وجاء في النداء الذي حمل عنوان (نداء إلى عقلاء الأمة) أننا نتابع بألم بالغ، تصاعد نبرة الاختلاف بين أبناء الأمة، ودعوات التعصب والانغلاق الفكري، وسيادة الخطاب الطائفي الذي يفرّق ولا يجمّع، وينذر بالفتك بمقدرات الأمة المادية والبشرية، وتَبدّي بعض مظاهر التنازع المحموم بين أتباع بعض المذاهب الإسلامية.
وقال الأمير: لقد تغلّب صوت العنف على الحوار الهادئ البنّاء، وتراجعت لغة الرحمة أمام سطوة الغلو والتشدد والتطرف والتعصب وشهوة الإقصاء.
وأضاف أن التصريحات المتوالية والفتاوى المهلكة، تذكرنا بخطورة هذه الممارسات، وما يمكن أن يترتب عليها من آثار نافية لوحدة الأمة ومهدد لقدرتها على مواجهة ما تتعرض له من تحديات جسام، ليس أقلها ما تشهده كثير من بلاد العرب والمسلمين من فوضى وعدم استقرار.
وبين أن الدعوات التي تحث على الكراهية والتكفير والأحقاد والانتقام وصلت حدًا يمزق نسيج الأمة الاجتماعي والوطني، ويهدّد حاضرها ومستقبلها، ويتنافى مع النموذج الإنساني الأخلاقي الذي قدمه الدين الإسلامي الحنيف إلى العالم، وتأسس على مبادئ الكرامة، والعدالة، والحرية، والشورى والإخاء.
ولفت إلى أن حال الأمة اليوم يناقض كل ما أُمرت به من موجبات الإخاء والاعتصام، وينافي ما جاء في الذكر الحكيم من حض على الوحدة والوئام، إذ أصبحنا منكفئين على أنفسنا؛ منشغلين بالتجاذبات المتبادلة، والتناقضات المصطنعة، والفتن المحصنة بفتاوى التكفير، والتعبئة الداعية للتناحر والفرقة.
وزاد: لقد سمحنا لأنفسنا أن نُغيب الثوابت، التي تجاسرنا في مرحلة ما أن نسميها الثوابت القومية، أوالإسلامية، والتي تدعو إلى التضامن والتعاون والتكاتف وتؤكد حتمية الوحدة. وإذا تخلينا عمَّا تبقى منها، فسيكون ذلك بمثابة الاعتراف بما يبرر استمرار حال الفوضى والتردي، مع تزايد احتمالات توسيع رقعة هذه الفوضى وهذا التردي إلى حروب أهلية وويلات مردها الأساس نهاية الإرادة الإسلامية الجامعة واستبدالها بدعوات الفتنة والفرقة.
وأكد الأمير في النداء أن وحدة الأمة هي الفريضة الغائبة وتماسكها هو الحكمة المنسية، والتفريط، الذي يصف ظاهر ممارساتنا اليوم، هو نازلة خطيرة تستدعي من أهل العقل أن يكونوا على مستوى الحدث، وأن يتنادوا إلى كلمة سواء، وأن يتخذوا ما أمكن من الحيطة والحذر.
وقال إن لقاءات القمم الإسلامية نادت بوحدة المسلمين ونبذ الفرقة والتطرف، وعدم تكفير أتباع المذاهب الإسلامية، والتأكيد على ضرورة تعميق الحوار بين المذاهب الإسلامية، كما نددت بالجرأة على الفتوى ممن ليس أهلاً لها ما يعد خروجاً على قواعد الدين وثوابته وما استقر من مذاهب المسلمين.
وأكد أن اجتماع الأمة الإسلامية ووحدة كلمتها هو سر قوتها، ما يستوجب عليها الأخذ بكل أسباب الوحدة والتضامن والتعاضد بين أبنائها، والعمل على تذليل كل ما يعترض تحقيق هذه الأهداف وبناء قدراتها من خلال برامج عملية في جميع المجالات.
واكد أن دعوته ستبقى أن يعز الله الإسلام بوحدة المسلمين، لأن التجرد الموضوعي في النظر إلى قضايا الأمة، والدفع المستمر باتجاه وحدتها، الذي لازم مسيرة جهده الفكري والعملي، هو الضامن لعودة الأمور إلى نصابها.
وقال: إذا اختلت في نظر البعض موازين التصورات السليمة، أو حادت ممارسة العمل السياسي عن مسارها الطبيعي، فالحكمة تدعونا دائماً إلى التقيد بقيم الدين الحنيف، واقتفاء الموروث الحميد، والتقيد بالتقاليد السمحة. وتحضنا الظروف القائمة على الالتزام بروح الدين الذي هو المعاملة، وعلى أداء الواجبات وأخذ الحقوق والحفاظ على الحرمات من خلال ما شرعه الخالق وما أقرته المؤسسات العدلية وتضمنته التشريعات الدستورية، التي ارتضاها الجميع حكماً بينهم.
كما جدد الدعوة إلى إعلاء قيم الدين المشتركة فوق كل تفاصيل الخلافات المذهبية. كما أهاب بالحكماء والعقلاء إلى وقفة تأمل جادة، نراجع فيها خطل أحوالنا، وننبذ الاقتتال بين الأشقاء على أسس الاختلاف المذهبي ونتصدى بكل ما نملك للتطرف بأشكاله كافة بما يسهم في إيقاف الفتنة الطائفية وأعمال العنف الدائرة في بقاع مختلفة من الوطن العربي والإسلامي الكبير.
ودعا العقلاء والمخلصين من أبناء الأمة؛ قادة سياسيّين وروحيّين ومفكرين ومثقفين، إلى أن ينهضوا بدورهم الريادي في نشر قيم التسامح والاحترام والمواطنة والعيش المشترك، وأن يعملوا على تخليص الخطاب العام من التسميات والمصطلحات، التي تولّد الكراهية وتقود إلى الانقسامات؛ سواء أكانت دينية أم عرقية، وأن يأخذوا الناس إلى هدف الوحدة بالحكمة والموعظة الحسنة.
وختم نداءه بقوله: كفانا ما لحق ويلحق بنا من ضرر وإساءة بصورة الإسلام السمح جرّاء نوازع الكراهية، التي تغذي تصرفات فئات مضلّلة من المسلمين، وكفانا تصريحات وفتاوى منفلتة ودعوات منحرفة تفرّق ولا تجمّع؛ امتثالاً لقول الحق، تبارك وتعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].