلن في «وحول» القضايا الشائكة بالمنطقة.
شعرت المملكة السعودية بالخطر ما أشعل غضبها أولاً من أميركا نتيجة مواقفها الأخيرة من سورية وإيران ودفعها الى رفض مقعد غير دائم في مجلس الامن لأسباب واهية لم تقنع أحداً ولكنها تبعث برسائل سياسية إلى الإدارة الاميركية أتبعتها برسائل اقتصادية تهدّد بتقليص تعاطيها الاقتصادي معها على مستوى الودائع المصرفية في البنوك الأميركية وحجم الاستثمارات معولة على النكسة المالية الأخيرة التي تعرضت لها أميركا على خلفية قرارات الكونغرس متناسية بأن الولايات المتحدة بدأت منذ سنوات عدة الإنتاج والاعتماد على مصادر الطاقة الخاصة بها وتقليل الاستيراد من الشرق الأوسط وأن الاقتصاد السعودي مرتبط بـ»دولرة» يصعب التنصل منها بسهولة وتحميلها لسوق مالية أخرى وفي هذا السياق يستذكر متابعون للعلاقات الاقتصادية الأميركية السعودية ما سربه اوباما عن أن الولايات المتحدة ستصبح عام 2015 بلداً مصدراً للنفط والغاز وليس بلداً مستورداً وبهذا تستعدّ اميركا للاستغناء عن استيراد النفط من منطقة الشرق الاوسط ما قد يستتبع «الاستغناء» عن بعض الحلفاء العرب أيضا؟!.
*منال الربيعي - البناء اللبنانية