وقد اعتمدت ثورة الإمام في جميع مراحلها هذه الأسس الثلاث. كما أنَّ جهود الإمام لتحقيق هذه الأسس لا تقتصر على الثورة في عامي 62 و 1963، بل إنَّ الاعتقاد والاهتمام بهذه الأسس يظهر جلياً في مؤلفه السياسي الأول كتاب (كشف الأسرار) عام 1322 هـ ش، وفي بيانه السياسي الأوّل عام 1323 هـ ش.
كما كانت أكثر جهود الإمام الخميني في توعية الناس في جميع مراحل جهاده السياسي تصبّ في إحياء وإثبات أحقية الأسس المتقدمة، وتوجيه أنظار المجتمع الإسلامي نحوها؛ إذ أنَّ الإمام مضافاً إلى بحوث كتاب (ولاية الفقيه) وفصل من (كتاب (البيع) والمسائل المذكورة في كتابي (تحرير الوسيلة) و (توضيح المسائل) لم يترك بيان هذه الأسس المتقدمة في خطاباته وبياناته ومقابلاته إلاّ فيما ندر.
وبشكل عام فإنَّ الإمام الخميني من خلال بيان وهذه الأسس بشكل مستمر وإحيائها في صميم معتقدات وقناعات الشعب الدينية قد تمكّن من بلوغ أهداف جهاده السياسي في إسقاط النظام الملكي في إيران وإقامة النظام الإسلامي.
بعد انتصار الثورة عمد الإمام الخميني بوصفه (ولي المجتمع الإسلامي وقائده) على قيادة هذا النظام الفتي وهدايته في أحلك الظروف ولمدة 11 سنة، معتمداً هذه الأسس ومستنداً إلى القوى الشعبية الكبيرة التي تؤمن بكل وجودها بهذه الأسس، وقد جرّبت صدق تأثيرها وإعجازها من الناحية العملية. إنّ ثبات النظام الإسلامي وبقاءه أمام كل هذه الحوادث والمؤامرات يعود بالدرجة الاُولى إلى إيمان غالبية المجتمع الإسلامي بهذه الأسس.
كما أنَّ الإمام الخميني لم ينهج إشاعة هذه الأسس وتعميقها في المعتقدات الدينية كأسلوب يحصل من خلاله على المكاسب السياسية، بل إنّه قد أثبت صحة هذه الأسس وصدقها بوصفه عالماً إسلامياً له آراؤه في الفلسفة والعرفان والتفسير والمعارف الدينية الأخرى، وبوصفه فقيهاً ومجتهداً بصيراً بالكتاب والسنّة، وكان يرى من الواجب عليه إشاعتها من أجل إحياء الدين وتنقيته من التحريفات والافتراءات.
وعلى هذا الأساس فإنَّ الآيديولوجية السياسية للإمام الخميني المتميزة بالكامل عن سائر الآيديولوجيات السياسية المعاصرة سواءً في أركانها أو أجزائها، تقوم على أسس لُمست أحقّيّتها في ميدان العمل والتجربة الواقعية وكذلك من الناحية النظرية وفي مقام إثبات مشروعيتها وأحقّيّتها فقد تمّ إحياؤها ـ في الحقيقة ـ على لسان شخص يعترف العدو والصديق بأنَّه (محيي الشريعة) و (المجدد الكبير للدين والإيمان به) ولا يمكن التشكيك به في مجال المعرفة الدقيقة ومجال اختصاصه بالإسلام وأبعاده وزواياه.
ورغم الجهود المستمرة التي بذلت طوال تاريخ الإسلام من أجل صيانة هذه الأسس وإحياءها من قبل المصلحين المسلمين الكبار، ورغم أنَّ دوافع أكثر الثورات الشيعية وجهاد العلماء كانت من أجل تحقيق هذه الأهداف وهذه الأسس، لكن يمكننا القول بلا مبالغة إنَّ الإمام الخميني هو أوّل شخص منذ المراحل الاُولى من صدر الإسلام وفِّق على إشاعة هذه الأسس والأهداف المتقدمة مستوى واسع من العالم الإسلامي وأن يُقيم على أساسها حكومة شعبية ودينية قوية، ولعب دوراً في قيادة النظام الإسلامي قرابة إحدى عشرة سنة.
إنَّ ردود الفعل المستمرة والمعادية لأقوى دول العالم ودراسة مخططات الإطاحة بهذا النظام وفرض الحرب الطويلة وأنواع الضغوط العالمية إلى الآن لم تحقق نجاحاً في مواجهة أصالة الآراء السياسية للإمام الخميني والنظام الذي أرسى قواعده.
*تبيان