س: دولة الرّئيس، أهلاً وسهلاً بك عبر شاشة قناة العالم.
ج: أهلاً بك.
س: أنتم رأس حربة اليوم في أحد أهم قوانين الإنتخاب الّتي تُناقَش في لبنان. بعيداً عن مضمون هذه القوانين، هل تؤمنون أنّ هناك فرصة وإمكانية لإجراء هذه الإنتخابات في موعدها؟
ج: بالنّسبة لي أقوم دائماً بالعمل بطريقةٍ جدّية وذلك تطبيقاً للمثل القائل: "إعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً ولآخرتك كأنّك تموت غداً". يسمح لنا هذا الأمر أن نحضّر القاعدة الإنتخابية، وطبعاً أن نقرّ قانون انتخابات. الفرصة متاحة إلا إذا كان هناك فريقٌ لبناني لا يريد إقرار القانون، والآن هذا أصبح مستحيلاً.
س: هل يوجد هذا الفريق؟ أي هل هناك فريقٌ محدّد لا يريد الذّهاب والسّير باتّجاه هذه الإنتخابات؟
ج: طبعاً، الفريق الّذي يرفض جميع القوانين المقترحة ولا يقدّم أيّ قانون آخر. يجب أن يكون قانون الإنتخابات منصفاً، أن يكون عادلاً، وأن يوزّع المقاعد وفقاً للدّستور. إنّ الدّستور اللّبناني ينصّ على توزيع المقاعد النّيابية على الطّوائف. وقانون الإنتخابات الّذي علينا أن نصيغه، يجب أن يسمح لكّل طائفة بالحصول فعلاً على المقاعد المخصّصة لها.
س: انطلاقاً من هذا المفهوم، تطرحون اليوم في لبنان ما يُعرَف بالقانون الأرثوذكسي. هل تعوّلون على هذا القانون للصّمود وللدّخول في معركة الإنتخابات القادمة؟
ج: بالتّأكيد، لأنّ قانون الانتخابات يجب أن يكون آليةَ عملية لتطبيق الدّستور. يجب أن تُطَبّق النّصوص الدّستورية من خلال قانونٍ تنظيمي لهذا الأمر. قانون الإنتخابات ليس هو من يعطي ومن يأخذ المقاعد، القانون هو آلية انتخاب، إنّما الحقوق السّياسية ينصّ عليها الدّستور.
س: لكن كما نعرف جميعنا، منذ أن تمّ عرض هذا القانون تعرّض لهجمةٍ كبيرة – ولقد أشرتَ آنفاً لهؤلاء الأفرقاء – فهو معارضٌ اليوم من قِبَل النّائب وليد جنبلاط، من قِبَل تيّار المستقبل، من قِبَل رئيس الحكومة، من قِبَل رئيس الجمهورية.. ألا تكفي كلّ هذه الجبهة للعدول عن هذا القانون وسقوطه؟
ج: لماذا؟ هناك أكثرية من 70 نائب على الأقل تؤيّد هذا القانون، وقانون الانتخاب يقرّ بالأكثرية المطلقة أي 65 نائباً. من ناحية ثانية، هل المعارضة محقّة، أم هي عملية وضع يد على حقوق الآخرين؟! إذا كان هناك مثلاً مجموعات تحاول وضع اليد على أرزاق الآخرين، هل نسامحها ونقول إنّها على حق لأنّها مجموعة كبيرة؟ كلا! أي إذا كان المعارضون كُثُراً، أيحقّ لهم وضع اليد على حقوق طائفةٍ أخرى؟! كلا.. وهذا لا علاقة له بالقانون أو بالإجماع. الإجماع لا يجوز إلا لإعطاء حقوق النّاس، أما إذا كان بعضهم يعارض إعطاء الحقوق فتسقط معارضته.
س: ما الّذي يمكن أن تحقّقوه كتيار وطني حر إذا خضتم الإنتخابات وفقاً لهذا القانون؟
ج: النّتائج غير محدّدة، إذ تتوقّف على النّاخبين، إنّما، ما نسعى إليه هو وصول كلّ طائفة إلى حقّها في المقاعد المخصّصة لها، ولذلك لا أستطيع أن أضمن ماذا ستكون النّتيجة، ولكن هم يخافون هذا القانون.
س: لماذا برأيك؟
ج: لا أدري، فأنا أسمع دائماً في الإعلام أنّه لم يعُد عندي شعبية، إذن لا يجب أن يخافوا من هذا القانون ويجب أن يطبّقوه. ولكن، إذا كانت الدّعاية تخالف الواقع فعندها من حقّهم أن يخافوا. يخافون لأنّهم يبغون وضع اليد على السّلطة وليس استفتاء الشّعب اللّبناني حول من يريد منحه ثقته للوصول إلى سدّة الحكم.
س: لكن اليوم يعتبر النّائب وليد جنبلاط نفسه شخصاً وسطياً، وبات يصف كلّ هذا السّجال المحتدم بأنّه حفلة مزايدات انعزالية ستؤدّي إلى أمورٍ خطيرة.
ج: إذا أردنا أن نتكلّم عن الإنعزالية فهو رئيس الجمعية الإنعزالية في لبنان، إذ متى لم يكن وليد جنبلاط انعزالياً؟ وهل يريد أن يكون المسيحيون في المنطقة الّتي يترشّح فيها مستعمرة له؟! هناك 110 آلاف مسيحي في قضاءي الشّوف وعاليه لا يستطيعون إيصال نائب إلى المقاعد النّيابية المخصّصة لهم، بسبب تجمّع الدّروز في منطقةٍ واحدة والتّحالف مع أطرافٍ أخرى غير مسيحية.
س: عندما يخاف كلّ هؤلاء من هذا القانون الّذي لعلّه لأوّل مرّة نشاهد أنّكم كأطراف مسيحية على الأقل حقّقتُم فيه تقدّماً واتّفاقاً بينكم على عكس أمور أخرى كثيرة في لبنان، هل تعتقد أنّ هذا الموضوع مقابل الصّف الآخر هو الّذي يجعلهم يخافون منكم إلى هذه الدّرجة؟
ج: لا يحق لأحد أن يخاف من هذا القانون فهو يعطي الجميع حقوقهم المنصوص عليها في الدّستور، ولكن ما قاموا به لغاية الآن هو وضع اليد على حقوق المسيحيين، فيما هو يعيد للمسيحيين حقّهم ولكن من دون أن يمسّ بحقوق الطّوائف الأخرى. في هذا القانون سيتمثّل كلّ إنسان حسب حجمه لأنّ كل صوت في لبنان تصبح له قيمته، فالأقليات ضمن الطّوائف ستكون ممثّلة والأحزاب الصّغيرة ستكون ممثّلة، كلٌّ حسب حجمه، والأحزاب ستكون ممثّلة إذا كانت لديها هذه الأحجام الكافية. إذاً كلٌّ سيكون بحجمه الطّبيعي، ومن ينجح ينجح ومن يسقط يسقط. هذه قواعد الإنتخابات، لا تخضع إلى معايير مختلفة وفقاً لرغبات النّاس ولكنّها تخضع لمعايير واحدة للجميع. هناك نصٌّ دستوري يعطي المسيحيين 64 مقعداً ويعطي باقي الطّوائف كلّ واحدة منها عدداً معيّناً، وهذا اتّفاق الطّائف أي يجب أن ينال المسيحيون ال64 مقعداً، لا أقل ولا أكثر.
س: كيف تردّ اليوم على أنّ وليد جنبلاط هو من يدعو إلى تحرير المجلس النّيابي من الطّائفية فيما أنتم عبر هذا الطّرح الّذي تقودونه تسعَون إلى تعزيز هذه الطّائفية؟
ج: ماذا فعل لإلغاء الطّائفية؟ لا نريد أن نعود إلى الماضي في كلّ مرة.. ولكن، رضي القاتل ولا يرضى القاتل؟! فهو هجّر المسيحيين والآن يريد أن يلغي الطّائفية؟! لا تزال ذاكرتنا سليمة ونحن من عاش المآسي، لا أحد غيرنا. نحن نحاول أن ننسى فيأتون ليعيّرونا؟! منذ متى وهو مع إلغاء الطّائفية؟ ما يحصل الآن هو أمرٌ غير معقول!
س: هو اليوم من يتحدّث عن أنّكم إذا كنتم تريدون الذّهاب عبر هذا القانون الأرثوذكسي، فَليكن هذا عبر إقامة مجلس شيوخ، ومجلس الشّيوخ هذا يكون تأسيساً لإصلاح وطني في اتّفاق الطّائف.
ج: في اتّفاق الطّائف هناك شروط للوصول إلى مجلس الشّيوخ. عندما تُستَوفى شروط تعيين مجلس الشّيوخ، سيُعَيَّن مجلس شيوخ، ولكن صارت الأمور تسير بعكس إزالة الطّائفية من لبنان. لم يقتنع أحدٌ بها وقسّم كلّ واحدٍ منهم الدّولة حصصاً له. ما داموا يريدون أن يلغوا الطّائفية هل أنا أستطيع أن أعيّن موظّفاً درزياً من حزبي في وظيفة؟! كيف سيلغون الطّائفية؟! الطّائفية تُلغى عندما نبدأ نتعامل بتوافق أكثر. هل طبّقنا مبدأ الكفاءة في معايير القطاع العام؟ ضمن الطّائفة الواحدة ليس مطبّقاً. كيف سنطبّق بين الطّوائف مبادئ العدالة والإنصاف إذا كان مبدأ الكفاءة ضمن المذهب الواحد ليس مطبّقاً؟! هل مسموح لغير وليد جنبلاط أن يعيّن الموظّف الدّرزي؟؟ إذاً، هل الأمر هو فقط جدل كي نسلّي النّاس أم يجب أن نتكلّم بمنطق وأن نحترم القوانين ونحترم التّقاليد والعادات الّتي نعيش فيها؟! أنا لم أتخيّل طوال حياتي أن أصل إلى يومٍ أقول فيه: نريد حقوق المسيحيين! ولكن نحن نعاني منذ سنوات.. عدت في العام 2005، وبدأت سياسة تناغم مع مختلف المكوّنات في المجتمع اللّبناني، فتحنا حواراً مع تيّار المستقبل وفتحنا حواراً مع حزب الله، توصّلنا مع حزب الله إلى تفاهمٍ وطني، ووضعناه على الطّاولة ودعونا الجميع إلى قراءته وأوضحنا لهم أنه قابل للنقاش والتعديل، وهو ليس اتفاقاً تحت الطّاولة ولا سرّ فيه وتمنّينا أن يكون هذا الإتّفاق على مستوى جميع اللبنانيين، وأن يحقق التضامن حوله، لأنّنا وضعنا فيه مجموعة قضايا كانت تعتبر خلافية، وتفاهمنا عليها... على الرَّغم من كلّ ذلك، بدأ الهجوم الإعلامي على هذا التفاهم منذ اليوم الأول تحالفاً مارونياً-شيعياً ضدّ السّنّة!! وأول المبادرين بهذا التوصيف كانت صحيفة "الحياة".. وما زلت حتى اليوم أتلقّى التّشهير والإتّهامات بأني ضدّ "السّنّة"! مع أنّي أتحدّى أيّاً كان أن يجد في أحاديثي كلمةً واحدة أتعرّض فيها للمعتقد السّنّي! أنا لا أتعرّض لطائفة في معتقدها، فحرية المعتقد مقدّسة لكلّ النّاس.. ولكن لا يريدون السّماح بانتقاد موظف إذا كان ينتمي للطائفة السنية؟!! يعتبرون أنّي إذا انتقَدتُه، أصبح ضد السّنّة!! هؤلاء يريدون أن يلغوا الطّائفية؟!! لا أحد منهم يريد أن يلغي الطّائفية.. طالما أنّهم لا يقدرون أن يقبلوا النّقد لموظّف أداؤه سيّء!
س: ماذا تسمّي إذاً طروحات وليد جنبلاط هذه؟
ج: لا شيء!! طروحات إعلامية فقط، بروباغندا.. دعوناه لأن ينشر فقط جداول دفع التّعويضات، هل كان هذا الصّندوق للمهجَّرين أو للمهجِّرين؟ عندئذٍ يتبيّن الأمر بالأرقام. أنا أحبّ الأعداد كثيراً ولا أحبّ الجدل الّذي بإمكان المرء أن يقول فيه ما يشاء.. فالأرقام لا يمكن تزويرها الآن بعدما توزّع المال على أصحاب العلاقة.
لا شيء يدلّ على أنّ أحداً منهم يريد إلغاء الطّائفية إذ جميعهم لهم مكاسب منها. نحن الوحيدون الّذين نؤمن بإلغاء الطّائفية، ولكن هل إلغاء الطّائفية يكون بقولهم "لا تفكّروا طائفياً"؟!.. ما هي القوانين الّتي سنطبّقها؟
س: هل هناك اتّصال أو تلاقي بينكم وبين النّائب وليد جنبلاط؟
ج: التلاقي الاجتماعي هو غير االتلاقي السياسي، التلاقي السياسي غير موجود، أما التلاقي الاجتماعي فيمكن أن نلتقي في أي وقت على طاولة غداء سويّاً، نتحادث، لا يوجد مشكلة. في الأيام الصّعبة لم ينقطع الكلام بيننا، ليست هنا المشكلة، المشكلة هي ضرورة إيجاد رؤية واحدة على مفهوم الدّولة.
فَليكُن هذا المجلس الّذي سيأتي على مستوى المذاهب مجلساً تأسيسياً حتى نجلس حول طاولة معيّنة ونقول كيف نريد الوطن. أما التّلاعب بمسألة إلغاء الطّائفية حسب المكاسب منها، فهذا ليس تنظيماً للدّولة بل نوعاً من شركة مساهمة، لكلّ واحدٍ عدد من الأسهم.. هذه هي الدّولة اللّبنانية اليوم: شركة مساهمة، وكلّ واحد يريد أن يضع يده على أسهم الآخر، لأنّه لم يحصل إصلاحٌ في الطّائف، ومن يقول إنّ هناك إصلاحاً في الطّائف فكلامه كذب، لأنّ الإصلاح يأتي لمصلحة الدّولة ولمصلحة كلّ النّاس ولا يأتي لمصلحة مذاهب وطوائف. وطالما في هذا الموضوع لا مفهوم واحد للدّولة، صعبٌ جدّاً أن تنشأ الدّولة. يقدرون أن يتعايشوا كما هم لا أكثر ولا أقل.. ولا يجب على أحد أن "يتفلسف" إلا إذا طُرِحَ الموضوع بطريقةٍ جدّية. أنا أطرحه الآن على مستوى جدّي حتى نرى كيف سنبني هذه الدّولة.
س: وكأنّ رئيس الجمهورية أخذ عليكم في جلسة مجلس الوزراء السّابقة أنّكم لم تستشيروه في هذا القانون، لماذا لم تستشيروه؟
ج: نحن نوّاب ولدينا حق اقتراح قوانين. النّواب لا يستشيرون رئيس الجمهورية. هم يقترحون ويقدّمون القانون إلى مجلس النّواب. هذه هي التّقاليد البرلمانية وهكذا هي القواعد البرلمانية.
س: عندما يقول أنه لا إجماع على هذا القانون وهو سيطعن به في حال تمّ إقراره، ماذا تفهم من ذلك؟
ج: أفهم من ذلك أنّ الطّعن به لن يحصل، لأنّ هذا القانون لا يتعارض مع الدّستور، بينما جميع القوانين المقترحة من الآخرين غير دستورية. هذا هو القانون الوحيد الدّستوري من بين القوانين المطروحة. لا يوجد غيره دستوري، لأنّه يوصل الحق إلى أصحابه، والحقّ محدّد في الدّستور في المادة 24.
س: لكن هل برأيك يخشى رئيس الجمهورية ألا يؤمّن لنفسه موقعاً في هذه الإنتخابات في حال تمّ إقرار هذا القانون؟
ج: هذا الأمر شخصي ولا يتعلّق بالقانون. أنا لا أحكم على نوايا أحد ولا أريد أن أفسّر نوايا أحد. أنا ما أعرفه هو أن القانون من ناحية الشّكل صحيح ومن ناحية المضمون صحيح.
س: وسط كلّ هذه المعارضة الحاصلة اليوم، هل تعتقد أنّه لا يزال هناك مجال لمرور هذا القانون إلى الهيئة العامة لمجلس النّواب؟
ج: ولمَ لا؟ طالما تؤيّده الأكثرية. نحن بحاجة ل65 نائباً، ولدينا 70.
س: هل برأيك سيرفعه الرّئيس برّي إلى الهيئة العامة؟
ج: بالتّأكيد، فرئيس المجلس هو الّذي يسهر على المسار القانوني لكلّ قانون يُقَدَّم، وهذا القانون يتبع المسار القانوني.
س: مطمئنون أنتم لموقف حزب الله وحركة أمل؟
ج: بالتّأكيد مطمئنون، ولمَ علينا أن نشكّك بهم؟ أيّدوا القانون أثناء المفاوضات الأولى وتبيّن أنّ هذا القانون حظي بأصواتهم وكان موقفهم لصالحه. أما إذا أراد أحدهم أن يسحب في المداولات توقيعه ، فهذا شأنه. كل الذين التزموا بهذا القانون في اللّجنة أشكّ أن يعود أحدهم ويسحب توقيعه، لأنهم وقّعوا عن قناعة ولم يكن أحدٌ مرغماً أن يؤيّد أو لا يؤيّد.
س: ألا تكفي معارضة تيار المستقبل – وهي الكتلة السّنية الأساسية في لبنان – لإسقاط هذا المشروع؟
ج: ولمَ ذلك؟ كم مرّة لم يسأل تيار المستقبل عن أحد خلال السنوات الماضية؟ هل سأل عنّا عندما كنّا نمثّل المسيحيين في حكومة بنسبة 70% في العام 2005؟ لم يسأل عنّا ولا عن رأينا، وبمن كان المسيحيون ممثّلين؟ كلّ نوّاب "المستقبل" والنّواب المسيحييّن الّذين لم يكونوا معنا، لم يكونوا ممثّلين ل30% من المسيحيين.. مع هذا قالوا: "خلص ماشي الحال!" بعدها، وبعد أقلّ من سنة، لم يعد هناك "شيعة" في الحكومة وبقي "ماشي الحال"، ماذا تسمّون هؤلاء؟! هل يقوم حكم بتعيين شخص كونه مسيحي أو شيعي ويعتبره ممثلاً عن طائفته؟ أو أنّ للحكم صفة تمثيلية للمواطنبن؟!
لقد حكموا بدون تمثيل الشّعب اللّبناني، حكموا بدعمٍ من الخارج.
س: بحسب معلوماتك، هل هناك اليوم أي قانون آخر على الطّاولة يتمّ تدوير الزّوايا له؟
ج: ليس هناك تدوير زوايا في الحق. تدوير الزّوايا يصلح والتّسامح يصلح في كلّ شيء في العلاقات الإنسانية إنّما عندما تصل الأمور إلى إحقاق الحق فهو عادل وقاطع مثل السّيف. هذه هي العدالة، وهي لا تقوم إلاّ على الحق، كما يقول الإمام علي بقوله المأثور الشّهير "لم يترك ليَ الحقُّ صاحب."
س: هل أنت متمسّك بهذا القانون؟
ج: نعم بكلّ تأكيد.
س: هل ستتطعن بأيّ قانون كما قلت في السّابق في حال لم يكن القانون الأرثوذوكسي ويحقّق المساواة والعدالة؟
ج: لن يصل الى الإقرار.
س: ماذا سيحصل إن لم يصل االى الإقرار؟
ج: طالما أنّ هناك فئةٌ كبيرة تريد مقاطعة القانون سنوقفها كما تريد أم تفعل معنا .
س: هذا لا يعني أنّ الإنتخابات نفسها قد طارت إذا لم يُقرّ؟ أهل هناك قانونٌ آخر؟
ج: أنا غير منزعج، (وسنرى غداّ أنّ حملةً ستُشنُّ عليّ لقولي ذلك..) ولكن إن لم يُقر القانون أكون قد طبّقت رغبتهم لأنّهم لا يريدون أن تحصل الإنتخابات..!! هل من السّهل أن يقول أحد إنّه لا يقبل القانون الّذي نقدّمه ولا يقدّم قانوناً جديداً؟! أهل هذا هو التّفاوض والأصول؟! كلُّ شيء نقدّمه يهاجمونه.. هل هذا معقول؟!
بالنسبة لهم، إمّا أن يُقرّ قانون للسطو علينا وعلى حقوقنا وإمّا أن لا يُقرّ قانون!
س: وكأنّك تتحدّث عن أنّه لديك مخاوف فعليّة من عدم وصول اليوم الإنتخابي؟
ج: لا مخاوف لديّ. هذه حالةٌ أواجهها كما الإنتخابات الّتي سأوجهها وأخوضها. أنا ليس لي مخاوف من شيء، فأنا أتعامل دائماً مع الواقع بما يقتضي الأمر.
س: ولكن الحديث اليوم عن نطام أكثري، نظام مُختلط، كلُّ هذه المناقشات الّتي تجريها..
ج: كلّ هذا النّوع من الإحتيال هو للحصول على عدد من النّواب المسيحيين لكي يحافظوا على مكتسباتهم. فليغيّروا هذه اللّعبة أفضل، ولنكن صريحين مع بعضنا البعض.
س: هل قرّب هذا التقارب في الموضوع الإنتخابي المسيحيين من بعضهم البعض؟ فنحن وجدنا تلاقٍ بينكم وبين الكتائب والقوّات اللّبنانية على القانون الأرثوذكسي..
ج: هذا موضوعٌ لا يستطيع أحدٌ الوقوف ضدّه من المسيحيين، لأنّه يعيد لهم حقوقهم، القوّات اللّبنانية سيكون لها عدد أكبر من النوّاب مما لديها الآن، وإذا استمرّوا في التّحالف مع تيّار المستقبل ستزداد حصة المستقبل معهم.. هذا هو الأمر. من قال إنّ المسيحيين سيكونون كتلةً واحدة؟! سيكون بينهم أكثرية وأقليّة، فإذا أخذت القوّات اللّبنانية والكتائب الأكثرية فيكون تيّار المستقبل قد أخذ الأكثرية، وإذا أخذوا الأقلية فنكون نحن الأكثرية مع تحالفاتنا.
س: سننتقل الآن من قانون الإنتخاب إلى مجينة طرابلس. على أبواب الأزمة السورية المستمرّة على لبنان، هل تخشى أن تكون اليوم منطقة طرابلس منطقةً غير آمنة في كلّ ما يحصل فيها؟
ج: هي لا زالت غير آمنة حاليّاً، فاليوم وقع حادثٌ خطر طال الرّئيس كرامي والوزير كرامي اللّذان استطاعا السّيطرة على الموقف واستوعبا الموضوع، ولكنّ حدث من هذا النوع لو حصل مع أشخاصٍ غير مدركين للوضع ولم يستطيعوا استيعابه لفجّر الأزمة.
محاولة الإغتيال الّتي تعرّض لها الوزير كرامي اليوم ليست بسيطة، ومفاعيلها قد تكون خطيرة، فالرّئيس كرامي ليس شخصاً عادياً في طرابلس، فهو الزّعيم الوحيد الّذي يتمتّع بشعبية غير مُستعارة وهو أيضاً زعيمٌ قديم وعريق في طرابلس ، لقد استوعب محاولة الإغتيال وإلاّ لكان اختلف الوضع.
س: قلت بأنّ لبنان وصل إلى أن ينقل بسياسة النّأي بالنفس التي يمارسها بموضوع الملف السوري، إلى النّأي عن لعب الدّور. هل برأيك، لا يزال لبنان يلعب هذا الدّور أو هذا اللاّ دور؟
ج: هذا اللاّ دور. بالتّأكيد. نبّهت مراراً وتكراراً إلى أنّ سياسة النّاي بالنّفس تكون بعدم التّدخّل عند الآخر، ولكن الانسان لا يستطيع النّأي بنفسه عن أحداث تحصل على أرضه حيث يمارس سيادته ومسؤوليّاته كاملة. النّأي بالنّفس يعني عدم السّماح بالتّسلّل إلى سوريا، وعدم السّماح بنقل السلاح إليها، والتّأكّد من العناصر الآتية من سوريا إلى لبنان، إذ كانت تنتمي للجيش السوري الحر كما أطلقوا على أنفسهم، أم أنّها مجموعات من أناس أغراب يأتون من مختلف الدّول العربيّة، وخصوصاً المجموعات التّكفيريّة منها، التي لا تحترم حريّة المعتقد عند الآخرين. هذا ما كنت أطالب به، أردت التّأكّد من الهويّات لضبط الدّاخلين إلى لبنان، ودراسة قدرة لبنان على الإستيعاب، وفي حال لم يكن قادراً، معرفة كيف يمكن التّعامل مع هذا الملفّ. الدّولة اللّبنانيّة لم تقم بدورها في هذا الموضوع، فنأت بنفسها عن عكّار وعن طرابلس، وما نعانيه من أحداث اليوم هو خير دليل على أنّ مطالبنا كانت محقّة، وهذا الموضوع بدأ مع بداية الأحداث في سوريا. علينا أن نضبط حدودنا مع سوريا لأنّ هناك إتّفاقيات بين البلدين لا تسمح بأيّ بندٍ منها بالعمل مع عناصر تحاول ضرب الإستقرار في بلدٍ إنطلاقاً من البلد الآخر، أو مساعدتها على الإنقلاب ضدّ دولة البلد الآخر. هذا منصوص عليه في الإتّفاقيّة مع سوريا، ومنصوص عليه في المادّة الثّامنة من ميثاق الدّول العربيّة التي لا تسمح بتدخّل من بلدٍ لآخر. كلّ الدّول العربيّة تتدخّل اليوم، وهذا العمل هو نقض فاضح للميثاق. أيّ بلدٍ يستطيع أن يخرج الآن عن ميثاق الدّول العربيّة لأنّ هذا الميثاق لم يُحترم، لا اليوم في سوريا، ولا في العام 1975 في لبنان، لأنّ أموال الدّول العربيّة كانت تموّل دائماً الأحداث اللّبنانيّة.
س: لماذ يتمّ إحترام هذا الميثاق مع دولٍ معيّنة، فيما يُنكث به اليوم في سوريا؟
ج: لم يُحترم أيضاً مع لبنان. يبدو أنّ الدّول التي تقع على شاطئ البحر المتوسّط، أي دول المشرق أو ما يطلقون عليها دول الشّرق الأوسط، غير مرغوب بها في جامعة الدّول العربيّة!!!
س: قلتم في شهر نيسان من العام 2011، بعد مرور شهرٍ على بداية الحرب على سوريا، إنّ النّظام في سوريا سينتصر، وإنّه سيكون نموذجاً للدّول التي رأت ما حصل، والفوارق بين سوريا وبين الدّول التي حوربت. وقلت إنّه نتيجةً للأزمة في سوريا في سوريا، ستهتزّ العروش. هل ما زلت ترى هذه الصّورة بعد مرور كلّ هذا الوقت؟
ج: بالتّاكيد، لأنّ سوريا مستعدّة اليوم للتّعديل في نظامها لكي يصبح نظاماً ديمقراطيّاً، فيما الدّيمقراطيّة مفقودة عند الدّول الأخرى. الأمر جدّ بسيط، وهذا هو النموذج الذي أتخيّله وليس النموذج الذي أريد فرضه. عندما يكون هناك نموذجٌ للدّيمقراطيّة في إحدى الدّول العربيّة، فمن المؤكّد أنّ شعوب الدّول العربيّة الأخرى ستنظر إليها على أنّها نموذجاً، وبالتّالي ستحاول إقامة ما يشبه هذا النّظام في دولها. هذا ما قصدته بكلامي لأنّني كنت أعلم أنّ الشّعب السّوري سيصل إلى هذه النتيجة الحتميّة، وإنّ هناك إستحالة لأن يربح المتمرّدون المعركة. سوريا دولة قويّة، كانت تحتاج الى تعديل مادّة واحدة من دستورها وهي المادّة الثّامنة، أي عدم حصريّة حكم الدّولة لحزب البعث، فتُطلق حريّة الأحزاب، وهذا أمر سيحصل في سوريا، ومع تعدّد الأحزاب السياسيّة، ستسقط فكرة الحزب الواحد، ويتحوّل البرلمان ليكون وفقاً لرغبات ومشيئة الشّعب السّوري. أنا قدّمت نصيحة في هذا الأمر، وقلت إنّ لبنان تعرّض في السبعينيّات لتجربة كبيرة، فقاتل أهله بعضهم البعض، ولم تتوقّف المعارك إلّا على طاولة المفاوضات.
س: أنت تتحدّث عن مسارٍ ديمقراطيّ، ولكن هل ترى اليوم أنّ ما يجري في سوريا، من منظارك كقائد عسكريّ سابق، هو حرب طائفيّة أو حرب عصابات أو حرب بين دول...؟؟
ج: كلّ هذه الأمور هي مكوّنات الحرب في سوريا. يجب ألاّ ننسى أنّه ومنذ العام 2005 عندما ظهر أبو مصعب الزّرقاوي في العراق وكفّر الطّائفة الشيعيّة، بدأ الإعداد لصدام سنّي-شيعي، فنجح في بعض الأماكن وفشل في اماكن اخرى، ودخلت بعد ذلك الحركات التكفيرية التي لا أعتبرها إسلاميّة لأنّ الإسلام لا يكفّر أحداً، نظراً لما قرأته في القرآن الكريم. هذه المجموعات أتت لتشنّ الحروب على أنواعها، لأنّ ما وراء هذه الخطّة تقبع "الفوضى الخلاقّة" التي تحدّثت عنها كوندوليزا رايس عندما كانت في لبنان. الفوضى الخلاقّة تعني أن يتضارب الجميع فيما بينهم. أعتقد أنّ هناك ما لا يقلّ عن أربعين ألف تكفيريّ موجودين اليوم في سوريا...
س: من أين أتى هؤلاء؟
ج: نستطيع رؤية الزيّ الأفغاني والزي الباكستاني والزي الشيشاني والزي الليبي... هناك جميع الأزياء. من ملابسهم نستطيع أن نميّز من أين أتوا. كلّ هؤلاء موجودون في سوريا، وجميعهم متطرّفون وتكفيريّون. هم تكفيريّون من المذاهب الإسلاميّة بالدّرجة الأولى، وقد نكون نحن بمثابة أهل ذمّة بالنسبة لهم، ولكن لا أعلم كيف سيواجههم المسلمون الآخرون.
س: كنت تتحدّث عن أنّك ترى تباشير. ما هي هذه التباشير؟
ج: التّباشير هي أنّ الكفّة العسكريّة قد مالت لصالح الجيش السّوري الوفيّ لدولته بمقابل المسلّحين الفوضويين. ستتمّ السيطرة بشكلٍ أكبر وأكثر سهولة. هذا من جهة، أمّا من جهة ثانية، هناك إدراك الغرب أنّه في حال سقوط النّظام الحالي – وهو أمرٌ مستحيل وقد قلت ذلك منذ بداية الحرب – سيسود نظام إسلامي متطرّف وهو النّظام التّكفيري، وسينتقل بعد ذلك إلى الغرب وإلى كلّ أقاصي العالم، لأنّه لا حدود للتكفيريين. ولربّما وصلوا الآن إلى شمالي إفريقيا.
س: هل فهموا هذه المعادلة وبات من الممكن أن يذهبوا باتّجاه الحلّ؟
ج: بدأ الصّراخ في هذا الموضوع، وتمّ الإعلان عن أنّ جبهة النّصرة هي مجموعة إرهابيّة. إنطلاقاً من التجربة، حاولنا إقناع الغرب بأنّ ما يقوم به خاطئ لأنّه لا يجوز دعم التّطرّف، طالما أنّ الأنظمة مستعدّة للقيام بتعديلات ديمقراطيّة، ومنح مواطنيها حقّ المواطنة. ولكن المؤسف هو أنّ الدّول التي كانت أقرب إلى الدّيقراطية هي التي أسقطت أنظمتها وقد ساعد الغرب على انهيارها، في حين أنّ الدّول التي لا تعرف الدّيمقراطيّة وليس لها دستور، بَدت صديقة للغرب، وما شعار الدّيمقراطيّة الذي يتحفنا به الغرب إلاّ سلعة تجاريّة يتكلّم عنها من دون أن يكون لها أيّ ركائز.
س: ما الذي يسعون إلى تعميمه اليوم داخل سوريا؟
ج: من يموّلون الحرب بالرّجال والمال والعتاد يسعون لإستمرار هذه الحرب. الجميع يعلم ذلك. كلّ من يموّل ومن يغذّي بالرجال والعتاد مشارك في الحرب على سوريا. جميع هؤلاء معروفون. هم لا يحاولون إخفاء مشاركتهم التي تظهر جليّاً في وسائلهم الإعلاميّة ومواقفهم السياسيّة.
س: قلت إنّ ما يجري اليوم على أرض سوريا هو صراع عمالقة. هل صراع العمالقة هذا يقفل الباب أمام أيّ تسوية، أم انّك ترى اليوم تسوية تلوح في الأفق لوقف الحرب في سوريا؟
ج: في العام 1989 سقط الإتّحاد السّوفياتي بعد أن كان يؤمّن توازناً في ميزان القوى العالميّة مع أميركا. مع سقوط الإتحاد السوفياتي سقط التّوازن، وصار هناك أحاديّة في السياسة العالميّة، فطغت هذه الأحاديّة السياسيّة على كلّ الدّول الصّغيرة والدّول المتوسّطة، وتوصّلت بطغيانها في بعض الأحيان إلى عدم احترام ميثاق الأمم المتّحدة، فتدخّلت عسكرياً في العديد من الدّول من دون إستئذان الأمم المتّحدة ومن دون أن يكون هناك سبب وجيه لتدخّلها، مُوافق عليه من المرجعيّات الدّوليّة. هذا الموضوع أزعج العديد من الدّول الكبرى والعظمى كروسيا والصين والهند وغيرها... وصار هناك مجموعة من الدّول تدعى دول البريكس وتضمّ البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوبي أفريقيا، وباتت تضمّ هذه المجموعة بالإضافة إلى الدّول الدّاعمة لمسارها، أكثر من نصف البشريّة في العالم. أعتقد أنّهم يمثّلون اليوم حوالي ثلثي البشر. إنطلاقاً من هنا، هذه الدّول لن تعيش "تحت رحمة" دولة واحدة، حتّى وإن كانت دولة عظمى كأميركا.
س: هل ذلك يؤسّس لتسوية على الأرض السوريّة؟
ج: بالطّبع. هذا الأمر يؤسّس لتسوية ولتقاسم النّفوذ في العالم أيضاً. هذه الثّنائيّة العالميّة تحفظ التّوازن. وقد مرّت بالعديد من المراحل، فوصلت للتّفاقم في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى عاشت في حربٍ باردة، كما مرّت بما يُعرف بتوازن الرّعب عندما لم يكن إستعمال الأسلحة النوويّة محرّم... كلّ هذه الأمور، إن كانت توازن رعب أو توازن تفاهم، أو حرباً باردة، كانت تحدّ من انفلات الدّول على بعضها البعض، واندلاع الحروب.. وحتّى الحروب، كان لها حدود معيّنة لا يمكن أن يتمّ تخطّيها. كانت كلعبة "الكباش" بحيث يتمّ ليّ ذراع الآخر من دون كسره. كانت تتوقّف الحروب وفقاً لقرارٍ ما في مكانٍ ما. هذه الثّنائيّة ستعود وهذا ما قصدته بصراع العمالقة في سوريا. لا بدّ لهذا الصّراع من أن يصل إلى تفاهمٍ وسوريا ستكون من ضمن هذا التّفاهم، وسيكون نظامها من حيث الجوهر كما هو في الوقت الحالي ولن يتغيّر، وستتغيّر مادّة واحدة كما سبق وذكرت، فيتمّ على هذا الأساس إلغاء الحصريّة، وبالتّالي تأتي الدّيمقراطيّة، لأنّ سوريا كانت تعيش قبل الحرب مبادئ الدّيمقراطية، لأنّ حريّة المعتقد موجودة، إذ يستطيع الجميع ممارسة شعائرهم الدينيّة، كلّ في المعبد الخاص به، كما يستطيع كلّ إنسان أن يأكل ويشرب ويرتدي كما يشاء، وتكون حريّته محفوظة. كان يجب فقط إلغاء المادّة التي تعطي الحصريّة في الحكم لحزب البعث، لأنّ الحريّات الفرديّة كانت جميعها موجودة وكانت تتّبع تقاليد المجتمع التي يضبطها، تماماً كأيّ مجتمع آخر يضبط حريّاته ضمن عاداته وتقاليده. لم يُحرم أيّ إنسان من ممارسة معتقده الديني في سوريا كما يحصل في بعض الدّول العربيّة الأخرى.
س: هل لديك أيّ إتّصال مع الرئيس السوري بشّار الأسد؟
ج: هذا أمر خاص.
س: طرحت السّؤال لأنّكم اليوم في لبنان، تُعتبرون الحلفاء الأساسيين لحلفاء النّظام السّوري.
ج: كلمة نظام تعني "regime" باللّغة الفرنسيّة أي أسلوب الحكم. أسلوب الحكم يتغيّر، ولكن أين النّظام النّظام السوري بجوهره؟
س: هو ما تعوّلون عليه.
ج: نعوّل عليه وعلى تعديله ولكن ليس بالمطلق. نطالب بتعديله ولكن ليس بالمطلق، وذلك لكي يتمّ إطاره الدّيمقراطي، وهذا سيكون أفضل للسوريين وأفضل لنا نحن أيضاً كلبنانيين.
س: تتحدّث عن الرابط بين سوريا ولبنان، ولكن إسمح لي دولة الرئيس: كثيرون أخذوا عليكم موقفكم من النّازحين السّوريين الّذين حضروا إلى لبنان حيث يُقال إنّكم أنتم من طلبتم إغلاق الحدود اللّبنانية بوجههم، حتّى أنّ البعض وصفوا كلام الوزير جيران باسيل بالعنصري. ما هو موقفكم من هذا الموضوع؟ وهل هذا الأمر هو ملفٌّ إنسانيٌ بالنّسبة إليكم أو ملفٌّ سياسي؟
ج: في أول تصريح لي عن هذا الموضوع تحدّثت عن ضبط الحدود، وقلت إنه علينا أن نميّز منذ لحظة دخول النازحين، من هم الّذين يحتاجون منّا مساعدةً إنسانية، ومن هم الآخرون. التّصاريح مكتوبة وهي لا تزال موجودةٌ في الصّحف. أنا مع الواجب الإنساني، ولكنّي لست مع مُخيّمات تدريب كما يحصل في عكار، ثمّ إنّ السوريين أصبحوا منتشرين في كلّ مكان دون أن يعرف أحدٌ هويّاتهم أو أين يسكنون. هذه هي الفوضى بحدّ ذاتها. ونحن الآن نريد أن نطلب تدخّل الأمم المتّحدة، فالدّول المجاورة أقفلت حدودها ولبنان الّذي هو أصغر دولة يُلقى عليه الثّقل كلّه! أنا إنسان أستطيع أن أحمل مئة كيلو على ظهري، فهل يضعون لي طناً من الأوزان كي "أُسحق" تحتها؟!
هناك طاقة استيعاب وهذا ما نتحدّث عنه نحن، وليس إقفال الحدود ورمي الناس. هناك مسؤوليّات تطال جميع الدّول المجاورة والأمم المتّحدة، وثورتي هي على هذا الأمر، إذ يقولون لنا قوموا بواجباتكم الإنسانية، ولكن إذا لم نكن قادرين على القيام بواجباتنا الإنسانية تجاه جميع هؤلاء النّاس، ألا يستطيعون هم إيقاف الذّخيرة والأسلحة والحرب وويلاتها؟!َ
هم من يموّلون الحرب ويلقون أعباءها علينا. أليس لنا حقّ الإعتراض لقضيةٍ عادلة؟! من ناحية ثانية، عندما تأتي كتلةٌ بشريةٌ كبيرة الى مجتمع ما فهي تهزّه؛ أميركا الّتي تعلّمنا دروساً في الإنسانية لا تسمح بتجنيس أكثر من نسبة 0.35 بالمئة من حجم شعبها، أمّا نحن فمن أتوا من سوريا إلى لبنان حتّى اليوم يشكّلون نسبة 25% من مجموع شعبنا.
س: إذاً أنت تخاف على لبنان من هذا الحضور السّوري – الفلسطيني الكبير؟
ج: ليس الأمر سوريّاً أو فلسطينياً، إنّما الأمر هو أنّ كتلةً بشرية كبيرة غير لبنانية ضمن المجتمع تخلُّ بتوازناته، ولو كانوا حتّى سنّةٌ مع سنّة وشيعةٌ مع شيعة ومسيحيين مع مسيحيين، فإنّ العادات والتّقاليد هي الّتي تصنع الإستقرار ضمن البيئة الواحدة.
وكذلك فإنّ هذه الفئة الّتي أتت بحاجةٍ إلى المُساعدة الإنسانية، وقد تكون المساعدات الّتي تأتيها لا تكفيها، فتقع السّرقات وعمليّات القتل. انظروا كم زاد معدّل الجريمة في لبنان في ظلّ هذه المرحلة الّتي نمرّ بها.
إذاً لا يمكن لأحد أن يتحدّث من مُنطلق عاطفي. من منّا إذا رأى طفلاً يرتجف برداً على الطّريق بمفرده ولا يحضنه ويأتي به إلى منزله؟! هذا الكلام عن أنّ موقفنا عنصريٌّ هو استغلالٌ سياسي رخيص.
يتحدّثون عن موضوع اقتصادي اجتماعي مُعقّد بكلامٍ سياسي. إذا أرادوا الحديث عن الموضوع من الناحية الإقتصادية فيتحدّثون به من منطلق سياسي، وإذا أرادوا أن يتحدّثوا عن جرّة مياه يتحدّثون عنها من وجهة نظر سياسية. ليس كلُّ شيء سياسي فهناك أمورٌ تقنية. هذا ما نتحدّث عنه.
س: أنتم خطّأتم تركيا على دورها وتشجيعها الإنقسامات بالملفّ السّوري وقلتم إنّها تريد إسقاط النّظام الأسد لإعادة أمجاد الدّولة العثمانية. هل برأيك تركيا وصلت إلى نقطة اللاّعودة ولا يمكنها الرّجوع إلى الوراء مهما كلّفها الأمر؟
ج: ما أعتقده الآن هو أنّ تركيا مجبرة على العودة إلى الوراء لأنّها لا تستطيع التقدُّم، فهي قد وصلت إلى مكان لا يمكنها أن تستمرّ في التقدّم به.
س: هل بدأت تخاف على الدّاخل التّركي؟
ج: الدّاخل التُّركي يخيفها من الأساس.
س: لكنّها اليوم هي لاعب فاعل وهي تُعلن انّها تدعم هذه المُعارضة بشكلٍ كبير..
ج: هي لا تزال تتناغم مع دول الغرب أي مع الدّول الأوروبية وأميركا، فهي ليست لوحدها في الحرب.
س: البعض في لبنان حمّلها مسؤولية المُختطفين اللّبنانيين، ما رأيك بهذا الموضوع؟
ج: أنا أيضاً أحمّلها هذه المسؤولية، فحتى ولو سلّمنا أنّ المخطوفين لم يدخلوا إلى الأراضي التّركية، ولكن تستطيع تركيّا أن تطالب بهم إن أرادت ذلك، إذ يكفي أن تهدد الخاطفين بقطع المساعدات الّتي ترسلها إليهم، ليستجيبوا لها..
س: إذاً، فأنت تعتقد أنّ الحلّ والرّبط في هذا الموضوع هو بيد تركيّا؟
ج: بيد تركيّا أو بيد إحدى الدّول الّتي تقوم بالتّمويل، لأنّ المساعدات كبيرة جداً وهي تؤمّن استمرارية المُقاومة في سوريا بأكملها، وإن تمّ قطعُها عنها تنهار. من هنا، عندما تطالب دولةٌ بهذا الموقع بالمخطوفين فسيسلّمونها إيّاهم شاؤوا أم أبوا. نحن لا نريد الدّخول في هذا الجدل ولكن هذا رأيي في الموضوع، وقد قلت ذلك على طاولة الحوار أيضاً وقدّمت اقتراحاً بهذا الشأن ولكنه لم ينفّذ.. هم مُلزمون بالمساعدة أو تقع على عاتقهم مسؤولية قانونية دولية.
س: نحن اليوم على أبواب انتخابات اسرائيلية. مع كلّ التّهديدات الّتي نسمعها دائماً عن حرب على لبنان أو إيران، هل تخاف من هذا المشهد في المنطقة؟
ج: أبداً، لن تُكتَب لإسرائيل الغلبة بعد حرب تمّوز من العام 2006، ولن تقوم بأيّ محاولة. جميع مزايداتها هي فقط لرفع المعنويّات في اسرائيل، لأنّ القوّة الرّادعة في لبنان أصبحت كافية لمنعها من القيام بمغامرة عسكرية، أمّا إيران فهي صعبة المَنال جدّاً جدّاً.
س: لكنّها تشتغل على إيران من خلال تكثيف الحملة عليها عبر الدّفع باتّجاه عقوبات أكثر فأكثر، حتّى أنّها بدأت تعتبر أنّ هذه الضّغوطات لا تكفي لتوجيه ضربةٍ عسكرية..
ج: إذا كانت قادرة على القيام بحرب، فلتقم بها، برأيي إنّه ليس بقدرتها أن تقوم بها، ولكن الجنون بالطّبع ليس له ضوابط، عندها فليتحمّلوا مسؤولية جنونهم.
س: في ظلّ الإنتخابات الإسرائيلية، لعلّنا نسمع اليوم بإمكانيّات كبيرة لنتنياهو ليتسلّم. هل هذا الأمر يُغيّر المشهد داخل الكيان الإسرائيلي؟
ج: لا يغيّر شيئاً. القوّة العسكرية المحدودة هي نفسها للمتطرّف وللمُعتدل. أمّا في السّياسة فيكون هناك تعقيداتُ أكبر مع المُتطرّفين ولا يسهّلون الحلول. هذا كل ما يمكن أن يحصل، ولكن لن تحلم اسرائيل بربح أيِّ حربٍ سواء أكانت صغيرةً أم كبيرة بعد العام 2006. فمنذ ذلك التاريخ بدأت اسرائيل بالهبوط.
س: في لبنان أنت تُعوّل على المقاومة كما فهمت. في إيران على ماذا تعوّل؟
ج: على قدراتها العسكرية.
س: هل ترى أن إيران اليوم لديها من الثّبات والقوة ما يمكنها مواجهة أيّ شيء رغم كل العقوبات الّتي تُفرض عليها؟
ج: نعم لديها القدرة مهما فُرض عليها من عقوبات. لإيران تبادل مع ثلثي العالم (دول البريكس)، وهو لا شك أفضل من نصف العالم!. صحيحٌ أنّه يتمُّ فرضُ عقوبات ولكن ذلك لا يعني أنّ جميع العقوبات هي سارية المفعول مع جميع الدّول.
س: هل محاربة إيران هو لدورها في موضوع الملفّ السّوري ولدورها في موضوع ملف المقاومة والملفّ الفلسطيني؟
ج: محاربتها هو لكلّ هذه الأسباب مجتمعة، فهناك الحلّ مع اسرائيل والحل مع ما تبقّى من الدّول العربية، وهناك سوريا ولبنان لم يجدوا حلاًّ لهما بعد، لذلك يحاولون فرض الحلول من خلال إضعافهما عسكرياً كي تبقى لإسرائيل القدرة للسيطرة عليهما، وكذلك الأمر بالنّسبة لإيران فهم يريدونها ضعيفة، ولكن إيران اليوم هي قوّة عُظمى في منطقة الشّرق الأوسط، لأنّها الدّولة الوحيدة الّتي لها قدرة التحرُّك من الصّين إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسّط.
والقوى الكبيرة العُظمى لا يناسبها أن يكون هناك قوّةً عظمى أخرى تتوازن معها، إذ عندها لا يعود بإمكانها خوض الحرب وفرض إرادتها كما تشاء.
س: انطلاقاً من هذه النّقطة، هل تعتبر أنّ إيران، روسيا والصّين اليوم يشكّلون ثُلاثياً في موضوع هامٍّ جدّاً في أيّ قرارٍ باتّجاه سوريا؟
ج: بالتّأكيد، ولو كانت سوريا بمفردها لما كانت على ما هي عليه الآن، صحيح أن لها الفضل الأوّل في ثبات الأرض، ولكن هناك الإمدادات في الموقف السّياسي والديبلوماسي، فلو لم تعترض الصّين وروسيا منذ الجلسة الأولى لكانت انقطعت سوريا اقتصاديّاً عن العالم.
الحملة عليها ليست سهلة، وهي بحاجةٍ للدّعم الدبلوماسي والدّعم المادّي أيضاً، وهذان الأمران ضروريّان، بالإضافة إلى شعبٍ مُقاوم، لأنّه في المقابل يقف جميع العالم ضدّ سوريا، وأقصد العالم من جهة تعداد الدّول. أمّا من ناحية الكتلة الشّعبية فإنّ شعوب العالم الّذين يؤيّدون سوريا ( شعوب البريكس) هم أكثر بكثير من الّذين يؤيّدون الآخرين.
س: أنت إذاً متفائل في موضوع الملف السّوري؟
ج: أنا أعتقد أنّ الملف السّوري بدأ بالانتهاء وما نشهده حالياً هو برأيي فصول الإخراج.
س: إذاً فنظرتك عسكرية، فأنت أقدر في قراءة ..
ج: عسكرية سياسية، لأنّني لا أستطيع أن أقول هنا لا عسكرياً فقط ولا سياسيّاً فقط. أنا أرى الآن أنّ هناك محاولات لرسم إخراج نهاية المعارك على الأرض السّورية، لأنّ ما توصّلت إليه الحرب هو تكاليف باهظة على الصّعيدين الاقتصادي والإنساني، وثمّة هناك جرائمٌ تُرتَكب يتم تغطيتها بالدّعايات وهم غير أبرياء ويتّهمون النّظام بها والنّظام يتّهمهم. ولكن الحقائق ستظهر جميعها في المُستقبل القريب، فالتّاريخ لا يرحم وهو في أحيانٍ كثيرة يضع ثقله على السّياسة. ألمانيا على سبيل المثال، لا زالت حتّى الآن تحمل عبء ا