لا اجتماع في اسطنبول غداً، ولا «حكومة مؤقتة» أو حتى هيئة تنفيذية تشرف من خلالها المعارضة السورية على المناطق التي تسيطر عليها في الشمال السوري. الاجتماع الإسطنبولي أجّل مرة ثانية، ولن يذهب «الائتلافيون» إلى أي مشاورات كان لها أن تنعقد غدا، لو لم تتضافر مشيئات عدة، أولها مشيئة زعيم «الائتلاف» نفسه الذي يرفض تشكيل «الحكومة المؤقتة» لإرسال الاجتماع إلى اسطنبول ثانية في 18 أو ربما 20 من آذار الحالي.
الموعد ليس محددا بصفة نهائية بأي حال، وانعقاده لا يزال فرضية قد تتحقق إذا ما وضع القطريون في الميزان السوري المعارض أثقالهم، لكي ينعقد الاجتماع الثالث ويفرض تأليف «الحكومة» عندئذ بمن حضر، بحسب النظام الداخلي لـ«الائتلاف» شريطة توفر الغالبية الضرورية لها، بين المجتمعين.
وفي تمرده، بادر الخطيب، إلى إرسال «ايميل» داخلي إلى أعضاء «الائتلاف»، يعتذر فيها مرة ثانية عن حضور اجتماعهم، فضلا عن اعتذار جماعة الإخوان المسلمين عن حضوره، وهو ما جعل أمر توفير أكثرية لحسم قضية تشكيل «الحكومة المؤقتة» المطلوبة مستبعدا.
وعرض الخطيب في رسالته الاعتذراية أسباب العزوف عن «اجتماع لم أسأل عنه أصلا»، مؤكدا وجود أطراف تحاول ليّ ساعده وفرض وجهة نظرها على إمام الجامع الأموي السابق. وانتقد الخطيب أنصار الحل القطري والدفع نحو تشكيل «حكومة مؤقتة»، قبل نفاد الوقت، للحصول على مقعد سوريا في الجامعة العربية، شريطة تشكيل «الحكومة» قبل انعقاد القمة العربية المقبلة في الدوحة في 26 الحالي.
وقال الخطيب إن «بعض الخطوات العجولة تعطي نتائج ايجابية ظاهريا، لكنها تحمل في أعماقها بذور سلبيات عديدة، فنيل مقعد في الجامعة مكسب مهم، لكنه ليس هدفا وتأجيله أسابيع لن تكون معه خسارة».
وبات واضحا أن الخلاف حول طريقة إدارة المناطق التي يسيطر المسلحون عليها تحول إلى قنبلة قد تفجر «الائتلاف»، خصوصا أن زعيمه لا يملك كتلة وازنة يستطيع الاستناد إليها لفرض وجهة نظره.
وترتبط فكرة «الحكومة المؤقتة» بحسابات المعارضة الخارجية وتوسيع حضورها الديبلوماسي وتعزيز المحور القطري ـ التركي ـ السعودي داخل الجامعة العربية، وإزاء احتمالات التفاهم الروسي ـ الأميركي، الذي يحاول فرض «بيان جنيف» إطارا للحل، ويجعل من المشاركة بين ممثلين للنظام والمعارضة في حكومة انتقالية قاعدة للحل.
وقال الخطيب «ليس صحيحا أن نندفع وراء تشكيل الحكومة بحيث ننسى ما هو أهم: إذا لم تشكلوا حكومة فلن تحصلوا على المقعد!! وإذا لم تشكلوا الائتلاف لن تحصلوا على كذا مليون دولار من أموال النظام، ويمكنكم سؤال العسكريين عن التعامل المالي معهم».
ويراهن أنصار إقامة «حكومة مؤقتة» على تحولها إلى «حكومة أمر واقع» تجعل من أمر إشراك وجوه من النظام في أي حكومة انتقالية أمرا تتجاوزه الوقائع التي يسعون إلى بنائها على الأرض. ويجنح إمام الجامع الأموي السابق إلى تفضيل سلطة تنفيذية توفر الحد الأدنى من ضرورات الإدارة المدنية التي تملأ فراغ السلطة، على «حكومة مؤقتة» تفضي إلى وجود «سوريتين»، تحكم الأولى المعارضة في الشمال والثانية النظام الحالي من دمشق. ذلك أن «وجود سلطة مهم جدا، ولكن من قال إنها يمكن أن تكون باسم حكومة فقط؟ فلتكن باسم السلطة التنفيذية أو الوطنية، وما يمنع الفوضى والتفلت في المناطق المحررة، والابتعاد عن محذوراتها كالفشل الذي لا يجوز أن يحصل، والأخطر هو حصول تقسيم سوريا».
وفي غياب كتلة تدعم خطه السياسي لا يملك الخطيب أكثر من المحاججة بشرعية الحكومة «فمن يمثل كل من في الائتلاف ليشكل حكومة باسم كل السوريين؟».
ولا تتجاوز كتلة معاذ الخطيب داخل «الائتلاف» أكثر من عشرة أسماء، بحسب احد أقطاب المعارضة السورية، ولكنها تتمتع برمزية شخصية كبيرة كرياض سيف، وتضم إليه ريما فليحان والحارث النبهان وزياد أبو احمد وعقاب يحيى ومنذر ماخوس ووليد البني، و«لكنها شخصيات تنتمي بمعظمها إلى الأقليات، وهو ما يجعل من كتلته اقل قدرة على التأثير في قرارات الائتلاف» كما يقول احد أعضائه.
ويتمتع القطريون بقوة ضاربة داخل «الائتلاف» من خلال كتلة الأمين العام مصطفى الصباغ، الذي دفع به القطريون بقوة خلال عملية تشكيله في الدوحة. والصباغ الذي يدير «منتدى رجال الأعمال السوريين» يدير كتلة تذهب من 15 إلى 28 ائتلافيا.
ويقول قطب معارض إن الصباغ، رجل القطريين، أعدّ فريقا من المقربين منه مستعداً لتولي «الحكومة المؤقتة». وقال المعارض السوري في «الائتلاف» إن رئيس الحكومة السورية المنشق «رياض حجاب لا يزال مرشحا لرئاسة تلك الحزمة رغم ما قاله عن استنكافه عن توليها، كما أن وزير الزراعة السوري الأسبق المنشق اسعد مصطفى يعد احد الأسماء المحتملة لتولي تلك الحكومة». وأضاف «ليس سرا أن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني هو من يعطي الأوامر وما على الآخرين سوى التنفيذ».
من جهة ثانية، (رويترز، ا ف ب، ا ب) نقل تقرير لـ«حزب الشعب الجمهوري» التركي المعارض عن الرئيس السوري بشار الأسد قوله، لوفد نيابي تركي التقاه في دمشق الخميس الماضي، إن القوات السورية لا تستطيع السيطرة على بعض المناطق في سوريا، متهما أنقرة بدعم «إرهابيين».
وأوضح «لا يمكننا السيطرة على كل سوريا. نحن نركز على المدن الكبيرة، وهناك هجمات يشنها إرهابيون في الأرياف». وأضاف «تنظيم القاعدة يسيطر على حوالي 75 في المئة من الحدود مع تركيا و25 في المئة يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إرهابيا».
وتابع الأسد إن رئيس الحكومة التركية رجب طيب «اردوغان وأمير قطر جعلا من الأزمة السورية قضية شخصية لتعزيز منصبيهما وتبني جدول أعمالهما الإسلامي في سوريا».
ميدانياً، أعاد المسلحون فتح جبهة بابا عمرو في حمص، بعد حوالي العام من إغلاقه، وشنوا هجوما على الحي، فيما تواصل القوات هجومها على أحياء أخرى لا تزال خارج سيطرتها. وشكلت مجموعات إسلامية مسلحة «الهيئة الشرعية للمنطقة الشرقية من سوريا» لتتولى إدارة شؤون الناس في دير الزور، في ما يعكس نفوذا متزايدا للإسلاميين المتشددين. وحذرت الأمم المتحدة من أن استمرار النزاع الذي يتم في الأيام المقبلة عامه الثاني، قد يضاعف مرتين أو ثلاث مرات عدد اللاجئين السوريين في الدول المجاورة، الذي تخطى عتبة المليون شخص.