فی هذا المضمار لا احد یستطیع ان ینکر او یتجاهل دور ایران وسوریا فی دعم هذه المقاومة سواء فی لبنان او فلسطین، واطلاق قدراتها الکامنة باتجاه معاقبة العدو الصهیونی واذاقته الهزائم المذلة، سیما فی الاعوام 2000 و 2006 و2008 و2012.
لقد کشفت انتصارات المقاومة المظفرة سوآت الحکام المتخاذلین ووضعتهم فی زاویة حرجة، لکنهم بدل ان یکفروا عن ذنوبهم وتقصیرهم فی أداء واجب الدفاع عن ثوابت شعوبهم الوطنیة، اختاروا طریقا اخر یتنافر کلیا مع المطلوب علی مستوی تعزیز التلاحم الاسلامی -العربی، ومساندة جبهة المقاومة والممانعة، حیث صار الشغل الشاغل لهولاء هو الثأر من اقطاب هذه الجبهة (ایران وسوریة وحزب الله ولبنان وحماس والجهاد الاسلامی فی فلسطین)، علهم یتمکنون بذلک من اسدال الستار علی فضائحهم العسکریة والسیاسیة والاستراتیجیة خلال الاعوام السبعین الماضیة.
من جانبها شرعت الجمهوریة الاسلامیة منذ سنوات فی اخذ جانب الحذر والحیطة والتأهب تحسبا لایة تطورات قد تشهدها المنطقة علی خلفیة (نزعة الانتقام) التی باتت تعتمل فی صدور زعماء امیرکا واوروبا واسرائیل حیال (المقاومة المؤمنة) سیما بعدما تعززت بالنهضة الاسلامیة الکبری (الصحوة والثورات الشعبیة فی تونس ومصر ولیبیا والیمن عام 2011). وازاء ذلک لم تدخر ایران وسعا فی تقدیم النصح للمتواطئین مع المشاریع الصهیوغربیة، وتنبیههم بالمخاطر الکبیرة لانخراطهم فی المغامرات الاستکباریة التی هی فی الاساس لاتقیم وزنا للعروبة والاسلام.
علی صعید متصل انهت ايران (مناورات الولاية 91)، فعالياتها الدفاعية والقتالية بمشاركة مختلف وحدات القوة البحرية لجيش الجمهورية الاسلامية، حيث نفذت احداثياتها ومهامها اللوجستية بعد ستة ايام على مساحة قدرها مليون كيلومتر مربع في الخليج الفارسي ومضيق هرمز وبحر عمان والمحيط الهندي.
وقد فرغت المناورات من انجاز اهدافها يوم الخميس 3 يناير 2013، تزامنا مع ذكرى اربعينية الامام الحسين (عليه السلام)، التي شهدت هذا العام (20 صفر 1434) مسيرات بالملايين في انحاء العالم، فيما انشدت الانسانیة جمعاء الی الامواج البشریة الهائلة من الزوار الذين ساروا مشيا الى كربلاء المقدسة او توافدوا عليها من العراقیین اهل الديار ومن باكستان وايران ولبنان ومصر وافغانستان ودول شرق آسيا والصين والبلدان العربية المطلة على الخليج الفارسي وبلدان المغرب الاسلامي، وسط اجراءات وتدابير ادارية وأمنية واهلية استثنائية اعطت للمناسبة ذروتها الدينية والسیاسیة والمعنوية والتعبوية في كل الابعاد والجوانب.
كما أحيى عشاق درب الشهادة في لبنان هذه الذكرى في مراسم عظیمة بمنطقة رأس العين (مدينة بعلبك)، حيث القى امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله كلمة تاريخية في الجماهير المؤمنة الغفيرة التي احتفت بهذا الملحمة الاسلامية والانسانية، اوصل من خلالها رسائل ذات ابعاد تحذيرية لاميركا واسرائيل وجميع من يتواطؤون معهما للنيل من المقاومة الباسلة وانتصاراتها التي فضحت هشاشة قدرات العدو الصهيوني من جهة، مثلما عرت الهویة الانهزامية للانظمة الرسمية من جهة اخرى، الامر الذي دفعها الى التآمر على المجاهدين الشرفاء، عوضا عن تقليدهم ارفع الاوسمة وذلك لدورهم المشرف في اعزاز الامة الاسلامية والعربية والذود عن كرامتها وتقوية شوكتها في اعين شعوب العالم.
مما مضى كله يمكن الخروج بعدة ملاحظات اساسية على مستوى ايران والمنطقة والمجتمع الدولي:
اولا: ان الجمهورية الاسلامية التي ترصد بدقة التحركات الاميركية والاوروبية والاسرائيلية المريبة في منطقة الخليج الفارسي والمياه الاقليمية والدولية اللصيقة بها، وضعت في الحسبان کل الاحتمالات ومنها امکانیة ان تتحول هذه البقعة الحساسة والخطيرة الى ساحة لممارسات الغطرسة والاحتراب وزعزعة الامن و الاستقرار، بسبب الاخفاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية الصهيوغربية خلال العشرية الماضية، وبالتالي فان من حق ايران التمتع بالجهوزية القصوى للتعامل بحزم شديد مع اية نزعات عدوانية اجنبية تريد الشر والخراب والشيطنة للامن الاقلیمی والاسلامی عموما ولجبهة قوی المقاومة والممانعة خصوصا.
ثانيا: ان العالم الاسلامي يعيش اجواء معنوية عالية لاسيما بعد المكاسب العظيمة التي حققتها الصحوة المباركة في الشرق الاوسط، والتي جاءت نتائجها خلافا لاهواء الاجندات الاميركية والاوروبية والاسرائيلية. في هذا المضمار يمكن وضع جرائم الارهاب الدولي التي ینفذها هذا التحالف المعادی الحاقد في کل من سورية والعراق ولبنان والبحرين واليمن وباكستان وفلسطين وغيرها، في خانة تحركات "الثورة المضادة" و"العمليات المنظمة الخاصة" التي تشهدها هذه البلدان والمناطق، انتقاما من انتصارات (جبهة قوى المقاومة والممانعة) على المشروع الغربي ــ الصهيوني في الشرق الاوسط.
ثالثا: نرید القول - ودون ادنی تردد - ان ثمة تكاملا مشهودا بين الامكانات الدفاعية المسلحة ، والاستعدادات النفسیة والمعنوية في ربوع المنطقة، وهو ما تمثل في النتائج الباهرة لمناورات (الولاية الكبرى 91) وما سبقها من عشرات المناورات الایرانیة برا وبحرا وجوا، وما سیلیها فی قادم الایام ایضا، و التحرکات التعبویة الرائعة للجماهیر المومنة، وفی مقدمتها مسيرات الاربعين التاريخية في كربلاء ومختلف بلدان العالم فی هذا العام 1434 هجری، الامر الذي يعبر عن مكنونات قوة هائلة في صفوف ابناء الامة الاسلامية، لم تخرج الى حيز الظهور والفاعلية والتأثير بعد.
رابعا: هوما حذر منه السيد حسن نصر الله، بان (المؤامرة الاميركية ــ الاسرائيلية، تحاول المضي - وبشراسة - في مخطط تقسيم المنطقة والامة الاسلاميتين بشتى الوسائل العسكرية والدعائية والفتنوية)، وهو ما يعني في القاموس الاستراتيجي "هجوما صهيوغربيا معاكسا شاملا" لتقويض الصحوة الاسلامية وتبشيع صورة تجاربها العملية لاسيما في مصر الكنانة، ومحاولة تقطيع اوصال جبهة المقاومة والممانعة باستخدام الاموال والخدمات السعودية والقطرية والتركية التي استنفرت - بدورها - الجماعات التكفيرية والعصابات والتيارات الطائفية لارتكاب (جريمة العصر)، أي القضاء على (المقاومة المؤمنة) في الشرق الاوسط، وقبل ذلك تنفيذ ماسماه السيد حسن نصر الله : شيطنة اميركا واسرائيل للاساءة الى سمعة (حزب الله) المجاهد عبر وضعه على "لائحة الارهاب".
وامام هذه المؤامرة الاستكبارية یبدو مؤكدا، وفی ضوء المعطيات آنفة الذكر، ان الامة لن تقف مکتوفة الایدی وستكون لها بالمرصاد وستثبت الايام القادمة ان ارادة الشعوب الاسلامية قادرة علی رد الصاع صاعين لاميركا والصهاينة وهی لن تسمح للحکام الخونة بمصادرة انتصاراتها التی تحققت بفضل الصحوة المبارکة، وبفعل بطولات ابنائها المقاومين المجاهدین وتضحیاتهم الغالیة فی لبنان وفلسطین.
حمید حلمی زاده