فالمستكبرون شجعوا البسطاء والمحرومين على التعبد بالوثنية والاصنام مع انها كانت من صنع ايديهم، ومع انهم كانوا يدركون بانها لا تنفع او تضر، وعلى الرغم من ان فطرتهم الانسانية السلیمة هي مجبولة ــ اساسا ــ على عبودية الاله الواحد الاحد تبارك وتعالى.
وبما ان الرسالة السماوية التي صدع بها نبينا العظيم(ص)، جاءت لاخراج الناس كافة من الظلمات الى النور، فانه بذل مع الجبابرة والسلطويين ومع من يعتبرون انفسهم أسیادا وأعلى درجة من الفقراء والمستضعفين والعبيد، جهودا مضاعفة على مستوى الهداية والارشاد والتقويم، وهو امر طبيعي في عالم تسود فيه ثقافة السيطرة والعلو والعصبية ، وتکدیس الذهب والفضة بالطرق المشروعة وغیر المشروعة ،فضلا عن الاستخفاف بکرامة الانسان وامتهان المرأة، وكلهم اولاد ابينا آدم(عليه السلام) وآدم من تراب.
ورغم ان المؤمنين الاوائل واجهوا اقسى اشكال الاضطهاد والظلم والتنكيل والتشريد من قبل زمرة المتجبرين، الا انهم كانوا يتحملونها اسوة بالرسول الاكرم محمد (ص) الذي كان عليه ان يقاوم على جبهتين اثنتين؛ هما جبهة زعماء السلطة والمال ، وجبهة المنظرين لسلوكياتهم القمعية من اليهود والمنافقين الذين اعتبروا الدعوة النبوية الشريفة نسفا لكل اطروحاتهم التضليلية ومطامعهم الجشعة.
وفي مواجهة هذا التآمر المشؤوم لم يزدد النبي والمؤمنون المخلصون الا اصرارا وثباتا وجهادا، ولم يبخلوا بأيِّ شيء من اجل اعلاء كلمة الله عزوجل، ودحض الباطل ورموزه ومظاهره، الى ان انتشر الاسلام في انحاء الارض، وهاهو يمضي قدما في مسيرته النهضوية الواعية منذ نحو 15 قرنا انطلاقا من قوله تعالى {محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم.{
واقع الامر ان هذه الاية القرآنية المباركة تختزن الكثير من القيم والمعاني والدلائل العملیة الايمانية والانسانية التي يفترض ان تسود العلاقة بين الفرد المسلم واخوته فی الايمان، بل بينه وبين البشریة كافة. فكما قال الامام علي (عليه السلام): (الناس صنفان، اما أخ لك في الدين، او نظير لك في الخ..)
ولاشك في ان من ينجح في الانفتاح على الاخرين مهما اختلفت مشاربهم وعقائدهم، سيكون موضعا للاهتمام والترحيب في آن معا، كما ان دعوته الى الدين الاسلامي الحنیف وتعاليمه السمحاء ستلقى التجاوب المحمود طال الزمان ام قصر.
لكن هذه الرسالة لن تحقق اغراضها النبيلة حتى يكون الانسان المؤمن (محمديا) بكل معنى الكلمة ومثلما جاء وصفه (ص) في القرآن الكريم:
}وانک لعلى خلق عظيم} {وما ارسلناك الا رحمة للعالمين} {لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}.
مما مضى يتضح ان الانسان المؤمن لا يستطيع ان يكون بمستوى هذه الرسالة السامية، الا اذا اتصل بمنهل الرسول الاعظم محمد(ص) قلبا وقالبا، وعليه ينبغي ان يحافظ على ذمم ابناء امته عملا بالحديث النبوي الكريم: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه).
لکن مما یؤسف له ان اباطرة القوة و المال والاعلام من الغربیین والصهاینة والخلیجیین (السعودیین والقطریین والاماراتیین) ، باتوا یستخدمون الناس البسطاء ممن تم إغوائهم والتغریر بهم عبرالافکارالمنحرفة والعقائد المتطرفة وتزویدهم بالاسلحة التدمیریة والمعلومات الاستخباریة والتوجیهات اللوجستیة ، لیکونوا سیفا مصلتا فوق رؤوس ابناء الامة، وکأن قدرهم ان یدفعوا ضریبة تمسکهم بالاسلام المحمدی الاصیل تضحیات تلو اخری، وسوقهم رغما الی حیث تشتهی سیاسات الطواغیت والمستکبرین لاسیما امیرکا و"اسرائیل" .
وعند هذه المرحلة وفي ذكرى مولد سیدنا الهادي البشير(ص)، فاننا مدعوون بالحاح الى تقییم تلك المجموعة من السلوكيات المضادة للاخلاق النبویة العظيمة ومکافحتها ، والتأكيد ــ قولا واحدا ــ على ان ممارسات کالطائفية والتكفير وسفك دماء الابرياء واشاعة الخوف والارهاب والتخريب وانتهاک الاعراض فی بلداننا ومناطق اخری من العالم ،انما هی نابعة من الجهل والضلالة، و ليست من الاسلام في شيء ابدا، بل هی مرفوضة کلیا حتى في المجتمعات البدائیة ، اضافة الی انها تشکل تحدیا فی غایة الخطورة للوحدة الاسلامیة ومقومات الالفة والتضامن والتکاتف، وتبدیدا لکل الجهود والمؤتمرات العلمائیة والفکریة الاقلیمیة و الدولیة التی انجزت لتعزیز التلاحم الاسلامی – الاسلامی ، وتقلیص الفواصل فی ما بین أبناء امة الحبیب المصطفی محمد (ص).
*حمید حلمی زادة