حتى برزت شخصية الإمام الخميني الفذة الواعية المتمسکة بالإيمان بالله تعالى وبقدرة الإسلام على إحداث فجوة في وجدان الشعوب لتکون بعد ذلک نبراس حق ومشعل نصر يضيء الطريق أمام المستضعفين في العالم نحو بوادر التحرير من براثن المحتلين والمستعمرين.
وبالفعل لقد استطاع هذا القائد التاريخي أن يفجر حناجر الجماهير بصوت الرفض للطغاة وأن يقلب صفحة تاريخ المسلمين من الخنوع والخضوع الى العزة والکرامة والانتصار ويسطر بعد هذه الثورة فتحا عظيما قضى بموجبه على أعتا أزلام التبعية للغرب، وفتح عقول المسلمين على حقيقة ناصعة حية تبعث الأمل في نفوسهم نحو قيام دولة لهم لا شرقية ولا غربية، بعد أن أوحى لهم الأعداء باستحالة العيش من دون التبعية للغرب أو للشرق، وهنا تبرز أهمية الثورة التي قام بها الشعب المسلم في إيران تحت نظر الله تعالى ورعاية الإسلام وبتوجه من قائده العظيم والرجل الرباني الذي لا تأخذه في الله المآخذ.
نعم لقد فتحت الثورة الإسلامية الإيرانية عقول المسلمين والمستضعفين في کل العالم لتقول لهم أن الظلم لا يطول بل يصول صولة ويهمد ويأتي بعد ذلک دور الحق ليصول صولات في مجال إحياء کلمة العدالة والکرامة، وهذا هو معنى تصدير الثورة الإسلامية الى کل العالم فعندما يقول الإمام الخميني(قده) أن ثورتنا يجب أن تصدر الى کل العالم يعني بذلک تصدير دروسها ومفاهيمها ومعطياتها التي نتجت عنها لا تصدير السلاح والمذهب کما يوحى ويصرح بذلک المستکبرين حتى لا يصدر الإسلام الأصيل الى شعوب العالم المظلومة.
وعندما يعتبر الإمام الخميني أن الأقطار الإسلامية جميعا جزءا من وجدانه ويريد لها أن تنعم بالأمن والسلام والاستقلال عن الاستکبار وقطع يده عن سرقة خيراتها فهذا ينبأ عن مدى تعلقه بقضايا العالم الإسلامي ومدى حزنه على أوضاعهم وعمله على تحريرهم من التبعية المذلة للغرب بتصدير مفاهيم الثورة الإسلامية لهم حتى ينعموا بتجربة ناجحة فيستفيدوا منها الدروس والعبر.
حتى أن الإمام الخميني يعتبر نفسه وثورته في خدمة الإسلام بل کل ما قام به يعتبره تکليفا إلهيا يوصله لنيل رضا الله تعالى لا للمناصب الدنيوية کما هو السائد في قادة هذا الزمان فنراهم يضحون بالغالي والنفيس للوصول الى کرسي الحکم، وهذه الثورة التي قامت تحت راعية وتوجهات الإمام الخميني کان من أبرز أهدافها إحياء تعاليم الإسلام والحفاظ عليه حتى يقف في وجه الهجمة الشرسة المفروضة عليه من قبل دول الغرب وأزلامها، ولم يرى أن الهجمة التي شنت على إيران الدولة الإسلامية هي لأجل کسر إيران بل رآها هجمة على الإسلام لإضعافه وجعله يغرق في الفقر والتخلف والتبعية للغرب.
الامام الخميني
وتنبأ الإمام الخميني لشمولية الصحوة الإسلامية وتأثيرها المستقبلي على مجريات الأمور وحسابات الأعداء واعتبرها وعد الله تعالى للمستضعفين ودعا الى نسيان الهزائم والتحضير لزمن النصر ورفعة الأمة وعزتها، کما أنه بشر بسقوط المجموعة الشيوعية الملحدة، وحثّ الشعوب المظلومة على المقاومة والاستمرار حتى تحقيق غاياتها المشروعة واستبشر بوعي ويقظة الشباب وأنها سارية بسرعة لتصل الى نتائجها الحتمية فتقطع أيدي المستکبرين الأجانب عن بلادها وخيرات أجيالها.
ولا يمکن أن نرض بالذل ونحن نملک طاقات شابة عظيمة تستطيع أن توصل الإسلام الى البلاد والعباد وتنقذها من النظريات الملحدة والمشرکة، ونستطيع أن نقطع أيدي الأعداء عن بلادنا ونصل الى أوج العظمة والعزة بشرط أن تبذل تلک الطاقات في طريق الحق والجهاد، وعندئذ تتحول الى طاقة أبدية في أيدي الشعوب المسلمة تفتخر بها الأبناء وتحافظ عليها لتصل الى أجيال المستقبل، وأن الإسلام هو المنتصر إن نهض أبنائه وهبوا لرفع صوتهم في وجه الطغاة والمستکبرين، وعلى الشعوب أن تخرج من غفلتها لدفع المخاطر المحدقة بها من کل جانب والمتکالبة على خيراتها في کل العصور.
ومن أهم الأمور التي أکد عليها الإمام الخميني في توجهاته المليئة بالعنفوان والروح الإسلامية هو الوعي واليقظة والتواجد في الساحات لمتابعة مجريات الخطط الاستعمارية التي يراد تنفيذها في بلادنا الإسلامية، وأعلن نصرته للشعب الفلسطيني طوال حياته وقدم الدعم لقضيته في کل المناسبات واعتبر إسرائيل غدة سرطانية يجب اقتلاعها من الوجود.
هذا شيء قليل من توجهات هذه الشخصية العظيمة حول الصحوة الإسلامية وحول لا بدية وقوعها ونصرتها على المستکبرين ومن يقرأ القليل في حياة هذا القائد العظيم يستطيع أن يخرج بنتيجة قاطعة تشير الى مدى أمل هذا الرجل بالصحوة وقطعه بحصولها وطوقه لمشاهدة منجزاتها. وقد ترک لنا هذا العظيم توصيات وتعليمات تفيدنا في تطبيق وترشيد وتصحيح مسار صحوتنا لا بد لنا من الإطلاع عليها والاستفادة منها وفاء لروحه التي ضحت بکل شيء لأجل رفعة الأمة وعزتها.