وفي الحقيقة فإن الأنفاق من "البنى التحتية المهمة في الدول العصرية والنامية" وهي ضرورية "للحركة داخل وخارج المدن باعتبارها أحد مظاهر التنمية الرئيسية في البلاد".
وللأنفاق استعمالات متعددة داخل المدن بدءا من "الحمل والنقل من خلال الطرق السريعة والمترو والطرق الحديدية" وكمواقف السيارات تحت الارض" ومن قبيل تأمين خدمات "مد أنابيب المياه والصرف الصحي والاتصالات السلكية وأنظمة التدفئة والتبريد" و"إجراءات الأمان كأنفاق عبور مياه الفيضانات وحالات الطوارئ الأخرى".
ويقدر مسؤولون حكوميون في العاصمة طهران أن "تطور إنشاء الأنفاق تضاعف أكثر من أحد عشر ضعفا في العقد الأخير".
وتتمتع إيران اليوم بوجود "كوادر بشرية ضخمة متخصصة بإحداث الأنفاق" كما أن كل ما يتعلق بإنشائها "يدرس في مختلف المراحل الجامعية حتى أن بعض الجامعات بصدد تأسيس كليات متخصصة في إنشاء الأنفاق".
وفي الحقيقة فإن التقدم في هذا المجال الحياتي "ليس جديدا على البلاد فجذوره قديمة تعود إلى صناعة مد وتشييد القنوات في باطن الأرض" والتي يقدر عدد الموجود منها حتى الآن في ايران بأكثر من "خمسة آلاف قناة" وهي صناعة ارتبطت في السابق بعملية الزراعة والري وتأمين منابع نقية ومستمرة للحصول على الماء اللازم للحياة الإنسانية والزراعية.
وتتنوع الأنفاق من حيث الاستعمال والأهداف والضرورات فتنتشر أنواع منها في ربوع إيران وربما كان الأقدم منها ما كان "لبناء ومد الطرق خصوصا في المناطق الجبلية".
كما استعملت الأنفاق لتسهيل "مد السكك الحديدية للقطارات" وربما كان النوع الأكثر لفتا للأنظار في المدن الكبرى هو الأنفاق الخاصة بقطارات "المترو" والتي تمتد لمسافات طويلة في العاصمة طهران وتلك التي تربط العاصمة بمدينة "كرج" إلى الغرب منها هذا فضلا عن خطوط المترو المنتشرة في المدن الايرانية الكبرى كشيراز وتبريز وغيرها والعمل جار حالياللاستفادة منها في سبع مدن كبرى بالبلاد.
وفي الوقت الحاضر فإن "ما يزيد على اربعمائة وعشرين كيلومترا هي قيد الدرس والإنشاء ومن ضمنها ما يزيد على مائة وعشرين كيلومتر منها أنفاق خاصة بالطرق". ومن المقرر "أن يصل مجموع طول الأنفاق مع نهاية الخطة الخمسية الحالية إلى سبعمائة كيلومتر".
ونظرا الى الصعوبات في معرفة أنواع الأرض وطبقاتها فإن كل "نفق هو في حد ذاته عمل فريد مننوعه".
وتزداد صعوبة ومخاطر تشييد الأنفاق في المدن "في الاعماق قليلة الارتفاع وفي الاراضي الرخوة لما لها من تاثيرات على الأبنية السكنية" وهو ما يحتم معرفة وتحديد نوعية الأرض ونوع حركتها ومقاومتها وطريق حفرها بالادوات المناسبة.
ويلاحظ الزائر للعاصمة الإيرانية طهران "كثرة الأنفاق المرورية فيها لتسهيل حركة النقل والانتقال من مكان إلى آخر ولتخفيف الازدحامات الخانقة" التي تعاني منها.
ويعتبر نفق "رسالت" الذي يصل بين غرب المدينة وشرقها قريبا من الوسط "أحد عشرة أنفاق في العالم من حيث إجراءات الأمان العالية في بنائه". ويبلغ "طوله تسعمائة وخمسين مترا واستغرق إنشاؤه احد عشر عاما".
أما نفق "توحيد" والبالغ "طوله ألفين ومائة وستة وثلاثين مترا فقد استغرق بناؤه ستة وثلاثين شهرا" وهو ما عد "تقدما نوعيا من حيث الفترة الزمنية القصيرة نسبيا التي أنشئ خلالها".
والعمل جار حاليا على قدم وساق لتشييد نفق "نيايش= ابتهال" لربط غرب العاصمة حيث ينتهي طريق نيايش السريع بشرقها حيث يبدأ طريق صدر السريع وتخديم مناطق معروفة بأنشطتها الاقتصادية والتجارية والترفيهية في شمال طهران كتقاطع شارع ولي عصر وحديقة "ملت=الأمة" الشهيرة باتساعها وازدحامها حيث سيتم "إنشاء مرآب تحت الأرض يتسع لأربعة آلاف سيارة". كما يتفرع عنه نفق فرعي نحو طريق "كردستان" طوله ألف متر. ويصل مجموع الأنفاق الأصلية والفرعية إلى "عشرة آلاف ومئتين واثنين وخمسين مترا". وفقا "لأرقى وأحدث المعايير العالمية في البناء وإجراءات السلامة والاقتصاد ما سيجعل "نفق نيايش واحدا من أطول عشرين نفقا في العالم" وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجوده في منطقة شديدة التعقيد في المدينة حيث يعبر "احد عشر خطا لنقل الغاز" ويقع "جزء منه" تحت بحيرة حديقة "ملت". والعمر المفيد المقرر لنفق "نيايش" مائة عام إضافة إلى خصائص إنشائه وميزاته والمدة الزمنية المقررة لإنشائه المتمثلة في حدود أحد عشر شهرا فقط كل ذلك يجعله يرتقي إلى مصاف الأنفاق العالمية.
ويعتقد متخصصون ومراقبون يابانيون أن إحداث وبناء نفق "نيايش" سيكون نقطة حاسمة في تاريخ الهندسة الايرانية وذلك بسبب "المشاق والصعوبات التقنية التي واجهت التشييد خلال فترة زمنية قياسية".
ويعزو كثير من المراقبين الاقتصاديين في العالم "التقدم المطرد في إنشاء وتشييد الأنفاق في ايران وتوطين هذه الصناعة" إلى "النتائج العكسية للحصار الاقتصادي الخانق" الذي فرضته الولايات المتحدة والدول الاوروبية على ايران بعد انتصار ثورتها ما دفع الأمة الإيرانية العظيمة إلى "تحويل الحصار والمقاطعة إلى فرصة ذهبية وحقيقية للاعتماد على النفس وصولا إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات تقريبا ومنها صناعة الأنفاق". وتبدو للعيان واضحة هذه الفرصة التي اغتنمتها وتقدمت فيها الجمهورية الإسلامية في إيران لتصبح من الدول القلائل التي "تتوفر على مثل هذه الخبرات وبأفضل المعايير العالمية".
كتب رياض الأخرس*
صحفي سوري خبير بالشؤون الإيرانية