وأوضحت الوثائق التى نشرتها صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، أن المعلومات العسكرية لدى أجهزة المخابرات لم تكن كافية لتوقع موعد الحرب بل وكانت متضاربة، من أجل الاستعداد لعمل عسكرى وقائى لردع المصريين قبل خوضهم المعركة وترجيح كافة الميزان فى صالح الجيش الإسرائيلى.
ووصفت الصحيفة العبرية تلك الوثائق بأنها أكثر الوثائق الرائعة فى مداولات لجنة "جرانت" التى حققت فى الأحداث التى أدت إلى حرب "يوم الغفران" – التسمية العبرية لحرب أكتوبر – حيث تضمنت الوثائق شهادة العميد جنرال "يسرائيل ليئور" مساعد رئيسة الوزراء الإسرائيلية فى ذلك الوقت جولدا مائير للشئون العسكرية.
وأكدت الوثائق أن جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للجيش الإسرائيلى فشل فشلا ذريعا فى تلقى المعلومات حول بدأ المعركة، كما أن وسائل الردع الإسرائيلية فشلت هى الأخرى فى صد الهجوم المصرى.
وأوضحت الوثائق أنه فى خريف عام 1973، وبعد عقود من عمل جولدا مائير العام وعملها فى النشاط الحكومى والذى وصل لحوالى تسع سنوات فى وزارة الشئون الخارجية وما يقرب من خمس سنوات رئيسا للوزراء، فإنها كان تختار بنفسها عملاء الموساد دون الخبرة فى المسائل الاستخباراتية وكان لديها أسلوبها الخاص فى هذا الأمر.
وأوضح ليئور أن مائير كانت تتعامل مع عملاء الموساد بصورة شخصية ومع مرور الوقت كانت تحصل على المعلومات الموثوق بها بأكثر من مصدر، موضحا أن جميع البيانات والمعلومات التى حصل عليها "الموساد" وقام بفحصها وتحليلها لإجراء تقييمات عليها حول موعد الحرب أكدت أن رئيس الموساد نقل بصورة مباشرة لمائير وعلى الفور ودون أى وسطاء مواد معلوماتية ذات أهمية خاصة قدمها العميل المصرى رفيع المستوى أشرف مروان المقرب من الرئيس الراحل أنور السادات عن موعد الضربة العسكرية المصرية.
وأضاف مساعد مائير خلال إدلائه بشهادته أمام اللجنة أن المصدر نفسه – فى إشارة إلى - أشرف مروان- قال لنا إن موعد الحرب سيكون يوم الجمعة أى عشية عيد "يوم الغفران" بـ 24 ساعة وتحدث لنا ثلاث مرات بالفعل، مشيرا إلى أنه تم اجتماع بين زامير ومروان فى لندن تم مناقشة فيه موعد الحرب، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلية قالت إن مروان أخبرها من قبل أن الحرب قد تنشب فى خلال شهر ونصف أو شهرين خلال اجتماعها الأخير معه فى 21 سبتمبر، أى قبل أسبوعين من الحرب، الأمر الذى جعلها تتشكك فى معلومات مصدر رئيس الموساد والتى لم تكن تعلم من هو.
وأوضح ليئور أن رئيس الموساد لم يخبر مائير أن عميله السرى الذى سيقابله فى لندن لأمر مهم هو أشرف مروان فى لندن، وأن جولدا لم تكن تعلم بأنه سيقابل نفس المصدر الذى كانت تتواصل معه بصورة شخصية بل انها صعقت بعدما علمت بعد المعركة أن مروان كان يستخدم نفس كلمة السر معها خلال لقائه بزامير وهى "المواد الكيميائية".
وأضاف مساعد جولدا أن زامير لم يتشكك فى تقييم رئيسة الوزراء فى اجتماع لرؤساء المنظومة العسكرية قبل يومين من اندلاع الحرب، وأنها كانت مطمئنة بأن الحرب لن تنشب.
وأوضح ليئور أن جولدا مائير لم تتشكك فى معلومات مروان الذى كان ينظر إليه فى وقت لاحق للحرب بأن معلوماته كانت صحيحة حول التوقيت الدقيق للهجوم المصرى والسورى، مشيرا إلى أنه كان صحيحا فى جوهره، بشأن الشروع فى الحرب المشتركة، ولكن مجموعة أخرى من المعلومات جاءت باستنتاجات مفادها أن نشوب الحرب أمر غير مرجح.
وأوضحت الوثائق التى رفع عنها السرية ونشره موقع أرشيف جيش الاحتلال الإسرائيلى ووزارة الدفاع ونقلتها الصحيفة العبرية أن ليئور كان بمثابة همزة وصل بين مائير وسلفها، ليفى اشكول ومختلف قيادات وزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات، وكان حاضرا خلال جميع الاجتماعات التى عقدت فى الأيام الثلاثة الأولى للحرب ورأى وسمع أشياء كثيرة ليصبح فى جوهره جهاز كمبيوتر محمول وذاكرة عالية المساحة، على حد وصف الصحيفة.
وأشار ليئور خلال شهادته للجنة جرانت إلى أن "الخطيئة" التنظيمية الأولى لنشوب المعركة هو تعيين "موشيه ديان" وزيرا للدفاع عقب حرب 1967 فى حكومة ليفى أشكول واستمراره فى هذا المنصب.
وأشار ليئور إلى أن كلا من أشكول ومائير كانا لديهما القدرة الرسمية لاستدعاء كلا من رئيس هيئة الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ولكنه بعد تولى ديان لمنصب وزير الدفاع فى الفترة (يونيو 1967-1974) أصبح حاجزا بين زملائه فى مجلس الوزراء ورؤساء الأركان إسحاق رابيين وحاييم بارليف ثم ديفيد إليعازر، موضحا أن أشكول وجولدا كانا على اتصال مباشر فقط مع رؤساء الموساد مائير عميت ومن بعده تسفى زامير ورئيس جهاز "الشين بيت" يوسف هارملين.
* هاآرتس