اذ لا يختلف اثنان على ان ظاهرة الارهاب والتكفير والقتل الاعمى ، صناعة اميركية اوروبية اسرائيلية بامتياز، وهي تحظى باسناد سعودي قطري تركي ذي خلفيات طائفية تبرز الى السطح انواع العقليات السياسية التي باتت تتحكم بمقدرات الامة، بحیث انها لاتتردد ابدا في اغراق العالم الاسلامي في الفوضى العارمة خدمة للمشروع الغربي ــ الصهيوني.
المؤکد هو أن استهداف التکفیریین لاتباع مذهب الامام جعفر الصادق (علیه السلام) وهم شیعة آل بیت رسول الله محمد (صلی الله علیه واله وسلم )، یتم بوحی من فتاوی الوهابیة ووعاظ السلاطین فی السعودیة وقطر، وذلک علی خلفیة السیاسات الطائفیة للحکام فی البلدین اضافة الی ترکیا .اما تشدق الارهابيين وأسیادهم و"علمائهم" بالاسلام، فهو خديعة لم تعد تنطلي على ذوى العقول في هذا العالم الفسیح، لان الدين الحنيف يستند - اصلا - الى تزکیة الحالة الانسانية وترشيدها لتحقيق المزيد من التقوی والورع والألفة والتضامن والفوائد الاخری في انحاء الارض.
المثیر للاستغراب والحیرة فی آن معا هی عملیات القتل المتکررة التی بات یقوم بها اعداء الله والانسانیة فی باکستان، کما حصل یوم الاحد 3-3-2013 عندما نفذوا تفجیرا مزدوجا فی صفوف المصلین الخارجین من احد مساجد مدینة کراتشی، وقبل ذلک حینما ارتکبوا جریمتین بشعتین فی مدینة کویتا ذات الغالبیة السکانیة الشیعیة بفاصل عشرة ایام الشهر الماضی(شباط) .
فقد سقط جراء هذه المجازر التکفیریة مئات الشهداء والمصابین، دون ان یعرف احد ،حتی اهالی هذه الدیار الطیبة الاسباب التی ادت الی استهدافهم. الامر الذی جعلهم یعبرون عن احتجاجهم بشکل لافت عندما ابقوا جثامین الشهداء دون دفن عدة ایام حتی تتخذ السلطات الاجراءات اللازمة للقبض علی الفاعلین ومعاقبة المسؤولین الحکومیین ،نظرا لتهاونهم فی تطبیق التدابیر الامنیة لحمایة ارواح الناس و ممتلکاتهم من السلوکیات الخرقاء للمتطرفین.
لکن الموقف فی العراق مختلف تماما، فدعاة الطائفیة هناک یجاهرون فی معاداة حکومة نوری المالکی مستخدمین ضدها ذات الشعارات العنصریة الطائفیة للنظام البعثی البائد، مثل اتهامها بأنها "حکومة صفویة" و "مجوسیة".
ولاغرابة فی ذلک مادام فلول ذلک النظام الدموی یعلنون انهم هم الذین یقودون التظاهرات – بمن فیهم من التکفیریین وافراد جماعة القاعدة- فی محافظات الانبار والموصل وصلاح الدین ، ویحرضون بسطاء الناس علی الزحف الی العاصمة .
وتزامنا مع هذه المواقف المفضوحة ، تزایدت وتیرة التفجیرات الانتحاریة او الموجهة عن بعد ضد المواطنین الابریاء فی مدن بغداد والحلة والدیوانیة وکربلاء وغیرها امعانا فی حصد ارواح الناس الامنین وضرب السلم الاهلی اضافة الی تاجیج الاحتقان الطائفی فی العراق.
واضح ان ما يحدث الان في باکستان والعراق وسوریا من ازهاق للارواح البريئة وتدمير للعمارة والممتلكات والبنى التحتية، هو نموذج صارخ لنتائج النزعات الشریرة الکامنة فی کوالیس "اللعبة الدولية" و تحصیل حاصل لإستهدافاتها المجردة من ایة روح حضارية وقيم اخلاقية.
ومهما حاولت السياسة الاميركية – الاوروبیة التنصل من دورها الرئيس في مضمار انتاج المجموعات التكفيرية وقیادة جرائمها البشعة المنافية لکل القوانین والاعراف والتقالید المعترف بها ، والتي راح ضحيتها حتی الان مئات الالاف من الشهداء والجرحى والمفقودين ، الا ان الوقائع والدلالات والشواهد الملموسة، تقطع الشك باليقين ان حکومات الولایات المتحدة - دیمقراطیة کانت ام جمهوریة- تتحمل بشکل خاص كل المسؤولية عن ما يجري من توحیش للحالة الانسانیة واستباحة للحياة البریئة وتدمير للبلدان ونهب للثروات ونسف للامن والاستقرار في الوقت الراهن.
ویکفی هنا التنویه الی ترویج واشنطن و منذ امد بعيد لحروبها وغزواتها واستراتیجياتها السياسية والاقتصادية والفكرية المتغطرسة، ولاسيما عبر افلامها السينمائية (هوليوود) .
کما ان المعلومات التی کشفت عنها صحیفة اللوفیغارو الفرنسیة مؤخرا فی ما یتصل بتدریب اجهزة امیرکیة لمجموعات سوریة وعربیة علی السلاح والمهمات الخاصة فی الاراضی الاردنیة وکذلک اعلان واشنطن عن انها ستقدم مبلغ (60) ملیون دولار علی شکل " اسلحة غیر ممیتة " لما یسمی بالائتلاف الوطنی المعارض ، هما برهان ساطع علی الروح الاستعدائیة الحاقدة لصانعی القرار فی دوائر الولایات المتحدة. کما ان دعوات المسؤولین البریطانیین والفرنسیین ومن یسیر فی فلکهم الی تسلیح الجماعات المعارضة بالاسلحة الثقیلة تعزز الاعتقاد السائد بان التحالف الغربی الاقلیمی ، غیرآبه بما ستؤول الیه هذه المواقف الکیدیة من سفک للدماء وفتن سوداء فی العالم الاسلامی.
علی صعید متصل ثمة شعور هائل بالمرارة في نفوس ابناء الامة حيال استحسان "السعودي والقطري والتركي" للفجائع والآلام التي تتعرض لها شعوب المنطقة ، بل ومضي هذا (الثلاثي المعادي) قدما في تكريس الخلافات السياسية والفتن المذهبية والنعرات الطائفية في صفوف ابناء الامة ، ولا سیما فی العراق وسوریا ،لا لذنب سوى لتمسكهما بالثوابت الوطنية والاسلامية والاخلاقية والانسانية.
الثابت ان ظاهرة الارهاب التكفيري هي تجسيد حقيقي لتجويف الحالة الانسانية، مثلما هي انسلاخ تام عن كنه العقيدة الاسلامية ومفاهيمها السمحاء التي تحرص بادق التفاصيل على تكريس ثقافة الحياة والاعمار، ومناهضة ثقافة الموت والافساد في الارض.
وعلى هذا الاساس لايسع الامة الا ان تترحم على شهدائها الابرياء الذين تضرجوا بدمائهم الزاكية جراء المواقف والفتاوى والتفجيرات التكفيرية والعملیات الانتحاریة التي يصدرها آل سعود وآل ثاني وآل صهيون الى المواطنين الامنین في العالم الاسلامي بعامة وفي سوريا والعراق بخاصة .
لكن هذه الامة التي انطبعت ذاكرتها بهذه المشاهد الكارثية ستضع في اولوياتها حتما التصدي لهذه الظاهرة وتجفيف مصادرها ومعاقبة داعميها، وتنقية الاسلام والقيم السماوية من الممارسات العنفية المسيئة والمفاهیم العقائدیة المغلوطة.
* حمید حلمی زادة