بعد مرور 29 سنة على النكبة وقفت الأمم المتحدة أمام عدة عناوين تتعلق بالقضية الفلسطينية وحقوق شعبها التي تم إهدارها تحت شعارات وقرارات هذه المنظمة لتتخذ قراراً بتحويل يوم التقسيم ليوم دولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني للحفاظ واسترجاع حقوقه غير القابلة للتصرف على حد تعبير النص بخصوص هذه الحقوق. العام 1977 شهد هذا التحول ليقف العالم كل سنة أمام أزمة ضمير لا تزال تؤرقه حول حالة الفلسطينيين كآخر شعب على سطح الأرض يجري حرمانه من وطنه بقرارات دولية ويبقى مشرداً وبعيداً عن أرضه.
في السياق ذاته ورغم صدور القرار 194 الخاص بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين لوطنهم وديارهم وتعويضهم عما لحق بهم من ضرر وأذى إلا أن المنظمة الدولية لم تنجح حتى اللحظة في فرض هذا القرار أو حتى غيره فيما يقتضي إعادة الحقوق لأصحابها وما زال الأمر على هذه الشاكلة منذ النكبة الكبرى في عام 1948 التي نحتفل بها أيضاً كل سنة.
إن جملة القرارات الخاصة بحقنا في أرضنا جرى إنكارها من دول الاستكبار العالمي والتي تقف بجانب دولة الاحتلال وتسند كل إجراءاته التعسفية ضد شعبنا في فلسطين المحتلة بل تلاحقهم بالقتل والتضييق أينما كانوا في حالة من العربدة والنشوز تغطيها مواقف الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين أصحاب كل خطوة أنتجت النكبة وعززت وجود الكيان الصهيوني.
إن احتفال العالم ودوله باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر الدجل في معظم هذه الدول، ويستثنى من هذا تلك التي تقدم المساندة الحقيقية للفلسطينيين بأشكالها كافة سواء ما تعلق منها بالجانب السياسي أو المالي أو العسكري والإعلامي. إن تكرار الاحتفال سنوياً أنتج حالة من الروتينية الخادعة لموقف دولي لا ينسجم مع أبسط مبادئ العدالة وحقوق الإنسان التي تفرض على حامليها والداعين لها أن يتقدموا بشجاعة في مجلس الأمن ليفرضوا على العدو الإسرائيلي ما يعيد الحقوق لأصحابها ويؤكد أن هناك معياراً واحداً لتفسير وممارسة حقوق الإنسان وملاحقة المجرمين ومغتصبي الأوطان، وإنه لأمر يدعو للتأمل أن تطبق القرارات على الدول العربية بطريقة حازمة حتى لو أدت لتدمير هذه الدول في حين لا تجرؤ حكومات ذات الدول المنفذة للقرارات على الحديث مجرد الحديث عن تنفيذها على «إسرائيل».
لقد ثبت وبشكل لا لبس فيه أننا إن لم نتعامل مع هذا اليوم ومفاهيمه وخلفيته بطريقة صحيحة ومدروسة وبإرادة قوية فإننا لن نستفيد من هذا اليوم ولن تؤدي كل المظاهر التضامنية على إيجابيتها المعنوية والدعائية إلى استعادة أي من حقوقنا المغتصبة. دعونا نتضامن مع أنفسنا أولاً وهذه لا تحتاج ليوم دولي أو غيره بل تحتاج لوعي المسألة وتعقيداتها التي تفرض علينا استنفار كل قوتنا لمواجهة عدو قوي تسنده قوى كبرى لا يمكن هزيمتها إلا بذلك الاستنفار وبتلك الإرادة.
اليوم نجد أنفسنا أمام جملة من الثغرات الواجب سدها حتى نصل إلى مرحلة الاستعداد لخوض معاركنا بنجاح واقتدار، ومنها الانقسام الذي يكذب كل ادعاء لقائد أو فصيل حرصه على القضية واستعادة الحقوق، كذلك توجد ثغرة كبرى في الثقافة الوطنية والمفاهيم حتى ليكاد المرء يقرأ ويسمع الخيانات والتفريط ترفع شعاراتها وتتلى على مسامعنا بوقاحة وكأن أصحابها يرفعون لواء الكفاح المسلح والاستشهاد. وتواجهنا ثغرة كبيرة في موضوع التكتيك والرؤية السياسية في التعامل مع العدو ومع حلفائه، لابد من خوض المعركة السياسية والدعائية بحزم أكبر ومرونة موزونة تكسب الرأي العام دون تفريط أو تذلل أو شطط وهذه تحتاج لمراجعة كل النهج التفاوضي لمنظمة التحرير على مدار العقود الثلاثة الماضية. إن معركة التمثيل في الأمم المتحدة ليست أم المعارك ولهذا يجب اعتبارها جزءاً من آلية المواجهة وليست أسلوباً أو هدفاً بحد ذاته فالمشوار لبناء الدولة المستقلة وتحقيق الهدف المرحلي ما زال طويلاً وشاقاً.
إن اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني لابد أن يعطي هذا الشعب الدليل على صدق توجهه وعدالته بالقتال ضد من اغتصب حقوقه وهذه أيضاً ثغرة كبيرة حيث نجد جزءاً صغيراً من الوطن هو قطاع غزة يقاتل بمفرده ويطلق النار وحده، وبالتأكيد لو كان الأمر في الضفة ومن الحدود بذات المستوى لتقدمنا كثيراً باتجاه نيل حقوقنا.
في هذا اليوم لابد أن نوجه التحية لكل الدول والشعوب التي تتضامن معنا وتحتفي باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ونقدر لها موقفها ونناشد الدول التي تدعم الكيان أن تكف عن هذا وأن تتصرف بما يمليه عليها احترام القانون وشرعة حقوق الإنسان، وفي النهاية نطالب المعنيين في المنظمة والفصائل والقوى الحية من الشعب الفلسطيني بأن تبادر للتضامن مع نفسها والكل يعرف كيف ومن أين يبدأ.
*زياد أبو شاويش