فالسياسي المحنك عندما يهزم في معركة حربية او سياسية، يقدم استقالته ويرحل ويغيب عن الانظار، ولكن نتنياهو الذي أخفق جيشه في سحق المقاومة لم يقدم استقالته، كما فعل وزيرالحرب الاسرائيلي إيهود باراك الذي اعلن بانه سينسحب من الحياة السياسية بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة.
بنيامين نتنياهو الذي يطالبه الكثيرون بالرحيل ، يأمل أن يفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة ، دون أن يعترف بصورة مباشرة حتى الان بالفشل في عملية عمود السحاب ، بل انه يوحي الى الاسرائيليين بان جيشه انتصر في الحرب على حماس ، لانه تمكن من قتل اكثر من مائة وستين فلسطينيا وجرح اكثر من الف اخرين ودمر عددا كبيرا من المباني السكنية على رؤوس اصحابها.
نتنياهو لا يأبه بالانتقادات الداخلية له ، لانه حظى بدعم امريكي خلال العدوان على غزة وساند أوباما الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعم موقف نتنياهو بأكثر مما كان ممكنًا توقعه.
فقد أعلن البيت الأبيض فور انطلاق العدوان على غزة ، أن أوباما أجرى اتصالًا هاتفيًّا مع نتنياهو أعرب فيه عن دعم الولايات المتحدة الكامل لإسرائيل في مواجهة الصواريخ التي تسقط عليها من قطاع غزة، واتفق معه على ضرورة وقف إطلاق هذه الصواريخ بشكل نهائي "بأية وسيلة.
وكانت وزيرة الخارجية الامريكية قد زارت على الفور اسرائيل لاعلان دعمها لرئيس الوزراء الاسرائيلي في عدوانه على غزة ، وعرجت على القاهرة لتحض الرئيس المصري محمد مرسي علي العمل لوقف اطلاق النار، لكي لا تضرر اسرائيل اكثر مما تضررت خلال ثمانية أيام من عدوانها .".
فعملية "عمود السحاب" التي بدأتها تل أبيب باغتيال احمد الجعبري القائد العسكري لحماس ثم بغارات جوية كثيفة يوم 14 نوفمبر، خلفت 163 شهيدا فلسطينيا و1235 جريحا، في حين قتل حسب البيانات الرسمية الصادرة في القدس المحتلة ستة اسرائيليين بينهم جنديان واصيب 240 بجروح في إنفجار حوالي ألف صاروخ وقذيفة اطلقتها الفصائل الفلسطينية على جنوب إسرائيل.
وهذه هي أعلى حصيلة لمواجهات بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية منذ عملية "الرصاص المصبوب" الإسرائيلية على قطاع غزة بين ديسمبر 2007 ويناير 2008 والتي أوقعت أكثر من 1440 شهيدا فلسطينيا و13 قتيلا إسرائيليأ .
وكانت حركات المقاومة في غزة قد اطلقت صواريخ فجر- 5 وانواع اخرى من الصواريخ ذات التكنولوجيا الايرانية او المصنعة محليا باتجاه القدس وتل ابيب وكانت هذه الصواريخ قد افزعت قادة العدو وانزلت الملايين من الاسرائيليين الى الملاجيء.
وزادت هذه الصواريخ من حنق القادة الاسرائيليين على ايران التي زودت المقاومة اللبنانية والفلسطينية بتكنولوجيا الصواريخ وتسببت بهزيمة محدقة بالاسرائيليين الذين كانوا لا يصدقون عيونهم عندما سقطت الصواريخ على تل ابيب والقدس المحتلة وقتلت العديد من الاسرائيليين الذين لم يذعنوا بان المقاومة الفلسطينية قادرة على تحدي جيش اسرائيل الذي لا يقهر حسب زعم قادة اسرائيل.
وكان سياسيون وعسكريون اسرائيليون وجهوا خلال الاسابيع القليلة الماضية انتقادات حادة لرئيس الوزراء الاسرائيلي بسبب هزيمته النكراء في عملية عمود السحاب .
وقد انصبت جل الانتقادات الاسرائيلية على رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي اعتبر حسب كافة المحللين الاسرائيليين انه السبب في هزيمة الجيش الاسرائيلي في غزة .
ووجه رئيس المعارضة الإسرائيلية شاؤول موفاز، الذى عمل وزيراً للدفاع ورئيس أركان سابقاً، وهو على رأس قائمة حزب "كاديما"، وجه انتقاداً حاداً لنتنياهو، معتبراً أن أهداف الحملة لم تتحقق، وأن اندلاع جولة قادمة من المواجهات هى مجرد مسألة وقت..
وأضاف موفاز، الذى يرأس المعارضة الإسرائيلية فى الكنيست " لقد عززت حماس قوتها، ولم يتم تحقيق أية قوة ردع". .
أما رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لبيد، فأعرب هو الآخر عن تحفظه من وقف إطلاق النار، معتبرا أن الاتفاق جاء متأخرا جدا، ودون تحقيق الأهداف التى أعلنتها الحكومة، مشيراً إلى أن الحكومة لم تحقق ما وعدت به بالقضاء على حركة حماس، وعدم التفاوض معها، فقد قامت بالتفاوض معها ولم تقم بالقضاء عليها.
من جهته قال البروفيسور شاؤول مشعال، أستاذ السياسة العربية فى جامعة تل أبيب، إن "حماس" ظلت واقفة على أقدامها خلال المواجهة على مختلف الجبهات وانتصرت على تل أبيب، مضيفا أنها نجحت خلال ومع انتهاء عملية "عمود السحاب" فى إبرام اتفاقية وقف إطلاق النار، فى تحويل غزة إلى بؤرة سياسية، تتوجه إليها أنظار العالم كله..
ونقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مشعال، قوله إن حماس أرغمت إسرائيل على تقديم التنازلات، ورسخت موقعها فى الساحة الفلسطينية والعربية عامة، مضيفا أن غزة تنسمت من جديد هواء العالم وشعبها يحتفل، وكأنه قام من جديد وهو يغمره الإيمان بأن إسرائيل لم تنجح بتركيعه، وفشلت فى تحقيق أهدافها.
وقال الخبير الإسرائيلى، هذه المرة خرجنا مع تنازل كبير لحماس، فلقد ارتقوا إلى مستوى دولى، والجميع كان ينتظر ماذا سيقولون، وحتى لو لم تقم دولة حماس، لأن لا أحد ربما عدا إسرائيل له مصلحة بذلك، إلا أن انتصارهم يساوى دولة من حيث قيمته، لقد دخلوا إلى الساحة الدولية من بوابتها الرئيسية، حيث نجحوا بتحريك ماكينة دبلوماسية محترمة جدا، والتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل.
ونقلت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية عن وزير الحرب أيهود باراك، تصريحات حول اتفاق وقف إطلاق النار لإذاعة الجيش الإسرائيلى "كول تساهال"، قائلا لن نستطيع وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، إلا فى حال احتلال كامل للقطاع وهذا أمر مستحيل..
وأضاف باراك خلال المقابلة مع الإذاعة العسكرية ، أنا لست مشتاقاً إلى غزة، فأنا كنت هناك منذ اندلاع الانتفاضة الأولى، ونحن لسنا بحاجة إلى أن نعود إلى أزقة بيت لاهيا أو فى جباليا، مشيراً إلى أن من يطالب باحتلال غزة فهناك شىء يطلق عليه اسم "حرية اشتياق"، كما هناك حرية تفكير، أما بالنسبة لى فأنا لست مشتاقا لغزة ..
وقال باراك، إن صورة النصر التى يبحث عنها البعض قد تنقلب رأساً على عقب عند تدمير أول مدرعة بجنودها، أو تفجير أول عبوة تنفجر فى سرية من مقاتلينا.
وفى محاولة منه لإظهار عنصر القوة، قال باراك إن الحكومة تعى أن الجيش قد يضطر إلى العمل مجددا فى قطاع غزة، وفى حال لم يستمر وقف إطلاق النار، فإننا سندرك ماذا سنفعل، وإذا اضطررنا مستقبلاً للقيام بعملية برية واسعة النطاق، فمن الأفضل أن نحظى بدعم دولى راسخ.
وأشار باراك، إلى أن المشكلة ليست اجتياح قطاع غزة وتقويض حكم حركة حماس، وإنما طريقة الخروج منه بعد إتمام العملية.
واعتبر رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ان تعهد حماس بتدمير اسرائيل بعد يبرر احجام اسرائيل عن التخلي عن مزيد من الاراضي للفلسطينيين.
وقال نتانياهو في اجتماعه الاسبوعي بحكومته "على مدى اليوم الماضي اكتشفنا الوجه الحقيقي لاعدائنا. ليست لديهم اي نيه للتسوية معنا. انهم يريدون تدمير بلادنا."
لكن نتانياهو قال ان اسرائيل لن تنسحب من جانب واحد من الضفة الغربية كما فعلت في غزة عام 2005 ، مشيرا الى ان ذلك يهدد بخلق منطقة جديدة يمكن ان يستخدمها الفلسطينيون لاطلاق الصواريخ على المدن الاسرائيلية."
هذا وقد احتفلت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأهالي غزة خلال هذا الاسبوع بذكرى الخامسة والعشرين لانطلاقة الحركة واعلنت حماس في بيان لها أنها "لن تساوم ولن تفرّط"، وأن المقاومة هي السبيل لتحرير الأرض والمقدسات. وجاء في بيان حماس أنها "خطّت لنفسها منهجاً وثوابت لن تفرّط فيها وسبيلاً واضحاً لن تحيد عنه، وهي ماضية في طريقها متمسكة بحبل الله المتين معتصمة به، محافظة على عهدها في الدفاع عن الأرض والثوابت والمقدسات غير مفرّطة ولا مساومة، ".
وأكدت حماس على التمسك بالمقاومة سبيلاً لتحرير فلسطين كل فلسطين، وأنه الخيار القادر على توحيد صفوف شعبنا الفلسطيني وقواه الحيّة في الدفاع عن الأرض والمقدسات وردع الاحتلال الصهيوني مضيفة أنَّ جرائم الاحتلال ضد شعبنا وأرضنا ومقدساتنا لن تزيدنا إلاَّ صموداً ومقاومة، ولن تفلح في كسر إرادة شعبنا المجاهد، ولن تسقط بالتقادم وسيحاكم مجرمو الحرب الصهاينة على ما اقترفوه من قتل وإجرام.
ان المقاومة الاسلامية في فلسطين اثبتت للجميع خلال عدوان اسرائيل عليها ، انها ماضية في طريق التحرير ولن توقف جهادها ضد العدو الاسرائيلي ، وان القادة الاسرائيليين وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو سوف يدفعون ثمن جرائمهم بحق اهالي غزة والشعب الفلسطيني الصامد ..
شاكر كسرائي