وامام مثل هذا الخطاب ذي التاريخ الاسود تتوقع واشنطن، وكما جاء في حديث قائد الثورة الاسلامية الامام خامنئي يوم السبت 16/2/2013 الى جماهير مدينة تبريز الذين احتشدوا في حسينية الامام الخميني(قدس سره) بطهران، (تتوقع ان تخضع الشعوب امام غطرستها ومواقفها غير المنطقية) مضيفا سماحته على وجه الصراحة والاطلاق (لكن الشعب الايراني المقتدر وصاحب التاريخ العريق في الحكمة والمنطق والموضوعية، لن يستسلم لهذه الغطرسة الاميركية ) .
ومن المهم الاشارة هنا الى ان ما يحدث حاليا مع عبور للمجتمع البشري من الاحادية القطبية ، الى عالم متعدد الاقطاب، ينبئ من الان فصاعدا عن تغيّرات جوهرية لا تلامس القضايا السطحية للامم والشعوب فحسب، بل هي في الاساس تعمل على سبر الاغوار ايضا، وصولا الى جذور التحديات الدولية ابتغاء اقتلاع الاصناف المسببة منها للازمات والتوترات في المنطقة والعالم، الامر الذي يحاول زعماء البيت الابيض خصوصا والغرب المتصهين عموما التعتيم عليه، لانهم لايريدون الافصاح عن الاهتزازات العنيفة التي سترتد علي ساحتهم قريبا نتيجة لسياساتهم العدوانية والسلطوية الباعثة على حشد الشعوب وتثويرها لمحاربة القرصنة الغربية في انحاء الارض.
فعلى سبيل المثال تدعي اميركا بانها تسعى الى نزع اسلحة الدمار الشامل لاسيما النووية منها من الشرق الاوسط ، وهي تمارس الضغوط المتتالية علي الجمهورية الاسلامية الايرانية تحت ذريعة منعها من امتلاك السلاح النووي. والحال ان الولايات المتحدة واوروبا واسرائيل اللواتي يتربعن على اضخم الترسانات التدميرية والابادية في العالم، يستكثرن على ايران حتى امتلاك تقنية نووية . وليس هذا فحسب بل ويضغطن عليها (من اجل ايقاف تخصيب اليورانيوم وبادني النسب و المستويات حتى وان استفيد منها للاغراض العلمية والطبية والزراعية والتنموية).
ويتضح من هذه المغالطات الاستكبارية التي وصفها السيد الخامنئي بـ (المزيفة والمراوغة والكاذبة)، ان الخطاب الاميركي ما فتئ امتدادا للارهاب الذي اسس به المستوطنون البيض دولتهم علي بحار من الدماء البريئة قبل نحو (500 عام فقط)، وهو خطاب يستبطن اغراق منطقة الخليج الفارسي والعالم الاسلامي كله، في فتن واضطرابات وهواجس ومخاوف لا اول لها ولا آخر.
والخطير في هذه الاستراتيجية الاستكبارية، هو تمرسها في تمرير لغة البلطجة واللصوصية الغربية والعدوان على شعوب المنطقة، من خلال "التشدق بالدفاع عن حقوق الانسان"، وهنا لا يتردد السيد القائد في «اعتبار اميركا المنتهك الرئيسي لهذه الحقوق في مختلف البلدان» مشيرا سماحته «الى ما ارتكبته واشنطن من فظائع في سجون (غوانتنانامو) و(ابوغريب)، وكذلك قتلها المدنيين الابرياء في افغانستان وباكستان»
ويتجلى وجه التناقض بين واشنطن وطهران في ان "اميركا تكاد تقيم الدنيا ولا تقعدها انتصارا لاشاعة المبادئ الديمقراطية والحريات في العالم"، في حين انها ــ وكما صرح قائد الثورة الاسلامية ـــ لا توفر اية وسيلة للتصادم والمجابهة مع الجمهورية الاسلامية، على الرغم من ان ايران ذات نظام يسود فيه حكم الشعب وتمارس فيها ارقى نماذج الديمقراطية والانتخابات الحرة، بشكل تفوق فيه حتى التجارب الغربية لاسيما في الولايات المتحدة ذاتها.
من هنا يتأكد لنا بان ما تبعثه اميركا من رسائل تتضمن المطالبة بالحوار مع ايران، ليست سوى خطابات ارهابية، وهو ما ترفضه الجمهورية الاسلامية رفضا باتا، اذ كيف يمكن لطرفين تفصل بينهما اختلافات وتجاذبات حادة، ان يجلسا وجها لوجه في اجواء تنعدم فيها اصول اللياقة واللباقة المطلوبة في الممارسات البروتوكولية ترافقا مع الثقة المتبادلة ، علما ان حكومات الولايات المتحدة ودوائر صنع القرار فيها ، وانطلاقا من عقليتها ونزعتها في الاستكبار والتعالي والعنجهية، تقرر مسبقا «ان على كل من يريد الجلوس معها على مائدة التحاور او التفاوض، القبول اولا بمبدأ الخضوع والاستسلام ورفع الراية البيضاء» ، الامر الذي كانت ايران وماتزال ترفضه جملة وتفصيلا، لانه يتناقض جوهريا وجذريا مع عقيدة الجمهورية الاسلامية ، ويتنافى ايضا مع اطروحة الثورة الاسلامية المظفرة ومشروعها النهضوي والحضاري والتحرري الذي اطلقه سيدنا الراحل الامام الخميني منذ عام 1962 ايام كان وحيدا ومعه بعض المناضلين الثوريين القلائل في ساحة الصراع لمقارعة الشاه العميل والهيمنة الاميركية الاسرائيلية ، بهدف تحرير ايران من الخضوع و التبعية والاستضعاف، الي جانب الجهاد بلاهوادة في سبيل حماية الامة الاسلامية وتقوية شوكتها وفرض هيبتها على مستوى العالم اجمع.
حميد حلمي زادة