اذ لاشك فی أن المكاسب الكثيرة والمتنوعة التي حققتها طهران على المستويين الداخلي والخارجي، مدينة لتعليمات الامام الراحل التي أكدت على وجوب أن تكون البلاد بعيدة عن أي تأثيرات أو إملاءات استكبارية، الأمر الذي حقق لها قفزات جبارة سياسياً وعلمياً، جعلت القوى الكبرى تصاب بالصدمة والدهشة في آن معاً علماً منها بأن الوصول إلى مدارج العلم النووي والفضائي - على سبيل المثال لا الحصر - يستدعي امتلاك طاقات هائلة لدى أي شعب.
وبالفعل فقد نجح الإمام نجاحاً باهراً عندما حفز القدرات الكامنة للإيرانيين وجعلهم ينطلقون بانجازات خلاقة وضعت البلاد في مصاف الدول المتقدمة إضافة إلى انها عبأت الشعوب العربية والإسلامية باتجاه مواكبة العصر والدخول لاعباً أساسياً في المعادلات الدولية الراهنة. وفي هذه المناسبة فإن رقي مكانة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على المسرح العالمي يدعو إلى معرفة دور الإمام في تفجير الطاقات الجماهيرية التي تكللت بدخول إيران إلى النادي النووي العالمي وإلى عالم الفضاء.
وليس من الغرابة فی شئ أن تستحوذ هذه الثورة على اهتمام كبار المفكرين والفلاسفة والسياسيين الذين انبروا لعرض حقائق التاريخ الإنساني بعيداً عن كل تزييف، وتقديمه على طبق من الاخلاص للبشرية جمعاء، معززا بالصدق والانصاف والشفافية.
إن الامام الخميني عندما كان يؤكد وجوب التمسك بالإسلام المحمدي الأصيل، فإنه لم يأت ببدع في الدين، وإنما أراد من أبناء الأمة التزام الوعي واليقظة، في التعامل مع الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً بعيداً عن أي حالة من حالات الإفراط والتفريط، التي باتت تلقي بظلالها على أوضاعنا في العصر الحاضر.
ويوصي الإمام الراحل أبناءه الثوريين بالقول: «إن التطرف عاقبته غير محمودة»، كما ان سماحته لم يتردد لحظة في توجيه النصح أيضاً لحملة راية الإسلام من علماء الدين الأفاضل مؤكداً عليهم (الاضطلاع بمسؤولية تنبيه المسلمين كلما أحسوا بالخطر يهدد الإسلام والقرآن، لكي لا يكونوا مسؤولين أمام الله)
ولا شك أن أمتنا، ما كانت لتقع ضحية ما يحدث الآن هنا وهناك باسم الدين والدين منه براء، ما جرّ وبالاً على المسلمين وغيرهم، لو أن علماءها ومفكريها وساستها والملتزمين والرساليين من أبنائها تكاملوا مع بعضهم بعضاً في ممارسة أدوارهم ومسؤولياتهم الشرعية.
لقد كان من ثوابت الإمام التي لم تتزعزع طوال مراحل نضاله، ربط مشروعه النضالي الثوري لازالة نظام الشاه لهدف رئيسي وهو تحرير فلسطین والقدس الشریف الاحتلال الصهيوني الغاشم.
كما حذر الامام الراحل من مغبة التطاول على الحرمات والمقدسات حينما قال: «إذا أراد المستكبرون الوقوف في وجه ديننا فإننا سنقف في وجه دنياهم كلها».
ومع کل ذلک فإنه طمأن العالم أيضاً بحتمية انتصار إرادة الجماهير على الهيمنة والغطرسة والاستخفاف عندما قال: (لتعلم القوى الكبرى، ان اليوم، هو ليس كالأمس، حيث كانت فيه الشعوب - كالحكومات - تنسحب من المواجهة جراء كلمة زجر بسيطة).
بيد أن سماحته ربط الأمور بمجرياتها وأدواتها موضحاً اننا (إذا التزمنا بتكاليفنا في الاستمرار في مواجهة أميركا، فنحن على يقين من أن أبناءنا سيذوقون حلاوة الانتصار).
ويمكن القول إن المشروع النهضوي الذي طبقه الإمام الراحل في عمليتي الإصلاح والتطوير من جانب ومشروع المجابهة مع الاستكبار والصهيونية من جانب آخر کان يتمثل في المحاور الاتیة:
1- تأكيد الإمام على التمسك المحمدي الأصيل الذي يحدد الطريق القويم ويوفر أسباب الابتعاد عن الافراط والتفريط ويصون الأمة من أي انحرافات محتملة.
2 - تأكيده على أهمية الوحدة الإسلامية باعتبارها البنيان المرصوص كما أحبه لنا المولى «عز وجل» في القرآن الكريم.
3 - لفت انتباه الأمة الإسلامية قاطبة إلى المخاطر التي قد تضعها في موقع التبعية والاستعباد إن هي سكتت أو تخلت عن أداء واجباتها ومسؤولياتها المصيرية الشرعية والأخلاقية .
ولا يختلف اثنان علی أن الإمام الخميني ( طاب ثراه) كان أول المنفذين لمقولاته وأطروحاته النابعة من القرآن والسنة وتراث أهل البيت «عليهم السلام» وهو لم يأل جهداً فی تطبیق القیم الاسلامیة لیس علی مستوی ایران فحسب بل علی مستوی العالم اجمع. وازاء ذلک حق له ان یکون صاحب الفضل الاکبر فی صنع النهضة الاسلامیة المعاصرة التی غیرت الکثیر من المعادلات الاقلیمیة و الدولیة لصالح المجاهدین والمقاومین بوجه المشروع الغربی الصهیونی الرجعی فی المنطقة.
حميد حلمي زادة