عاصر الإمام علي بن موسی الرضا عليه السلام عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد عشر سنوات
ثم ابنه الامين ثم المامون وقد أتسمت تلك الفترة بالقسوة والظلم والارهاب وممارسة اشر انواع التنکيل والتعذيب والقتل بحق أبناء أهل البيت عليهم السلام .
عاش الامام الرضا (ع) المرحلة الصعبة التي مر بها والده الامام الکاظم (ع)، ولما استشهد ابوه عليه السلام وانتهت الامامة اليه، فقد جاء ان الرشيد قال ليحيی بن خالد البرمکي، حين حرضه الاخير علی الامام الرضا (ع): (يکفينا ماصنعاه بأبيه).
ومع ذلك فان الامام الرضا (ع) لم يکن ليحيی بعيدا عن الصراع العلوي مع العباسيين دون ان يصيبه الاذی وتحل به الکروب والمحن.
ان تردي الاوضاع السياسية قد انعکس علی طبقات الامة کافة، فلم يسلم منه احد سواء العامة والجمهور او قادة الرأي وأقطاب المجتمع والعلماء، لذا کان الرأي العام قد اتجه بشکل قوي نحو اهل البيت عليهم السلام، حيث ان قادة اهل البيت وائمتهم أمثال الصادق والکاظم والرضا عليهم السلام کانوا هم المفزع للامة وملجأ الاستغاثة.
وقد اشتد هذا الميل لاهل البيت والتعاطف معهم وبلغ شانه ايام الامام علي بن موسی الرضا عليه السلام فکانت الثورات العلوية تتفجر وجماهير الامة وبعض الوزراء يميلون لاهل البيت، والدولة العباسية تمر بمرحلة صراع داخلي حاد بين الامين والمأمون، في حين كانت شخصية الامام الرضا(ع) تقوی وتترکز باعتباره الامام من اهل البيت والانظار تتجه نحوه والقلوب تهفو اليه.
بعد ان انتصر المأمون علی اخيه الامين وتسلم السلطة واجه ثورات متتالية قادها العلويون، فالسياسة
العباسية وظروف المطاردة والاضطهاد کانت تدفعهم الی التحرک المسلح واعلان الثورة والدفاع عن
الحق بقوة.
کان المأمون يحمل نفس الرأي الذي يحمله آباؤه عن ائمة اهل البيت عليهم السلام، فقد عاش المأمون وضعا مضطربا، عاش صراعا مريرا بينه وبين اخيه الامين وعاش ثورات وانتفاضات علوية في طول البلاد وعرضها.
لم يجد المأمون من المناسب استعمال العنف والتصدي للامام الرضا عليه السلام بنفس الوسائل التي تصدی بها الرشيد للإمام موسی الکاظم عليه السلام، فقد انتهی الی نتيجة سياسية لم يجد مناصا منها، وهي مهادنة العلويين والاعتراف في الظاهر، لهم بحق الولاية لامتصاص النقمة واقناع الرأي العام بالاعتدال وکسب الانصار.
فأخترع المأمون مشروعا سياسيا لتطويق الإمام الرضا عليه السلام وهو المبايعة له بالخلافة وولاية العهد من بعد المأمون باعتباره الإمام من أهل بيت النبوة عليهم السلام والقائد البارز والسيد العالم في عصره.
وکان الامام الرضا عليه السلام يدرك الخطة السياسية للمأمون واهدافه غير المعلنة، فرفض ماعرضه
المأمون عدة مرات إلا انه اضطر لقبوله بعد أن هدده المأمون بشکل صريح وواضح بالقتل.
وکان الامام عليه السلام يعرف ما تؤول اليه الامور وينتهي اليه تفکير المامون واوضح ذلك لخاصته.
واضطر الامام عليه السلام تحت التهديد لقبول البيعة، ولکي لايتحمل شيئا من تبعات الحکم فانه اشترط القبول الرمزي دون التدخل في شيء .. او حتی تحمل اية مسؤولية في الدولة.
فالمأمون ليس ذلك الشخص الذي کان زاهدا في الملك والسلطة فقد قتل اخاه الامين من اجلها وقتل
من خدموه وخدموا سلطة ابيه الرشيد امثال طاهر بن الحسين، والفضل بن سهل، واخرين ممن ساهموا
في تنفيذ خطط المأمون وتثبيت دعائم وقواعد سلطته.
فکان طبيعيا ان يلقي الامام الرضا عليه السلام مثل هذه المعاملة وهو من أکثر الناس خطرا وأشدهم
فاعلية في مجری حوادث المرحلة السياسية التي عاشها يضاف إلی ذلك ماکان للصراع والوشايات
والوقيعة التي کانت تمارسها الحواشي وضغوط رجالات بني العباس ضد أهل البيت عليهم السلام.
ومن الاسباب التي دعت المامون الی اغتيال الامام انه لم يحصل علی ما اراد من توليته للعهد، فقد حدثت له فتنة جديدة وهي تمرد العباسيين عليه ومحاولتهم القضاء عليه، لذلك فان التاريخ يحدثنا ان المأمون قد دسم السم الی بعض طعام الامام الرضا عليه السلام (في عنب او رمان) فاغتاله.
وقد أحس المأمون في نفسه خطورة الحدث وفداحة المصاب، وخاف تحسس العلويين وجماهير الامة
وانقلاب الرأي العام وتحرکه ضده واتهامه بقتل الامام عليه السلام، لذلك کتم المأمون خبر استشهاد الإمام عليه السلام يوما وليلة، ثم استدعی محمد بن جعفر الصادق - عم الإمام الرضا - وجماعة من آل أبي طالب، فلما احضرهم عرض عليهم جسد الامام واکد لهم زورا، انه مات موتا طبيعيا.
ويذکر المؤرخون ان الناس اتجهوا إلی اتهام المأمون وقالوا: لقد قتل واغتال ابن رسول الله (ص).
وکثر اللغط والضجيج بين الناس، وهم يجتمعون حول البيت الذي فيه الجثمان، فخاف المأمون هياج الرأي العام وتحرك الناس، فطلب من عم الامام ( محمد بن جعفر) ان يخرج الی الجماهير المحتشدة ويصرفها إلی وقت آخر، حيث أجل تشييع الجثمان الطاهر وعندما تفرق الناس، وأرخی الليل سدوله، غسله الامام محمد الجواد عليه السلام، الذي کان قد اقدم من المدينة، وصلی عليه ودفنه.
وهکذا رحل الامام أبو الحسن الرضا عليه السلام وهو يردد کلام الله وينطق بآخر کلمة في حياته:
( قل لوکنتم في بيوتکم لبرز الذين کتب عليهم القتل الی مضاجعهم ). آل عمران آية - 154 - .
وقد رثاه شاعر اهل البيت دعبل الخزاعي قائلا:
أرى أمية معذورين إن قتلوا *** ولا أرى لبني العباس من عذر
قوم قتلتم على الإسلام أولهم *** حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر
إربع بطوس على قبر الزكي بها *** إن كنت تربع من دين على وطر
قبران في طوس خير الناس كلهم *** وقبر شرهم هذا من العبر
ما ينفع الرجس من قرب الزكي *** وما على الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت أو فذر
وکانت شهادته عليه السلام في اليوم الاخير من شهر صفر سنة 203 بمدينة طوس التي دفن فيها، وتعرف اليوم بمدينة مشهد المقدسة.
ولقد وُضع عليه ضريح يزهو بهاء وجلالا، تعلوه على الضريح قبّة ذهبيّة تشعّ نورا وعزّا وسموّا، ويتوافد على روضته الشريفة ملايين المسلمين كلّ عام، يقصدونه من مشارق الأرض ومغاربها، ساكبين عند عتبته المقدّسة دموع الولاء، ومجدّدين معه العهد، وعاقدين عنده ميثاق الولاية.
اللهم صلَ علی علي بن موسی الرضا المرتضی الامام التقي النقي وحجتك علی من فوق الارض ومن تحت الثری الصديق الشهيد صلوة کثيرة تامة زاکية متواصلة متواترة مترادفة کافضل ماصليت علی احد من اوليائك .
محمد بسطامي