بيد ان حالة المشهد الجيواستراتيجي والجيوسياسي في المنطقة والقواعد والتحالفات العسكرية والاستخبارية التي قيدت "دول المجلس" ، وجعلتها في موقع التبعية المطلقة للمشاريع الاميركية والاوروبية والاسرائيلية، تلقي ظلالا من الشك والترديد على امكانية تحقق المنظومة الامنية الاقليمية الشاملة، وذلك انطلاقا من قاعدة (ان فاقد الشيء لايعطيه).
بتعبير ادق يمكن الجزم بان (مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي) حكم على نفسه من قبل بأن يكون "عبدا مأمورا" لاحول له ولا قوة ، وهو مرغم على تنفيذ الاملاءات والتعليمات الصادرة اليه من وراء القارات.
اضف الى ذلك ان الأغلال الغربية – الصهيونية التي تكبل المجلس المذكور منذ اكثر من ربع قرن، كرست روح التنابذ والتربص والغدر بين حكام الدول الاعضاء فيه ، الامر الذي ظهر جليا من خلال افتقاد "قمة المنامة" بريقها "الزعائمي" نظرا لغياب من يعتقد بانهم يقفون وراء هذا التوجه، وبالتحديد امير قطر ووزير خارجيته المتورطین کلاهما حاليا في شبكة معقدة من المغامرات والسلوكيات التي لا تستهدف الاخلال بـ"الامن الخليجي" فحسب، بل وتتعدى ذلك الی تهديد (منظومة الامن الاسلامي) برمتها.
من هنا ينبغي التوضيح ان ما يثار عن وجود هواجس في نفوس ملوک وامراء المحميات البترولية العربية من "التهديد الايراني المزعوم"، لايمت للواقع بصلة ولايمكن لمثل هذا "التصور الموهوم" ان يشكل حقيقة على الاطلاق، لان العلاقات المتفاوتة في درجة ايجابيتها بين طهران والعواصم الخليجية خلال العقود الماضية، تقطع الشك باليقين في ان الجمهورية الاسلامية هي الشريك الرئيسي المحب لجيرانه في منطقة الخليج الفارسي، وبالتالي فان البلدان المطلة على هذا الممر المائي الحيوي بالنسبة للعالم الخارجي، هي المعنية بادارة امنه الاقليمي وحمايته، وليست الاطراف الاجنبية التي تنتشر في منطقتنا اليوم بفعل السياسات المخادعة والذرائع الزائفة والمخاوف المختلقة، التي سوغت لها لاحقا استغلال الجيران الخليجيين وابتزازهم وتطويعهم للانخراط والتورط في جميع تحركاتها وغزواتها وتدخلاتها السلطوية السافرة في عموم العالم العربي والاسلامي.
ومما يدعو للاسف الشديد ان "قمة المنامة" ركزت بؤرة اهتمامها على حماية الامن والاستقرار فی انظمة"دول مجلس التعاون" دون الشعوب، في حين انها اتخذت وما تزال مواقف وافعالا و ممارسات مفضوحة امام القاصي والداني على مستوى ضرب السلم الاهلي وتفكيك اللحمة الوطنية وارتکاب العملیات الارهابیة والجریمة المنظمة في دول الشرق الاوسط تحت ذريعة دعم مطالب الشعوب بالديمقراطية والحريات وحقوق الانسان، وسط دهشة ابناء الامة الاسلامية والرأي العام العالمي حيال هذه الازدواجية المقيتة، باعتبار ان الحکام الخلیجیین هم من ألد اعداء هذه الشعارات الحضاریة، کما ان لهم سجلات سوداء في انتهاكها ببلدانهم والتعامل مع شعوبهم بلغة الحديد والنار.
ولاشك في ان مايلقاه الشعبان الثائران في البحرين والسعودية من ظلم واضطهاد شدیدین، یمثل دلیلا صارخا علی النفاق السیاسی لسماسرة النفط والاعلام فی "الملکیات الخلیجیة" فی ما یرتبط بالتحایل علی الرأی العام فی المنطقة والعالم، وذرف دموع التماسیح "تباکیا " علی القتلی والجرحی والاسری التکفیریین او "تعاطفا" مع المجموعات الوهابیة المسلحة التی تم تجنیدها لارهاب ابناء الامة الاسلامیة، ولاسیما المواطنین الابریاء فی سوریا و العراق بغیة ایساعهم قتلا وتخریبا وارعابا، واغراقهم فی مستنقعات الطائفیة والتعصب الاعمی، وسلبهم نعمة الامان والطمأنینة وراحة البال خدمة للمخططات الاستکباریة.
والواقع ان هذه التصرفات الخیانیة لاتفسير لها سوى انها تجسد الحلقة الاخطر فی سلسلة المؤامرة الصهيو الاميركية التي تعكف منذ سنوات على تعميم الفوضى والصراعات والحروب الاهلية في الشرق الاوسط، وهو مايتم فعلا بتمويل الانظمة الخليجية وبخاصة من قبل السعودية وقطر والامارات.
واضح ــ اذا ــ ان ما يسعه افشال "الامن الخليجي" ليست اكذوبة "ايران فوبيا" ، بل هوانقياد دول الجوار العربي للاجندات الغربية – الاسرائيلية من جهة، وتفشي روح التناحر فی " مجلس التعاون" ذاته من جهة اخرى. وذلك بسبب الطموحات الخرقاء التي تدفع اعضاء معروفین فيه الى "التعملق والانتفاخ والتطاول" ليس على اقرانهم في المنطقة فحسب، بل وايضا على بلدان وشعوب كبرى وعظيمة في العالم الاسلامي.
حمید حلمی زادة