من ناحيته فان 'الاحتلال' هو أبو المشاكل والامراض في الدولة، ومعالجة جذرية للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية غير ممكنة الا بعد انهاء 'الاحتلال'. ومن أجل الوصول الى ذلك يجب مسبقا تقديم تنازلات كبيرة للفلسطينيين، وتلبية معظم مطالبهم المركزية. وهو يؤمن بان التسوية السلمية النهائية توجد في متناول اليد. وقد فاز هذا المذهب بستة مقاعد، نحو 5 في المائة من عموم المقترعين. هذه هي قوة اليسار الحقيقية في اسرائيل.
باستثناء ميرتس كان في الانتخابات حزب يهودي واحد فقط ركز على التسوية السياسية وهو حزب تسيبي لفني. وكان هذا هو علمه، وكانت هذه هي 'اجندته' الوحيدة. وقد عرض نفسه بصفته الحزب الوحيد الذي يكافح في سبيل التسوية السياسية والتي فيها وحدها حصريا يكمن 'الامل' في بقاء دولة اسرائيل.
وكان ايمانه العميق هو أن في وسعه جلب تسوية سلمية نهائية مع الفلسطينيين. وفضلا عن الاعلام الذي يربت على الكتف وقف الى جانبه عملاقان: رئيسان، شمعون بيرس وبراك اوباما هكذا حسب صحفي يهودي امريكي مقرب من اليسار في اسرائيل خرجا علنا من أجله وفي صالح التسوية السياسية مع ابو مازن.
ورغم ذلك، فان حزب لفني لم يحصل الا عن ستة مقاعد فقط. 5 في المائة فقط من المقترعين آمنوا بـ 'املها' في التسوية النهائية. وبتعبير آخر، فان قلة طفيفة فقط من المقترعين رأوا بشكل عام في مسألة 'التسوية السياسية'، مسألة ذات أولوية عليا، مقابل الاغلبية الكبرى التي رأت في 'الاجندة المدنية' الاولوية العليا ضمن الاجندة الوطنية.
المذهل هو أن 'الخطة السياسية' التي طرحتها لفني ركزت على الامور الاجرائية وليس على الشؤون الجوهرية، وبالشكل الاكثر طبيعية لم تنجح في أن تثير اي اهتمام عام. ليس هذا فقط: حتى الان المواطن الاسرائيلي لم يسمع منها، باستثناء الشعارات، عن مواقفها المحددة في المفاوضات التي أدارتها مع صائب عريقات بصفتها وزيرة الخارجية، وماذا كانت مواقفه. أهذا سر؟
وفي هذه الاثناء أبو مازن لم يمد يده الى الصحن. هو 'المعتدل'، الذي يكسب قلب الاسرائيليين بحلو لسانه وبالطيبات التي يقدمها لهم أعلن بان الساحة الصهيونية أدارت اتصال مع النازيين وطلبت منهم أن يقتلوا اكبر قدر ممكن من اليهود كي يكون لليهود مبررا لاقامة دولة في فلسطين.
وعلى سبيل العقبى، كرر نظريته في أن عدد اليهود الذين قضوا نحبهم في الكارثة ليس سوى 600 ألف. ومن هنا الى هناك روى بانه طلب ان يجلب الى اراضي السلطة 150 الف لاجيء من سوريا، وان اسرائيل أعطت موافقتها على ذلك شريطة ان يتخلى اللاجئون عما يسمونه 'حق العودة'.
'وعلى الفور رفضت هذا الشرط'، شدد ابو مازن'المعتدل'. وما أن علمت نتائج الانتخابات حتى سارع الناطقون بلسان ابو مازن الى الاعلان بانه توجد الان فرصة لاستئناف المفاوضات، واضافوا شرطا جديدا: اعتراف اسرائيلي بالدولة الفلسطينية.
لدينا الان فرصة غير عادية، ولا سيما في ضوء التشكيلة المرتقبة للحكومة، الخروج بسرعة بمباراة سياسية مرنة وذكية غايتها المركزية استباق مبادرات اوروبية وكشف أبو مازن، والتأكيد 'للعالم' بانه لا يوجد له أي اهتمام بتسوية سلمية نهائية مع دولة اسرائيل، ناهيك عن قدرته. وبعد ذلك فقط، في المرحلة الثانية، عندما ننجح (اذا ما نجحنا) في تحسين مكانتها 'في العالم'، فلعله سيكون بوسعنا ان ندخل في مسيرة 'تسويات' مختلفة مع الفلسطينيين بما فيها تسويات انتقالية. مع دولة حماس في غزة، بالمناسبة، يوجد لنا الان شكل ما من التسوية. المهم الا نخاف!
عاموس غلبوع
معاريف
28/1/2013