دعونا نقول أن من يقفون اليوم مع قناة العالم هم أنفسهم من وقفوا بالأمس القريب مع القنوات السورية ومع قناة المنار، دعونا نقول أن من يقفون اليوم على الضفة الأخرى هم أنفسهم أيضا من أوقفوا وكبسوا على زر قطع البث عن نفس هذه القنوات ويتابعون اليوم تنفيذ مشروع إسكات قناة العالم لإبعادها على “العين” العربية المتابعة ظنا أن البعيد عن العين بعيد عن القلب كما يقول المثل العربي المعروف.
الترخيص بالبث كأي قرار آخر في العالم مرتبط بتنفيذ القناة لجملة من الواجبات الأخلاقية والمهنية أو ما يسمى بواجب التحفظ عند معالجة بعض القضايا ذات الأبعاد المختلفة والتي من شأن تناولها بشكل ما إثارة بعض الغرائز الطائفية أو الحساسيات المذهبية ، أو ما يمكن الإشارة إليه بالمس من الأديان ومعاداة الصهيونية ، والمسألة من هذه الناحية محسومة بالنسبة لقناة العالم في ظل التزامها بهذا الخط المهني المستقيم لكن المشكلة ليست في قناة العالم وخطها التحريري بل المشكلة في من يراها غير محقة في التواجد أصلا في المشهد الإعلامي العربي والعالمي لأنها تفضح العورات وتكشف المستور وتعالج الأمراض المستعصية .
ومن هذه الناحية على الأقل يجب التذكير أن قناة العالم قد تعرضت في عديد المرات و خلال سنوات 2008 و 2009 و 2012 إلى قطع البث والتشويش على كل تردداتها وكثير من الانتقادات من بعض الأنظمة العربية نفسها التي ضغطت اليوم وبكل نفوذها وقوتها المالية وقف بث القناة على “المدار العربي” ، ومن هذه الناحية فان هذا القرار هو قرار مكرر لنفس الأسباب.
يقال أن الرئيس التنفيذي لشركة يوتلسات ميشال دى روزن هو من حرض على شطب هذه القناة من الباقة التي تبث على هذا القمر وقد شمل هذا الشطب كل القنوات الثقافية الإيرانية التي تبث على نفس الذبذبة ومع أن هذا القرار لم يقدم أي تفسير مقنع بالنسبة للقناة فمن واجبنا أن نثنى عليه طبعا ونصفق كمان وكمان كما أثنينا على القرارات السابقة بوقف قناة المنار و القنوات السورية والمسألة مسألة مبدأ لا أكثر ولا أقل ومن يراجع مقالنا بنفس هذا الموقع بعنوان “حرب الاسكات ماذا يحضرون الى سوريا ” بتاريخ 5 أيلول 2012 سيفهم حقيقة موقفنا المبدئى.
يقول المناهضون لقرار وقف البث أن ذلك يعد ضربا من عدم احترام حق المواطنين في المعرفة وتنوع مصادر المعلومات فضلا عما يمثله من انتهاك واضح فاضح للحريات الإعلامية ، وتقول القناة أنها لم ترتكب أي خطأ مهني يستوجب هذا القرار ، وتصر عديد الآراء على أن القناة لم ترتكب ما من شأنه تبرير قرار الحجب ، ويبقى السؤال الدائم لماذا أوقفوا حق البث إذن ؟.
حرب الإسكات التي طالت قنوات المنار والقنوات السورية وأخيرا قناة العالم لا تحتمل وضع الأسئلة ولا تقديم الأجوبة كما يفعل البعض من فرط إحباطهم وغلبهم كما يقول الإخوة في مصر ، وهي حرب عربية قبل أن تكون حربا غربية صهيونية ، ومن يمنعون البث عن هذه القنوات هم جنود ” الخفاء” الذين يمثلون المشروع الصهيوني في المنطقة ، ومن يقومون على القمر العربى نايل سات وعرب سات هم مجرد أصنام وتماثيل فاقدة للمشاعر الإنسانية والإحساس بالمسؤولية الوطنية ولن تنفع معهم كل الاحتجاجات التي وردت أعلاه أو التي تقدمها القناة لمعارضة قرار الغلق.
القناة خرجت عن الأعراف أو لم تخرج فهي مستهدفة ومذنبة ولا يمكن قطعا إثبات براءتها مهما فعلت وصرحت وناشدت ورفعت صوتها ، الأنظمة العربية العميلة تراها مذنبة في كل الأحوال وهي القادرة على إسكات صوتها فماذا سنفعل ؟ كنا نتمنى على القناة أن تصمت على المجازر الصهيونية فما صمتت ، و كنا نتمنى على القناة الصمت على ما يحصل في السعودية والبحرين واليمن فما صمتت ، كنا نتمنى على القناة أن تصمت على احداث في لبنان فما صمتت ، كنا نتمنى على القناة الصمت على ما يحدث في سوريا فما صمتت ، كنا نتمنى على القناة أن تتجنب الحديث عن الغزو الأمريكي الصهيوني عسكريا وثقـــافيا وأمنيا وسياسيا فما تجنبت ، حذرنا القناة من أنظمة الدول الخليجية المتآمرة فما انتبهت، قلنا دائما أن حرب الإسكات ستطال القناة كما طالت قنوات المقاومة في لبنان وسوريا ، كتبنا وغردنا وصحنا وعاتبنا وفضحنا واتهمنا والحصيلة دائما أن الخيانة هي المنتصرة .
لماذا يصر البعض على الاستنكار واللغط مع أننا نعرف مسبقا البئر وما فيه ، لماذا نعيد إنتاج نفس المواقف ونتوجه إلى نفس الأنظمة التي يئس الصبر منها ، لماذا نفكر بعقلية المؤامرة مع أننا نعرف مسبقا أن هذه الأنظمة هي المؤامرة نفسها ولماذا نحتاج إلى أدلة لإثبات ما هو ثابت أصلا ، لماذا نتبرأ من توجهات قناة العالم كأنها أتت جرما في حين أنها قناة لها خطها التحريري الذي ستواصل الدفاع عنه مهما كلفها الأمر أعجب ذلك من أعجب وليشرب من لم يعجبه الأمر من البحر ، لماذا نتساءل هل أخطأت القناة في حق المهنية و الالتزام الإعلامي ونحن نرى قناة “الجزيرة” بكل نفاقها وتضليلها وعهرها المهني تمد إلينا لسانها بالسخرية.
من يركب البحر لا يخاف الأمواج والخطاب الإعلامي الثائر الناقد الملتزم له فاتورة تدفع وستدفعها قناة العالم نصرة للشرف وللكلمة وللمهنية الأخلاقية الإعلامية ، ومن يقفون اليوم فرحين بقطع البث عن هذه القناة سيدركون مع الوقت أن قناة العالم مع غيرها من بعض القنوات العربية القليلة هي من دافعت على شرف الأمة عندما فقدت أنظمة عربية لم تعد خافية على أحد شرفها وسقطت في الحضيض .
المشرفون على قناة العالم لم تفاجئهم هذه القرارات الإرهابية الصادرة عن دعاة ” الحرية والديمقراطية” الذين نعرف قيمهم في أبو غريب وفي القطيف وفي المنامة وفي دويلة قطر ، ولن ينفعهم دعمنا حرية الرأي لان الأمر يتعلق بحرب إسكات من واجب القناة أن تكون حاضرة مسبقا لمواجهتها وغاية ما سنؤكده للمرة المليون أن هذه الحرب خائبة خائبة في عصر الفضاء المفتوح وسنبقى أوفياء لهذه الأصوات الإعلامية الملتزمة مهما اختلفنا معها في طريقة تقييمها ومقاربتها للوقائع والأحداث ومهما كانت احترازاتنا من بعض البرامج المقدمة لأن حرية الإعلام مقدسة وترقى على كل المواقف والاختلاف لا يفسد للود قضية.
حرب الإسكات متى ستنتهي ؟ عندما نرفع الرايات البيض ولذلك نقول لبعض المنتظرين البائسين ..نحن أمة لا تستسلم … ننتصر أو نموت.
*أحمد الحباسى - تونس