إن شنَ أي حرب يحتاج إلى ذريعة. وفي حال غياب مثل هذه الذريعة, يتم اختراعها. إنه شيء في غاية السهولة, حيث يتم استبدال الحقائق بالأكاذيب. ولا يمكن التخلص من مزاعم استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية بهذه البساطة, فتكرار هذه المزاعم يجعل الناس يصدقونها. وقد رأينا كل هذا من قبل.
قادَ خطاب كولن باول سيء الصيت, الذي ألقاه في "مجلس الأمن" في 5 شباط/فبراير 2003, إلى الحرب. كان نوعاً من الخداع الرخيص. فقد اعترف لاحقاً أن مزاعم "أسلحة الدمار الشامل" كانت مزيفة. لكن اعترافه جاء متأخراً جداً.
تم وضع الخطط وتحضير المسرح. وبعد عدة أسابيع, قامت الولايات المتحدة بقصف وغزو واحتلال العراق. وتم تدمير مهد الحضارة. ولم يتم العثور على "أسلحة الدمار الشامل". تكشفت الحقيقة للجميع, ولكن تم تجاهلها.
وبقية القصة معروفة ... ...
الأكاذيب الكبيرة تشن الحروب. يقول تسون تزو, في "فن الحرب": "كل الحروب مبنية على الخداع. يتم تجنيد الرأي العام من خلال بث الخوف, والتضليل الإعلامي, ونشر الأكاذيب. ومن ثم يطلق على العدوان السافر اسم التدخل الإنساني.
ليبيا تلوح في الأفق من جديد. إذ يبدو أن فبركة استخدام الأسلحة الكيماوية مجرد ذريعة لشن حرب شاملة. يزعم وزير الخارجية الأمريكية جون كيري أن سوريا شنت هجومين بالأسلحة الكيماوية.
وقال وزير الدفاع الأمريكي تشَك هيغل إن استخدام هذه الأسلحة "يخرق كافة الأعراف الحربية".
جاء في مقالة نشرتها "لوس آنجيليس تايمز" في 25 نيسان/إبريل, بعنوان "صناع القرار الأمريكي يطالبون بالتصرف حيال الأسلحة الكيماوية السورية":
"يريدون اتخاذ خطوات سريعة.
حذرت السيناتورة دايان فينشتاين من أن عدم التصرف بحسم, ‘يمكن للرئيس الأسد أن يعتقد أنه لم يبقَ لديه شيء يخسره.’ ويمكن ‘أن يعمل على تصعيد النزاع.’
كما أضافت, ‘من الواضح أن الخطوط الحمراء قد قطعت ويجب التصرف بسرعة لمنع استخدام هذه الأسلحة على نطاق أوسع. تتمتع سوريا بالقدرة الكافية لقتل عشرات الآلاف بواسطة أسلحتها الكيماوية.’
أما السيناتور جون مَكين فقد قال, ‘من الواضح جداً أن الخط الأحمر قد تم تجاوزه.’
ويعتقد السيناتور الجمهوري آدم شيف أن الأسد يختبر المجتمع الدولي, ‘قالت الإدارة إن استخدام الأسلحة الكيماوية سوف يغير قواعد اللعبة, ولكن من غير الواضح كيف سيكون شكل اللعبة الجديدة.’
‘أعتقد أن على المجتمع الدولي أن يتصرف بسرعة وبقوة.’"
وفي اليوم نفسه كتب رئيس تحرير "لوس آنجيليس تايمز" عموداً بعنوان "‘خط أحمر’ بشأن سوريا":
"إذا كان نظام الأسد قد استخدم الأسلحة الكيماوية بالفعل, على الولايات المتحدة أن تفي بتعهدها وتتصرف.
إن استخدام الأسلحة الكيماوية يمثل تصعيداً متهوراً في الحرب التي يشنها الأسد على شعبه.
أجل, يجب على الرئيس أن يتأكد قبل اتخاذ أي إجراء؛ ولكن إذا تبين أن الأسد قد تجاوز ‘الخط الأحمر’, عندها يتوجب على أوباما أن يتصرف."
وعنونت "شيكاغو تريبيون" صفحتها الرئيسة بما يلي: "الخط الزهري", متسائلة: "في حال كان الأسد قد استخدم الأسلحة الكيماوية, ما ذا سيفعل أوباما؟"
"لقد رسمَ خطاً أحمرَ في شهر آب/أغسطس الماضي. ... وضع عدداً من الخطط الطارئة, لكنه لم يفصح عنها.
والآن هناك دليل متعاظم, وإن لم يكن حاسماً, أن الأسد, وإن لم يكن قد تجاوز الخط الأحمر, قد اقترب كثيراً منه."
أما محررو "تريبيون" فيريدون إجراءات صارمة. "قلنا مراراً وتكراراً إن على الولايات المتحدة أن تسلح المتمردين."
لكن عملاء "سي آي إيه", الذين يعملون بشكل سري في جنوب تركيا, كانوا يقومون بذلك منذ البداية عبر شبكة من الوسطاء. كما أن الأسلحة تدخل أيضاً من لبنان والأردن وإسرائيل.
يحرض محررو "تريبيون" على المزيد. أقيموا منطقة حظر طيران "لشل حركة قوات الأسد الجوية". لكن مثل هذا العمل هو بمثابة شن حرب.
"اقصفوا الطرق التي يتم نقل الأسلحة الكيماوية عبرها, لجعل نقلها صعباً أو مستحيلاً."
إن قصف أي مكان يعني قصف كل مكان يتمتع بأهمية إستراتيجية. إن محرري "تريبيون" يحرضون على الحرب. وهم ليسوا الوحيدين الذين يفعلون ذلك.
في 25 نيسان/إبريل, أبرزت "وول ستريت جيرنال" عنواناً عريضاً يقول: "الأسلحة الكيماوية والعواقب: سوريا تكشف خدعة الرئيس أوباما بخصوص أسلحة الدمار الشامل", حيث جاء في الصحيفة:
"بصفتي رئيساً للولايات المتحدة, أنا لا أخادع", قال أوباما.
صرحَ "بمقولته الشهيرة هذه في آذار/مارس 2012, محذراً القادة الإيرانيين أنه لن يسمحَ لهم بامتلاك الأسلحة النووية."
وقال الشهر الماضي:
"وضحتُ لبشار الأسد وكل من يطيعون أوامرَه: لن نسكت على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري, أو نقل تلك الأسلحة إلى الإرهابيين."
"العالم يراقب؛ وسوف نحاسبكم على ذلك."
"أو لن نحاسبكم"و قال محررو "جيرنل". "على إسرائيل أن تفكر بخياراتها العسكرية لضمان المخزون في حال لم تتصرف الولايات المتحدة ..."
"الرؤساء الذين يخادعون سينكشف خداعهم مرة بعد مرة, وسيكون لذلك عواقب أكثر خطورة في كل مرة."
الاتهامات الرسمية مألوفة. وكذلك اللغة الخطابية الساخنة التي تلي ذلك. إن أوباما يتجه, أكثر فأكثر, نحو التدخل الشامل. حيث تقول التقارير سيتم نشر حوالي 200,000 جندياً أمريكياً في الأردن.
في 6 نيسان/إبريل, استقبلَ أوباما ملك الأردن عبد الله الثاني في واشنطن. وربما تناقشا في خطط الغزو.
تعليق أخير
أثناء لقائه الملك عبد الله, كاد أوباما أن يقول إن الأسد قد تجاوز "الخط الحمر". وكان قد حذر سابقاً من أن ذلك سوف يؤدي إلى "عواقب غير محددة". وعلى الأرجح أنه قصد التدخل الأمريكي المباشر.
فقد قال للصحفيين: "إن قصف المدنيين بقذائف الهاون وقتل الناس بهذه الطريقة العشوائية شيء مرعب بحد ذاته, لكن استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد التجمعات المدنية يجتاز خطاً أحمرَ آخرَ فيما يتعلق بالأعراف الدولية والقانون الدولي."
"إن من شأن ذلك أن يغيرَ قواعد اللعبة. علينا أن نتصرف بحكمة."
"علينا أن نجري هذه التقييمات بدقة. ولكن أعتقد أننا جميعاً ... ندرك أنه ليس بمقدورنا أن نقف ونسمح بالاستخدام المنهجي لأسلحة مثل الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين."
وأكد أن التصرف في هذه الحالات يتطلب "استجابة سريعة".
وقد قال المتحدث باسم البيت الأبيض جي كارني: "إنه يحتفظ بكافة خيارات الرد." وسوف توضح التقارير القادمة هذه الخيارات بشكل أكبر.
*"غلوبل ريسيرتش"- الجمل