تقوم ميزانية الاردن، ضمن امور اخرى، على منحة بنحو مليار دولار، يفترض أن تغطي جزءا من العجز في الميزانية، الذي يقدر بـ 3.5 مليار دولار. وحولت السعودية في السنة الماضية لجارها الشمالي نحو 1.4 مليار دولار، غطت به جزءا من العجز. اما هذه السنة فان السعودية وباقي دول الخليج فتدير ظهرا باردة للملك عبدالله. ولا يفصل الناطقون الرسميون علنا السبب وراء ذلك، الا ان المحللين الاردنيين يقولون ان السعودية قررت معاقبة الاردن على خروجه عن الخطة السعودية ـ القطرية لاقامة منطقة آمنة جنوبي سوريا، من خلال قوة تصل من الاردن.
اذا كان خشي الاردن، الذي يستضيف نحو مائة الف لاجيء سوري من انتقال الثورة في سورية الى اراضيه، فان تخوفه تحقق، ولكن بالذات من جهة غير مرتقبة. ففي الاسبوع الماضي نشر المراسل السياسي لصحيفة 'الدستور' الحكومية مقالا لاذعا في حدته ضد السعودية، طلب منها فيه 'تغطية نفقات الاردن في الدفاع عن الحدود الشمالية للسعودية'. وكانت هذه المرة الاولى منذ سنوات عديدة تخرج فيه صحيفة حكومية اردنية بهجوم مباشر على السعودية. يبدو أنه عندما تشتد ربطة الخناق حول رقبة الاردن، يكون مسموحا ايضا مهاجمة من يحسن للمملكة ويحاول أن يفرض عليها شروطا سياسية مقابل المساعدة.
ولكن مقالا في الصحيفة وانتقادا ضد السعودية لن يحلا مشكلة الاردن الجسيمة. فاذا رغب الاردن في أن يحصل على حقنة اخرى من قروض المساعدة التي يتلقاها من صندوق النقد الدولي، فانه يتعين عليه ان يقلص بشكل كاسح خطة الدعم الحكومي التي تكلف نحو 2.5 مليار دولار، يقلص نفقات الحكومة على الرواتب، والتي تصل الى نحو 9.6 مليار دولار، ويرفع الضرائب كي يقلص العجز في الميزانية، والذي يصل الى نحو 5.5 مليار دولار. هذه المهمة، ولا سيما القرار برفع اسعار الوقود والغاز بمعدلات تتراوح بين 14 و 50 في المائة، تمزق النسيج السياسي في الدولة.
تنشر في الشبكات الاجتماعية منذ اسبوع كاريكاتورات ترسم فيها بالونات غاز وكأنها تعشق أصحاب البيت. يبدو فيها رجال ينامون مع بالونات غاز بينما العقيلة تجلس على كرسي خارج السرير، او بالونات غاز تلبس بدلة وربطة عنق وكأنها أسياد البيت. ولكن الاحاسيس القاسية لا تجد تعبيرها فقط في الدعابة السوداء. فقد تسببت في نهاية الاسبوع بمظاهرات جماهيرية، مع اطارات سيارات مشتعلة، حواجز في الميادين المركزية لعمان وهتافات لاسقاط الملك. وجرت هذه وراءها على الفور رد فعل قاسٍ من جانب قوات الامن، التي أغلقت الشوارع ومنعت مسيرة المتظاهرين نحو قصر الملك.
وفي نفس الوقت اقترح قادة الجيش والمخابرات الغاء الاجراءات المتشددة المتعلقة بالوقود خشية أن تتحول المظاهرات الى مظاهرات سياسية وتجر الاردن الى دائرة الربيع العربي التي نجح في تفاديها على مدى سنتين. ولكن الحكومة الاردنية، التي يترأسها عبدالله النسور، رئيس الحكومة الـ 14 منذ تسلم الملك عبدالله الحكم في 1999، أوضحت بانها لا تعتزم تبني توصية الجيش، وذلك لان معناها أن يصل الاردن الى افلاس حقيقي.
لب المشكلة هو الخسائر الهائلة التي لحقت بالاردن بسبب وقف ضخ الغاز من مصر، وحقيقة أنه لا تزال لا توجد مصادر بديلة لتوريد الغاز بسعر مخفض مثل ذاك الذي اشتراه الاردن من الغاز المصري. الاردن، الذي يستورد نحو 95 في المائة من مصادر الطاقة لديه، يدفع الان اسعار السوق، والخسارة التي لحقت به تقدر بـ 5 مليار دولار، تضاف الى الدين القومي الذي يقدر بـ 22 مليار دولار. وينبغي ان تضاف الى هذا البطالة العميقة، الارتفاع الشاهق في معدل التضخم المالي والهبوط في حجم الاستثمارات الاجنبية في المملكة. وحيال مئات مليارات الدولارات التي يدفع بها الاتحاد الاوروبي الى دول فاشلة في اوروبا، فان مشاكل الاردن تبدو هامشية. فما هي 5 ـ 6 مليار دولار عندما يكون مستقبل المملكة على كفة الميزان؟ ولكن يبدو أنه عندما تنشأ الحاجة الى مساعدة الدولة التي تعتبر احدى أكثر الدول تقدما في الشرق الاوسط، حيث نسبة الامية فيها صفر وامكانياتها المهنية هي الاعلى في المنطقة، تجد الدول المانحة صعوبة في استخراج أدوات النجاة.
هآرتس ذي ماركر
تسفي بارئيل
2012-12-28