وتستمد هذه الرؤية عناصرها من السلوكيات العبثية التي يقدم عليها افراد الجماعات المسلحة في مختلف ارجاء المحافظات والمدن والقرى، على مستوى تطبيق سياسة "الفوضى العارمة" والتفجيرات التخريبية والمجازر الجماعية فضلا عن استهداف المعالم الدينية والتاريخية والتراثية التي تزخر بها سوريا طولا وعرضا.
فالوهابيون والتكفيريون والمرتزقة لا یتورعون عن الامعان فی تطبیق " سیاسة الارض المحروقة" علی مستوی الدیار السوریة واشاعة الدمار فی انحاء البلاد ، علما ان دمشق کانت تعتمد بشکل اساسی علی الموارد المالیة الکبیرة للسیاح والمسافرین الذین طالما توافدوا علیها بالملایین سنویا .
وکنموذج فقد امطر المسلحون المرتزقة الجامع الاموي الكبير في مدينة حلب الشهباء وفیه مزار رأس نبی الله زکریا (علیه السلام) بوابل من القذائف والصواریخ والرصاص ، اضافة الی مئات المعالم الدينية والاثرية والثقافية، هذا ما عدا ضرب البنى التحتية والموارد الطبيعية والمراكز الاقتصادية والصناعية والزراعية والخدمية، حيث قدرت بعض الاحصائيات شبه الرسمية قيمة الخسائر المادية ــ فقط ــ التي سببتها الحرب الکونیة (الاميركية الاوروبیة الصهيونية السعودية القطرية التركية) على سوريا خلال العامين الماضيين بانها تزيد على (80 مليار دولار).
من هنا يتضح لنا ان الشيء الاساسی الذي تركز عليه هذه المؤامرة الاستكبارية (هو تحويل سوريا الخصب و الوداعة الى خربات واطلال، ومناطق فئوية خارج العصر والمدنية و القانون، واحالة اهلها الطیبین الى شعب ممزق تسيطر عليه نوازع الصراع من اجل الحياة، والقتال لانتزاع لقمة العيش).
في هذا المضمار يستغل اصحاب (المشروع الطائفي الكبير) القائم على محور (قتل الروح الانسانية) في نفوس ابناء العالم الاسلامي كما شاهدنا و ما نزال في العراق والبحرين وباكستان وافغانستان وبلدان اخرى، فتاوى "علماء التكفير والنعرات المذهبية والفتن السوداء" في كل من السعودية وقطر، في سبيل مسخ العقيدة الاسلامية السمحاء والاخلاق الفاضلة والعلاقات البينية المتماسكة في المجتمع السوري، وتحطیم فسيفساء التعايش الحضاري الفريد الذي يشد عضد ابنائه بعضهم ببعض على اختلاف اديانهم ومذاهبهم ومشاربهم منذ مئات السنین.
وفي مواجهة مثل هذه الاحداثيات الشيطانية لم يعد يساورنا ادنى شك في ان اهداف التكالب المسعور على سوريا، هي ابعد من مؤامرة الاطاحة بالرئيس بشار الاسد، لان المنطق العقلائي يقضي بأن من يناضل فعلا من اجل الثورة والتغيير والاصلاح لفائدة الوطن والشعب ، فان من غير المقبول اطلاقا ان تبدر منه اية ممارسة تؤدي الى تدميرهما ظلما وعدوانا مع سبق الاصرار .
لقد بات من سابع المستحيلات الاقتناع بان مجريات العمليات الارهابية والتصفوية والهمجية في سوريا، تنطبق عليها ابجديات الثورة الشعبية او المعارضة الوطنية، نظرا للتناقضات التي تضرب باطنابها على عقليات المقاتلین المتطرفین الذين برهنوا على انهم ليسوا سوى وقود لمحرقة المشروع الطائفي ومطايا تساق كما البهائم كيفما وحیثما يشاء رعاتها الغربيون والصهاينة والخليجيون.
ثم أليس من نكد الدنيا ان يدعو مجرم الحرب الصهيوني وزعيم اسرائيل شيمون بيريز الجامعة العربية الى التدخل العسکری في سوريا تحت ذريعة "منع ابادة الشعب فيها؟!"
انها حقا مسرحية مثيرة للضحك والبكاء في آن معا، ان يناشد قاتل مئات الالاف من النساء والاطفال والشيوخ والشباب في فلسطين منذ عام 1948 وللان و أمثالهم جراء مجرزة قانا والاعتداءات الصهیونیة الغادرة الاخری علی لبنان والجولان السوری وسیناء مصر واغوار الاردن خلال العقود السبعة الماضیة ، زعماء انظمة الخنوع العربي وعلى رأسهم آل سعود وآل ثاني وآل خليفة ومن لف لفهم لمناصرة "الثورة السورية" والقضاء على حكم الرئيس المقاوم بشار الاسد .
ربما يعتبر الاحرار "دعوة شیمون بيريز" امام الاوروبيين يوم 12/3/2013 باطلة بل وسخيفة ایضا ، الا انها تلفت النظر الى الطريقة التي تتطور بها احداثيات (الحرب الدولية الطائفية) على سوريا، والتي يمارس الصهاينة و الاميركان والبريطانيون والفرنسیون دورا رئيسيا فيها عبر تجنيد الجماعات المتطرفة التكفيرية وتدريبها وتزويدها باشكال الدعم التسليحي والتجسسی والتدميری في سبيل احراق الاخضر واليابس في هذا البلد.
وازاء ذلك كله جاءت الفتوى التاريخية لكبير علماء بلاد الشام الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي والفتوى التاریخیة الاخرى لمجلس الافتاء الاعلى برئاسة مفتي سوريا الاكبر الشيخ احمد بدر الدین حسون، بالجهاد الى جانب الجيش لمحاربة هذه المؤامرة الخطيرة، تأكيداً لقراءة علماء الدين الافاضل الدقیقة في هذا البلد المقاوم لاستهدافاتها الهدامة على مستويي اغتیال الوطن والمواطن، الموقف الذي یستدعی المؤازرة والتأييد والاسناد لسوريا وشعبها في مختلف الابعاد والاتجاهات.
*حمید حلمی زادة