«إنّ القرآن الكريم ـ الذي هو بين أيدي المسلمين والذي لم تنقص منه كلمة، ولم يزد عليه أو ينقص حتى حرف واحد من بداية الإسلام وإلى يومنا هذا ـ عندما تتدبّرونه تجدون أنّ الدعوة لم تكن لحث الناس على الجلوس في بيوتهم وتلاوة القرآن والانقطاع إلى الله... بل إنّ الدعوة كانت دعوة للاجتماع والسياسة وإدارة البلاد، وفي الوقت الذي تعدّ فيه هذه الأمور كلها من العبادات، بحيث إنّ العبادة لم تكن منفصلة عن السياسة والمصالح الاجتماعية».
«لو أمكنكم استيعاب مفهوم الدين في ثقافتنا الإسلامية لرأيتم بوضوح أنّه لا يوجد أدنى تضاد بين القيادة الدينية والقيادة السياسية، بل كما أنّ الجهاد السياسي يشكّل جزءً من الواجبات الدينية والمذهبية فكذلك قيادة وهداية الجهاد السياسي يشكّل جزءً من واجبات القائد الديني».
«إنّ الإسلام في الوقت الذي دعا فيه الإنسان إلى عبادة الله وبيَّن له كيفية العبادة، علّمه كيف يعيش وكيف ينظم علاقاته بسائر أفراد البشر، بل وحتى كيف يقيم المجتمع الإسلامي ارتباطاته بالمجتمعات الأخرى، وليس هناك تحرك أو عمل يصدر عن الفرد أو المجتمع إلاّ وللشرع الإسلامي فيه حكم. ومن هنا كان من الطبيعي أن يكون مفهوم القيادة الدينية والمذهبية هو قيادة علماء الدين في جميع الشؤون الاجتماعية إذ أنّ الإسلام قد تكفّل بهداية المجتمع في جميع الشؤون والأبعاد».
«إنّ الإسلام ليس بالشيء الذي يفكّر بطرف واحد من الحقيقة بل له حكم في جميع أطراف القضايا. فجميع القضايا المتعلقة بالدنيا والسياسة والاجتماع والاقتصاد، وجميع القضايا المتعلقة بالطرف الآخر من الحقيقة والتي يجهلها أهل الدنيا لها حكم في الإسلام، والأديان التوحيدية جاءت لتوضيح كلا طرفيها ولتحكم بشأنها، لا أن تحكم بشأن طرف وتهمل الطرف الآخر بل إنّها تنظر إلى الطرفين وخاصة الإسلام الذي يؤكدّ على هذا المعنى أكثر من جميع الأديان الأخرى».
«إنّ الله تعالى أقام ـ إلى جانب تنزيل القوانين أي أحكام الشرع ـ حكومة وسلطة تنفيذية وإدارية، وكان الرسول الأكرم(ص) على رأس السلطة التنفيذية والإدارية للمجتمع المسلم، فبالإضافة إلى إبلاغ الوحي وبيان العقائد والأحكام وأنظمة الإسلام كان يقوم بتطبيق الأحكام وإجراء النظم الإسلامية ليقيم الدولة الإسلامية، ولم يكتفِ فقط ببيان القانون الجزائي وإنّما قام بتنفيذه أيضاً... وبعد الرسول الأكرم(ص) فإنَّ للخليفة هذه المسؤولية والصلاحية، فإنّ الرسول الأكرم(ص) عندما عيَّن الخليفة لم يعيّنه لبيان العقائد والأحكام فقط، وإنّما عيّنه كذلك لإجراء الأحكام وتنفيذ القوانين. كانت المهمة هي إجراء الأحكام وإقرار النظم الإسلامية، وهذا هو الذي جعل تعيين الخليفة على هذا الجانب من الأهمية والذي لولاه لما كان النبي الأكرم(ص) «قد بلغ رسالته».
«يجب على الفقهاء مجتمعين أو منفردين أن يقيموا الحدود ويحافظوا على الثغور والنظام، وأن يقيموا الحكومة الشرعية، ولو أمكن ذلك لشخص فإنّه يجب عليه عينياً، وإلاّ فهو واجب كفائي، وفي حالة عدم الإمكان لا تسقط الولاية».
«إذا قام شخص كفوء وتوفرت فيه هاتان الصفتان (العلم والعدالة) وأقام حكومة فإنّه سيحصل على تلك الولاية الثابتة للرسول الأكرم(ص) في أمر إدارة المجتمع، وعلى جميع الناس أن يطيعوه، وأنَّ توهم كون صلاحيات الرسول الأكرم(ص) بشأن الحكومة كانت أكثر من صلاحيات أمير المؤمنين(ع) أو أنّ صلاحيات أمير المؤمنين(ع) أكثر من الفقيه توهم باطل وخاطئ. طبعاً إنّ فضائل الرسول الأكرم(ص) أكثر من جميع العالمين، وبعده فإنّ فضائل أمير المؤمنين(ع) أكثر من الجميع، إلاّ أنّ كثرة الفضائل المعنوية لا تزيد من الصلاحيات الحكومية».
«إنّ الحكومة التي هي فرع عن ولاية رسول الله(ص) المطلقة ما هي إلاّ واحدة من أحكام الإسلام الأولية وهي مقدمة على جميع الأحكام الفرعية، حتى الصلاة والصيام والحج».
«لا تسلكوا طريقاً مخالفاً لطريق الشعب والإسلام، ولا تتصوروا أنّ المشروع الذي وضعه الإسلام يؤدي إلى القضاء على الإسلام، فإنّ هذا التصوّر لا يصدر إلاّ عن جاهل. لا تقولوا بأننا نؤمن بولاية الفقيه، إلاّ أنّ ولاية الفقيه تؤدي إلى ضياع الإسلام! فإنّ هذا يعني تكذيب الأئمة والإسلام، وأنتم تقولون ذلك من حيث لا تشعرون».
«يقال: دعوا علماء الدين يحافظوا على قدسيتهم، إنّ معنى ما يقال في قدسية علماء الدين هو أن ينحصر عملهم بالمسجد والمحراب ويتركوا السياسة للامبراطور. وهذا بحث في أنّ المسجد لعالم الدين والسياسة لقيصر إنّ الإسلام ونبي الإسلام وأولياءه رغم قداستهم مارسوا هذه الأمور مع المحافظة على القدسية والربانية، فكانوا يعيدون المنحرفين عن السلوك الإنساني، وكانوا يحافظون على سياسة الدولة، ولا منافاة بينه وبين القداسة... إنّ هذا المنطق يقول: حافظوا على قدسيتكم ولا شأن لكم بالحكم وأحداث الدولة السياسية، فمعنى ذلك أنّهم يقولون: إنّ رسول الإسلام(ص) وأمير المؤمنين(ع) لم يحافظا على قداستهما؟!...
إنّ الذي يقول: دعوا عالم الدين يحافظ على قداسته، يقول إنّ أمير المؤمنين لم يكن ذا قداسة لأنّه تورط في أمور الدولة... فيتّضح أنّ هذا القائل لا يريد الحفاظ على قدسيتنا وإنّما يحاول بدهائه أن يستغفلنا ويبعدنا، ليأتي أسياده ويستلمون زمام السلطة. لابدّ من ملاحظة هذه الأمور بدقة، دقّقوا في الخطب التي يلقيها هؤلاء، فإنّ لديهم إشكالات واهية يحاولون من خلالها إغفال دولتكم وشعبكم».
«إنّ مسألة ولاية الفقيه ليست مسألة أبدعها مجلس صيانة الدستور، وإنّما هي مسألة وضعها الله تبارك وتعالى وهي عين ولاية رسول الله».
«إنّ المسألة هي مسألة الحكومة والسياسة، إنّ الحكومة هي عِدل السياسة بتمام معناها، وقد أمر الله تبارك وتعالى النبي أن يعطي مقاليد هذه الحكومة لأمير المؤمنين. كما أنّه قد كانت لرسول الله نفسه سياسة، ولا يمكن إقامة حكومة بلا سياسة، وقد ثبتت هذه السياسة وهذه الحكومة الذائبة في السياسة لأمير المؤمنين في يوم غدير خم».
«عيّن الرسول الأكرم قبيل وفاته الخليفة والخلفاء إلى زمان الغيبة، وهؤلاء الخلفاء عيّنوا إمام الأمة، وبشكل عام لم يتركوا هذه الأمة وشأنها حائرة وإنّما عيّنوا لها إماماً وقائداً، وقد تصدّى أئمة الهدى لهذا المنصب في حياتهم، وبعدهم نصّوا على تعيين الفقهاء المتدينين الذين يعرفون الإسلام والزاهدين والمعرضين عن الدنيا وبهارجها، والمخلصين لهذا الشعب والذين يعتبرون أفراد الشعب مثل أبنائهم، فقد عمد الأئمة على تعيين هؤلاء للدفاع عن هذه الأمة».
* تبيان