لمن يُقرَع الجرس السوري

لمن يُقرَع الجرس السوري
الجمعة ٢٨ ديسمبر ٢٠١٢ - ٠٤:٣٢ بتوقيت غرينتش

سوف تبقى المأساة الجيو-سياسية الأولى في 2012 المأساة الجيو-سياسية الأولى في 2013: اغتصاب سوريا.وكما أعود بين الفينة والأخرى إلى مقاطعي المفضلة من همنغوي, عدتُ مؤخراً إلى بعض الصور التي أخذتها منذ سنوات لسوق حلب, السوق الأجمل بين كافة أسواق الشرق الأوسط.

أشعر وكأن أحداً أطلق عليَ النارَ من الخلف؛ فقد كنت مغرماً بالهندسة المعمارية للسوق كما كنت مغرماً بناسه وتجاره. ومنذ أسابيع تم إحراق معظم السوق وتدميره من قبل "ثوار" ما يسمى "الجيش السوري الحر", هذا السوق الذي كان النبضَ الحيَ لمدينة حلب على مدى قرون.

في هذه المأساة السورية, ليس هناك بطل شاب من أبطال همنغوي, ولا روبرت جوردن في "الألوية الأممية" يحارب مع العصابات "الجمهورية" ضد الفاشيين خلال "الحرب الأهلية الإسبانية". ففي الحرب الأهلية السورية, تتكون الألوية الأممية في معظمها من المرتزقة السلفيين- الجهاديين من النوع الذي يقطع الرؤوس ويفجر السيارات.كما أن الشبان الأمريكيين (القلة) هم, في الأساس, عبارة عن بيادق تقنية حديثة في لعبة يلعبها نادي "الناتو-مجلس التعاون الخليجي" المفترس.

وتستمر المأساة. وسوف يحافظ الجهاز الحكومي السوري العسكري والأمني على سياسته, دون التفكير مرتين ﺑ "الضرر المتلازم". وفي الجهة المقابلة, سوف يراهن قادة "المتمردين" على "الهيئة العسكرية العليا" الجديدة بتشجيع ودعم من السعودية وقطر.

لم تتم دعوة السلفيين والسلفيين - الجهاديين في "جبهة النصرة", التي تتكون من متعصبين من القرن السابع يعملون على قطع الرؤوس وتفجير السيارات المفخخة والذين يحملون العبءَ الأكبر من القتال على الأرض. لكن واشنطن صنفت "جبهة النصرة" بصفتها "منظمة إرهابية".

والآن, لاحظوا ردة فعل أحد قادة الإخوان المسلمين, ومساعد الأمين العام للتنظيم, محمد طيفور؛ فقد قال إن القرار كان "متسرعاً جداً". ولاحظوا ردة فعل قائد المعارضة السورية الجديد, أحمد معاذ الخطيب, في اجتماع "أصدقاء سوريا" في المغرب؛ يجب "إعادة النظر" في هذا القرار. وبشكل عام, أعلنت جميع فصائل "المتمردين", وبشكل علني, عن حبها الشديد ﻠ "جبهة النصرة" الأصولية.

يتوقع أصوليو النصرة, الذين باتوا يخفون لحاهم الإسلاموية تحت أوشحة عادية, زحفاً كبيراً ﻠ "المتمردين" على دمشق – على الرغم من ضربتين قويتين تلقوهما (في حزيران/يونيو الماضي وهذا الشهر) هدية من الهجمات المضادة التي قامت بها القوات الحكومية السورية. وفي النهاية, يجب أن يعطي ذلك التدريب الكثيف على يد القوات الخاصة الأمريكية والبريطانية والأردنية بعض النتائج, بغض النظر عن شحنات الأسلحة القاتلة الحديثة التي يقدمها رموز الديمقراطية في الخليج الفارسي. وبالمناسبة, تسيطر "جبهة النصرة" على مناطق من حلب المدمرة.
 
هيمنة الكره الطائفي
هناك أيضاً "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" الجديد الأورويلي – وهو إنتاج مشترك للدوحة وواشنطن. تعَرفوا على الزعيم الجديد, الشبيه بالزعيم القديم (التعيس) "المجلس الوطني السوري". لا يتعدى الأمر كونه فصاحة لغوية؛ فالشيء الوحيد المهم بالنسبة إلى "الائتلاف الوطني" هو الحصول على المزيد من الأسلحة الفتاكة. وهم يعشقون "النصرة", حتى لو لم تحبها واشنطن.

أفرغت قطر أطناناً من الأسلحة "مثل الكراميل" (تبعاً لتاجر أسلحة أمريكي) في ليبيا "المحرَرة". ولم يستيقظ البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية إلا بعد الضربة التي تلقياها في بنغازي على حقيقة أن تسليح المتمردين السوريين يمكن أن يمهدَ لضربات أخرى. الترجمة: سوف تستمر قطر في تفريغ أطنان من الأسلحة في سورية, وسوف تستمر الولايات المتحدة في "القيادة من الخلف".

توقعوا مجازرَ طائفية أكثرَ فظاعة مثل تلك التي حصلت في عقرب. ... وهذا يبرهن مرة أخرى أن ما يربحه "متمردو" الناتو-مجلس التعاون, في الحقيقة, هي حرب اﻠ "يوتيوب". لذلك توقعوا موجات أضخمَ من اللف والدعاية – مع تهليل وسائل الإعلام الغربية الرسمية ﻠ "مناضلي الحرية" السوريين الذين جعلوا من جهاد الثمانينيات في أفغانستان مجردَ أضحوكة.

توقعوا تشويهاً أكبرَ لسياق الأحاديث والأحداث شبيهاً بما حصل عندما قال مساعد وزير الخارجية الروسي, ميخائيل بوغدانوف: "سوف يصبح القتالُ أكثر عنفاً, وسوف تفقد [سوريا] عشرات الآلاف, وربما مئات الآلاف من المدنيين ... فإذا كان مثل هذا الثمن لإزاحة الرئيس مقبولاً لديكم, ماذا يمكننا أن نفعل؟ بالطبع, نحن لا نعتبر ذلك مقبولاً."

تبذل روسيا ما باستطاعتها لمنع حدوث ذلك. وإذا نفذَ "ثوار" نادي الناتو-مجلس التعاون تهديداتهم بمهاجمة سفارتي روسيا وأوكرانيا في دمشق, من الأفضل لهم أن يقصوا لحاهم ويختبؤوا من اﻠ "سبتناتز" – القوات الخاصة الروسية.

توقعوا المزيدَ من الكره الطائفي, كما جاء في فتوى الشيخ السني ونجم قناة "الجزيرة" يوسف القرضاوي التي تشرع قتلَ الملايين من السوريين, سواء كانوا عسكريين أم مدنيين, طالما أنهم علويون أو شيعة.

سوف يهيمن الكره الطائفي, بقيادة قطر, يتبعها في ذلك السعوديون الأثرياء والإسلامويون الأصوليون. الأجندة: الحرب ضد الشيعة والعلويين والعلمانيين, وحتى ضد المعتدلين, ليس في سوريا فقط وإنما في كافة أرجاء الشرق الأوسط.
 
مواجهة بين "باتريوت" و "اسكندر"
تتمثل الإستراتيجية الجديدة للجيش السوري في الانسحاب شبه الكلي من المناطق والقواعد الريفية وتركيز القوات في المدن والبلدات.
توقعوا أن تبقى استراتيجية نادي الناتو-مجلس التعاون على حالها تقريباً: هاجموا الجيش السوري في أكبر عدد ممكن من المناطق؛ حطموا معنوياته؛ واستمروا في تعبيد الطريق لتدخل محتمَل من "منظمة معاهدة شمال الأطلسي" (الهستريا حول الأسلحة الكيماوية وافتعال "كارثة إنسانية" جزء من وصفة العمليات النفسية).

يمكن أن يمتلك الجيش السوري الأسلحة الثقيلة, ولكن عند مواجهة تسونامي من المرتزقة والسلفيين-الجهاديين المدربين بشكل كامل والمُسَلحين من قبل نادي الناتو-مجلس التعاون, يمكن للأزمة أن تدومَ لسنوات, على طراز الحرب الأهلية اللبنانية. وهذا يقودنا إلى الخيار "الأفضل" الثاني – وهو في الحقيقة انهيار مفاجىء؛ أي موت الدولة السورية نتيجة ألف, بل قل مليون, جرح.

الأكيد هو أن "ائتلاف الراغبين" ضد سوريا لن يجدَ مشكلة في البروز حالما تصل اللعبة إلى نهايتها. تراهن واشنطن على نظام ما بعد الأسد بقيادة الإخوان المسلمين. لذلك لا عَجَبَ أن ملك "البليستيشن" في الأردن خائف, لأنه يعرف أن الإخوان المسلمين سوف يستولون على الأردن ويطردونه ليقضي ما تبقى له في التسوق في مول "هارودز" [في لندن].

كما أن ملوك الديمقراطية – الملكيات النفطية القروسطية في الخليج الفارسي - خائفون أيضاً, فهم يخشون شعبية الإخوان المسلمين كما يخشون الطاعون. وترعب كردستان السورية – في طريقها الآن إلى الاستقلال التام والحرية في نهاية المطاف – أنقرة. هذا عدا عن الصورة المستقبلية لتسونامي من السلفيين-الجهاديين العاطلين عن العمل المتوارين على الحدود السورية-التركية والجاهزين لزرع الرعب والخراب.

وأيضاً هناك العلاقة المعقدة التركية-الإيرانية. فقد حذرت طهران أنقرة بشكل واضح حول أنظمة الدفاع الصاروخية التابعة للناتو والتي سيتم نشرها قريباً.

ستكون هذه من روائع المفردات الجديدة في نهاية 2012. إذ يصر المتحدث باسم البنتاغون, جورج ليتل, على أن "الولايات المتحدة تدعم تركيا في جهودها للدفاع عن نفسها ... [ضد سوريا]."

الترجمة: لا علاقة لذلك بتركيا, إذ المقصود هو القوة العسكرية الروسية في سوريا. لم تقدم موسكو لدمشق فقط صواريخ اسكندر أرض-أرض الفتاكة  والتي تفوق سرعة الصوت بأضعاف (المنيعة على أنظمة الدفاع الصاروخي) بل أيضاً النظامَ الدفاعي "بيكورا 2 م" أرض-جو متعدد الأهداف, والذي يشكل كابوساً للبنتاغون في حال فرض منطقة حظر جوي في سوريا.

أهلاً بكم إلى المواجهة بين "باتريوت" و "اسكندر". وفي خط النار تماماً نجد رئيسَ الوزراء التركي رجب طيب إيردوغان - وهو عبارة عن أناني مهووس أخذ أكبر من حجمه ويعاني من عقدة نقص تجاه الأوروبيين – مرمياً في البرد تحت خطة الناتو الكبرى.

إن "كعب أخيل" [نقطة ضعف] تركيا (بالإضافة إلى الأكراد) يتمثل في الدور الذي اختارته لنفسها كمفترق طرق للطاقة بين الشرق والغرب. وتكمن المشكلة في أن تركيا تعتمد في مؤونتها من الطاقة على إيران وروسيا؛ لكنها تعادي الطرفين في الوقت نفسه بحماقة كبيرة بسبب سياستها المشوشة تجاه سوريا. ...

إن ما حققته حرب الناتو-مجلس التعاون هو هدف واحد يشبه ما حدث في العراق: لقد مزقت النسيج الاجتماعي السوري الهش بشكل كامل.

هذه هي الرأسمالية الكارثية, المرحلة 1؛ وقد تم تحضير الساحة ﻠ "إعادة بناء" مربح لسوريا حالما يتم تنصيب حكومة موالية للرأسمالية والغرب.

وبالمقابل, فإن لردود الأفعال طرقها الغامضة؛ إذ إن ملايين السوريين الذين أيدوا في البداية فكرة الحركة المطالبة بالديمقراطية – من طبقات أصحاب العمل في دمشق إلى التجار في حلب – قد ملؤوا القاعدة الداعمة للحكومة كردة فعل على التطهير الإثني-الديني المتوحش الذي ينادي به "الثوار" من نوعية عناصر "جبهة النصرة".

ولكن مع الناتو-مجلس التعاون في جهة وإيران-روسيا في جهة أخرى, ليس للسوريين العاديين الواقعين في خط النار أي مكان يذهبون إليه. لن يتوقف الناتو-مجلس التعاون عن محاولتهم في رسم أي كيان مشبوه, ولو بالدم, من إمارة مؤيدة للولايات المتحدة إلى "ديمقراطية" موالية للولايات المتحدة بقيادة الإخوان المسلمين. ليس من الصعب أن نعرف لمن يُقرَع الجرسُ في سوريا: ليس من أجلك يقرع, كما يقول [الشاعر الإنكليزي] جون دون؛ بل تقرع الأجراس للموت والدمار.

*بيبي إسكوبار- إيشا تايمز أونلاين - ترجمة: مالك سلمان - الجمل