فالقادة الايرانيون حاولوا كثيرا بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 ، ان يغيروا نظرة العرب الى ايران والايرانيين وأن يقنعوهم بأن زمن الشاه قد ولى ، وأن الجمهورية الاسلامية تنظر الى الشعوب العربية بمنظار ايجابي وأن الموقف الايراني تغير كثيرا بالنسبة للقضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية عن النظرة السابقة لحكومة الشاه المخلوع ، ولكن الجانب العربي وخاصة الحكومي منه لم يستجيب للدعوات الايرانية ، ولا تزال النظرة السطحية لبعض الكتاب العرب تجاه الايرانيين، تملأ الصحافة المقروءة والمسموعة والمكتوبة ولا زالت النظرة الطائفية تتحكم في آراء ومقالات كثير من الكتاب العرب .
وأرى من الضروري ، هنا أن اشير الى حقيقة ربما يدركها الكثيرون من الكتاب العرب وهي أن النظرة الطائفية لكثير من الكتاب قد تعمقت خلال السنوات القليلة الماضية ، ولم تكن هذه النظرة موجودة في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي ، ولم تكن الخلافات العقائدية والمذهبية قد وصلت الى المستوى الذي نراه اليوم ، بحيث نقرأ مقالات لكتاب يطرحون الخلافات المذهبية والطائفية على الملأ، ولا يتورعون عن تشديد الخلافات البسيطة الموجودة بين مذهب وآخر ويحرضون طائفة ضد طائفة أخرى .
ونحن نعتقد بأن هناك جهات معروفة في العالم العربي تذكي هذه الخلافات لأغراض محددة تريد من وراء ذلك تشديد النزاعات الطائفية في البلدان العربية ، لكي تواصل هذه الجهات سيطرتها على الشعوب والهائها بقضايا ثانوية لكي تنسى قضايا أهم مثل النفوذ الاجنبي وقواعد القوات الاجنبية في بلدانها .
فهناك كتاب يركزون في مقالاتهم عن العلاقات الايرانية العربية على الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة ويجعلون هذه الخلافات أهم موضوع یجب طرحه في اي نقاش محتمل حول توسيع العلاقات الايرانية العربية ، بينما الواقع يقول خلاف ذلك .
فالايرانيون لهم إهتمامات كثيرة في حياتهم اليومية ولا يكترثون لما يطرحه الصحفيون العرب من الخلافات المذهبية التي يعتبرونها أهم قضية يجب بحثها ، فالقضايا الخلافية لا تستأثر باهتمام الايرانيين مطلقا ، فهناك الشيعة والسنة والمسلمون والمسيحيون واليهود والزرادشت يعيشون جنبا الى جنب ، فكل منهم يعبد ربه دون أن يتدخل الآخر في عبادته ولا يسأله عن دينه أو مذهبه ، فهذه القضايا لا تعتبر قضايا ملحة في الوقت الحاضر، والشعب الايراني شعب متحضر يتحمل الآخر ولا يتدخل في شؤونه الدينية والمذهبية ، فالايرانيون معروفون بالجد والمثابرة في أعمالهم ولا وقت لديهم في الخوض في قضايا خلافية ومذهبية يعتبرونها قضايا شخصية تخص الانسان ولا يسمحون للآخرين بالتدخل في قضايا شخصية تخصهم.
فإهتمام الشعب الايراني ينصب كثيرا على حياته اليومية ، ولكنه يترك حيزا من وقته لمتابعة القضايا السياسية وخاصة مداولات البرلمان والانتخابات الرئاسية المقبلة التي من المقرر اجراؤها في حزيران يونيو المقبل ، كما يهتم بالقضايا الاقتصادية التي تمس عمله ونشاطه ولا ينسى تخصيص اوقات للاهتمام بالحياة العائلية ومتابعة الالعاب الرياضية وبرامج التلفزيون ومتابعة قضايا الادب والشعر وغيرها .
أعتقد بأن العديد من الحكومات العربية التي تثير الخلافات الطائفية والمذهبية في وسائل الاعلام التابعة لها وقد خصصت ميزانيات كبرى لهذا الغرض ، تريد الهاء شعوبها بهذه القضايا لتنسي هذه الشعوب قضايا أهم ومنها الحريات العامة وطريقة الحكم ومشاركة الشعب في تقرير مصيره ، وربما يعتقد هؤلاء الحكام بأن شعوبهم تشعر بالفراغ القاتل ولا شغل لها سوى الجلوس في المقاهي والاستماع الى قضايا خلافية مثيرة، بينما الشعب الايراني شعب فعال يعمل بكل جد من أجل غده ولا وقت لديه للتفكير في قضايا ثانوية لم يثر طرحها غير الشحناء والبغضاء واراقة الدماء وقتل النفس المحرمة ، وها هو الشعب الايراني يسمع يوميا أخبار الانفجارات وما تسببها من مجازر وحشية في افغانستان وباكستان والعراق وسوريا ويذهب ضحيتها اناس ابرياء.
فمنا النصح لاخواننا الصحفيين العرب ، أن عليهم أن لا يطرحوا القضايا الطائفية والمذهبية إذا ما أرادوا البحث في العلاقات الايرانية العربية ، لان هذه القضايا لا تجد أذانا صاغية في ايران لا عند الشعب الايراني ولا لدى المسؤولين الايرانيين ، فالشعب الايراني يرى بأن طرح القضايا الطائفية تزيد الهوة بين الشعوب ، بينما وظيفة الصحفيين هي تقريب الشعوب بعضها مع البعض الآخر وتعزيز أواصر الاخوة والمحبة بينها .
فها هو الشعب الايراني ، منفتح على العرب وغير العرب ، يزور البلدان العربية والاسلامية والاوروبية ، يعلم الآخرين التسامح والتآخي ويتعلم من الآخرين كل جديد، بعيدا عن التعصب الديني والمذهبي، ويرى بأن من يطرح القضايا الخلافية والمذهبية، إما جاهل أو أجير لا هدف له سوى إثارة الأحقاد والبغضاء بين الشعوب.
*شاكر كسرائي