واضح – اذا – ان الطائرة کانت تجوب اجواء الجمهورية الاسلامية لاهداف تجسسية ، وقد انزلت بفعل التقنيات الالکترونية الايرانية، لتنضم الي شقيقتها ال (آر کيو 170 ) التي اصطيدت في ديسمبرالعام الماضي 2011، و لتکونا معا مادة علمية دسمة لفائدة خبرات طهران (الجو فضائية) التي باتت ترتد بمفاعيل هائلة علي مستوي تغطية التحرکات الغربية-الصهيونية المشبوهة ومراقبتها و تقويض استهدافاتها المعادية في المنطقة.
وخلال الحقبة الطويلة الماضية برهنت واشنطن، بما فيه الكفاية ، على انها لا يمكن ان تكون "حمامة سلام" . و لا ريب في ان قيامها بضرب ناكازاكي و هيروشيما بالقنبلة الذرية في نهاية زمن الحرب العالمية الثانية ، يقطع الشك باليقين في انّ اميركا ، حاضنة للعدوان و الاستكبار و التهور ، و انها تجسد الشر المطلق في هذا العالم.
و في ظل هذا الواقع المليء بالمغامرات و الدسائس و المؤامرات، فإن من السذاجة بمكان، الركون الى المزاعم و الادعاءات الاميركية المتحمورة حول حماية الامن و السلم العالميين باعتبار انها كانت قد دشنت اطلالتها العملية على الساحة الدولية بجريمتها المروعة في اليابان عام1945 ، و عليه فإن من الصعب جدا ان تكون الولايات المتحدة موضع ثقة في المجتمع الدولي حتى و لو جهدت بكل وسائلها السياسية و ضغوطها العسكرية و ادواتها الدعائية من اجل اثبات ذلك.
اذن هنا و أمام هذا النموذج الهائج و المتمرد و الحقود على كل ما هو انساني و اخلاقي و حضاري ، فان منطق الاشياء ، يدعو الى الحذر و التحرز منه، و الامتناع عن منحه ادنى فرصة قد يستغلها لتجميل صورته البشعة امام الراي العام العالمي.
لقد كان يمكن لزعماء الولايات المتحدة ، ان يتحرروا حتى من عقدة تاريخ النشأة الاولى لبلادهم و التي تحصلت جرّاء بحار من دماء و المجازر الجماعية التي طاولت السكان الاصليين الابرياء ل"القارة الجديدة" قبل اكثر من خمسمائة عام ، لو انهم (الزعماء) كفروا عن ذنوب اجدادهم بإشاعة علاقات الالفة و المحبة و الصداقة على وجه البسيطة، بيد ان حروبهم و جرائمهم الوحشية المعاصرة بدءً من اليابان و مرور بكوريا و فيتنام و انتهاء بافغانستان و العراق و حاليا في مختلف مناطق الشرق الاوسط و افريقيا، تعزز الاعتقاد و القناعة على مستوى الامم و الشعوب ،بأن اميركا تفتقد لأية مصداقية يمكن ان تخولها التحدث باسم قيم الديمقراطية و العدالة و المساواة و الحريات و حقوق الانسان ، او الدفاع عن الامن و السلام الدوليين.
فحينما تصطدم الشعارات الزائفة مع الممارسات الهوجاء ، عندها تتحقق النتائج الفاضحة، و حينئذ لا يسع أي انسان عادي ، إلا ان يوجه نظرة الكراهية و الادانة و الاستنكار الى حكومات "الولايات المتحدة" ، "جمهورية" كانت او "ديمقراطية" بسبب ادوارها المشينة في دعم الارهاب الصهيوني -سابقا و للان - ، و مساندة الارهاب التكفيري في راهننا المعاصر ، باعتباره وقود "الفوضى الخلاقة" التي بشر بها الساسة الاميركيون منذ عام 2004 لقيام شرق اوسط جديد ، وفقا لمعايير صناعة القرار في اقبية "البيت الابيض" و "البنتاغون" و "السي آي ايه" و "اسرائيل" ، و بتمويل من سماسرة البترول و المال و الاعلام في منطقة الخليج الفارسي.
و أيا كان ما تفكر به السياسة و الدبلوماسية الاميركية لايهام المجتمع الدولي بانها تسعى للتقارب مع الجمهورية الاسلامية ، و طرح اجراء "محادثات ثنائية بين واشنطن و طهران" بشأن (الموضوع النووي الايراني)، فإن الحقيقة الثابتة و المعترف بها دوليا ، هي ان ايران صادقة حقا في تعاملها الشفيف مع وكالة الطاقة الذرية بل مع العالم كله في التاكيد على سلمية انشطتها النووية ، و لذلك فهي في غنى عن الحصول على"تزكية" من الولايات المتحدة او التفاوض معها تحت هذه الذريعة، اذ ثمة قنوات معنية بهذا الملف و منها (مجموعة 5+1) و من المعروف ان اميرکا هي طرف شرير و استفزازي فيها.
ويتوجب القول ان المراد هو العكس بالضبط ،لأن اميركا هي المطالبة اولا بتقديم شهادة حسن سلوك عن سياستها و سلوكياتها في مختلف بقاع الارض طيلة الاعوام السبعين الماضية، و هو امر مستحيل اكيدا ، خاصة و ان تحركاتها العسكرية و الاستخبارية و التخريبية الراهنة في العالم الاسلامي بعامة و ضد ايران بخاصة تنسف اية ميول او رغبات في الاطمئنان الى دعواتها الملتوية.
حميد حلمي زادة