فبعد سقوط الخلافة العثمانية سعت كل من لندن وباريس على ذرع الفتن بين الطوائف الدينية فى المنطقة العربية، وعملت على تنصيب رؤساء غير أكفاء كانوا بمثابة ولاة أو شركاء لهذه الدول فى تنفيذ مخطط الاستعمار السياسى فى بلدانهم، وبعد انزواء هاتين الدولتين عن المشهد السياسى الدولي بشكل غير مباشر؛ جاءت أمريكا لتحل محلهما فى تنفيذ خطة ينون 1996 التى استهدفت مساعدة القادة الفاسدين لإعادة هيكلة إفريقيا والعالم العربي، وتزامن وضع خطة ينون مع خطة بايدن التى دعت بالإضافة إلى تقسيم العراق تقسيم كل من لبنان ومصر وسوريا وتركيا والصومال وباكستان وإيران وشمال إفريقيا.. وبالرغم من بعض الانحراف إلا أن خطة ينون مستمرة التحقق عبر ما أُطلق عليه " كلين بريك" وهى وثيقة سياسية قُدمت لبنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل تحت عنوان "الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة لعام 2000م" والتي شارك فى صياغتها كل من ريتشارد بيرل الذى كان يعمل كعضو فى البنتاجون الأمريكي فى عهد رونالد ريجان ثم أصبح مستشارًا عسكريًّا لجورج بوش الابن وجيمس كولبرت ممثل المعهد اليهودي لشئون الأمن القومي، وجوناثان تروبي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، واستهدفت الاستراتيجية فى مجملها تأمين ما أطلق عليه فى هذه الوثيقة "الملكوت" أو مملكة إسرائيل، وغالبًا ما يستخدم لفظ ملكوت للتعبير عن إقليم تحت حكم ملك، أو سقط تحت سيطرته، مع ترك مجال لسيطرة ذاتية عبر أفراد يحكم السيطرة عليهم أو خدم لهم، بما يعنى وفقا لما جاء فى هذه الاستراتيجية أن الشرق الأوسط الجديد الذى تعتبر الثورات العربية الراهنة جزءًا من تحقيقه هو فى ذاته ملكوت لتل أبيب.
وتعتبر خطة ينون استمرارًا للحيلة البريطانية الخبيثة فى الشرق الأوسط، فما يحدث الآن من فوران ثوري فى المنطقة العربية ما هو إلا استراتيجية إسرائيلية لضمان تفوق إسرائيل فى المنطقة، والعمل على بلقنتها جغرافيًا، أي تقسيمها جغرافيًا على سياق ما حدث لدول البلقان من تقسيم، بهدف تحويل المنطقة العربية إلى كنتونات جغرافية صغيرة، يغلب عليها طابع الصراع المستمر من أجل الموارد، بما يضمن فى نهاية المطاف إحكام السيطرة عليها وضمان ضخ المنتجات البترولية إلى إسرائيل وحلفائها وبالأسعار التى تحددها، وتضمنت الاستراتيجية ثلاثة محاور أساسية يتم تقسيم المنطقة العربية على أساسها، أولها التقسيم حسب اللغة الأصلية ثانياً التقسيم حسب لون البشرة ثالثاً التقسيم حسب الدين، مع الاعتماد فى هذا السياق على دعم وتعزيز الفوضى والانقسامات الدينية كمعول فعال للإسراع بعمليات التفتيت الشعبي والصراع الطائفي بما يحقق التقسيم الجغرافي المخطط لنحت خريطة الشرق الأوسط الجديد..
والغريب فى الاستراتيجية الإسرائيلية هو تشكيل شرق أوسط جديد خالٍ من المسيحيين تماماً وكأن واشنطن وتل أبيب وبروكسيل يخططون بشكل جاد لتهجير المسيحيين قسريًا من الشرق الأوسط إلى أوربا، لخلق ما يسمى بمسلمي الشرق الأوسط حتى تتمكن إسرائيل من تنفيذ مخططها دون اعتراض يذكر من مسيحيي الغرب، وربما يفسر ذلك كثرة الاضطرابات بين المسلمين والأقباط فى مصر.. أما اليهود فينحصر وجودهم بين إيران وإسرائيل، فعدد السكان اليهود فى إيران هو العدد الأكبر فى الشرق الأوسط.. كما أن إيران بها أقدم الجاليات اليهودية فى العالم والتي عاشت -ولاتزال - فى سلام، ومن ثم فإن الاعتقاد بانتقال اليهود من إيران إلى اسرائيل هو أمر يدعو للسخرية، ....
وعلى أية حال فقد حاولنا أن نقدم فى مقالتنا هذه رؤية جديدة لخرافة الربيع العربي؛ بناء على ما طالعناه من تقارير أمريكية جديدة صدرت عن أكبر المراكز البحثية فيها، تثبت أننا قادمون على حرب أهلية لتدشين فكرة التقسيم .. وهذا ما يؤكد أننا مازلنا نائمين وقد أوشكنا على الغرق وحان الوقت لأن نستيقظ، ونرمى خلف ظهورنا كل خلافاتنا الداخلية، ونقف فى جسد واحد ندافع عن الكيان الوطنى شعبًا ونظامًا..
*د. صلاح هاشم - المصريون