لكن المتابع لتصريحات رئيس الوزراء حكومة العدالة والتنمية رجب أردوغان ومن ورائه وزير خارجيته أوغلو يدرك مدى التغيير الحاصل في اللهجة التركية التي يبدو انها دخلت مع كلام غول زمن تسوية الأزمة السورية، ومن منا لا يستذكر تهديد ووعيد اردوغان واوغلو لكنها سرعان ما كانت تتلاشى ويختفي آثرها، لكن ما الجديد في الموقف التركي؟ خصوصا بعد المعلومات التي تفيد ان واشنطن تخلت نهائيا عن الخطة التركية للمشهد السوري، بعدما ادركت ان مجموعات المعارضة المسلحة غير قادرة على تشكيل عصب قوي موحد وقادر على تغيير كفة الميزان لصالح المعارضة في وجه القوات السورية النظامية التي استعادت زمام المبادرة، وباتت تسيطر على المناطق التي كانت المعارضة المسلحة قد استولت عليها لا سيما في ريف حلب.
بعض المصادر تربط بين كلام الرئيس التركي والمناورات العسكرية الميدانية وفي مقدمها المناورات الإيرانية “الولاية 91″ قرب مضيق هرمز، والتي اختتمت بعد ستة أيام تم خلالها اختبار صاروخين جديدين: “قادر” وهو صاروخ أرض- بحر ويصل مداه إلى 200 كيلومتراً، وصاروخ “نور” أرض- أرض طويل المدى، القادر على إستهداف أي بارجة حربية أو أي هدف بري، إضافة الى الإعلان عن مقاتلة “طوفان2″ ذات التقنيات الإيرانية الفائقة، مع الاشارة الى مكان المناورات قرب مضيق هرمز مع ما يعنيه في التحكم بحركة السفن وإستهداف أي بوارج في تلك المساحة الجغرافية، ما يجعلها تحت السيطرة الإيرانية.
كما يكتسب توقيت المناورة اهميته ايضا خصوصا وانه يسبق ما يحكى عن التسوية الدولية المنتظرة حول سوريا، وليس من باب المصادفة ان تأتي المناورة الإيرانية بالتزامن مع اعلان وزارة الدفاع الروسية عن مناورات منقطعة النظير وصفتها موسكو بالأضخم منذ عقود، بحيث تم تجهيز أربعة أساطيل بالاضافة الى توسيع مساحة المناورات في البحرين المتوسط والأسود، كما تركزت الأهداف خارج الحدود الروسية وصولاً الى القارة الأميركية، مع الحديث عن تضمين المناورة تجارب صاروخية تحمل رؤوساً نووية.
يمكن فهم المناورة الايرانية وما يليها من مناورة روسية بوصفها ردا مباشرا على مناورة تل أبيب بمشاركة اميركية وتركية لإستهداف سورية ومواقع اسلحتها الكيماوية، وتحسبا لهكذا خطوة تفيد المعلومات عن إستعداد إيراني- روسي- صيني لصد أي إعتداء على سوريا سواء كان تركياً او إسرائيلياً تواجهه إيران، بينما ستكون روسيا بالمرصاد لأي خطوةغربية بقيادة واشنطن للاعتداء على دمشق، خصوصا في ظل الحديث عن سعي واشنطن الى التحضير لخطوة عسكرية ضد سوريا في الوقت الذي تسعى فيه الى تمرير الوقت عبر الحديث عن مفاوضات لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، ولكن الروس تعلموا من الدرس الليبيي حين خدعت واشنطن موسكو واخذت خيار العدوان على ليبيا”.
وعليه يبدو المشهد الآن بين خيارين الأول سياسي يضع حدا للصراع الدائر في سوريا ويجنّب المنطقة تبعات المعركة، او عسكري تصادمي سيدخل المنطقة في آتون حرب شاملة لن يسلم منها أحد وهو ما سيضع حلفاء واشنطن في طليعة الدول التي ستطالها سهام المواجهة الدولية، وعليه يمكن فهم كلام الرئيس التركي انه يأتي في سياق التعبير عن الرغبة بالسير في الخيار التفاوضي السياسي بمشاركة روسية – ايرانية بعيدا عن لغة الحرب التي لن تحمد عقباها، خصوصا وان حلفاء دمشق وفي مقدمهم ايران أظهروا عبر مناورة “الولاية 91″ التزاما جديا بالدفاع التام عن دمشق بمواجهة اي عدوان، كما يمكن ادراج المناورة الروسية المرتقبة ضمن هذا المشهد أيضا، كما ان هدف المناورات قد يكون سياسيا لتسريع وتيرة التفاوض او تعزيز بعض شروط التسوية ومفادها ان موسكو وطهران لن تقبلا بأي تسوية تضعف حليفهما السوري ما يعني ان أي تسوية ستكون بوجود الرئيس بشار الأسد، دون أن يغفل حلفاء دمشق امكانية أي خطوة عسكرية تهدف لإفشال التسوية الدولية المرتقبة، وعليه يمكن قراءة المناورات الإيرانية – الروسية بأنه رسائل الى الغرب كي لا يتورط في سوريا!
*يوسف الصايغ- عربي برس