اللافت ان كلام "المفتي"، يأتي في الوقت الذي تمنع السلطات السعودية اية تظاهرات مطالبة بالحريات والديمقراطية وبازالة التمييز قبليا او طائفيا او مدنيا بالسعودية، بل وتقوم بقمعها واعتقال المشاركين فيها وتعريضهم لمختلف صنوف التعذيب والتنكيل.
الاكثر غرابة في هذا الاتجاه ايضا "فتوى آل الشيخ" التي حرم فيها "الاتصال بالقنوات الفضائية الخارجية والتعاون معها في نشر ما اسماه اسرار البلاد او القضايا المختلفة" معتبرا القيام بذلك" جريمة كبرى وضربا من الخيانة".
في هذا المضمار كانت صحيفة نيويورك تايمز الاميركية قد لخصت واقع حرية التعبير في بلاد الحرمين الشريفين بهذه العبارة "ثورة على صفحات تويتر ضد ممارسات النظام السعودي الذي يمنع المواطنين من الاعراب عن آرائهم" لتصل الى نتيجة مفادها (ان المواطنين لجؤوا لمواقع التواصل الاجتماعي عندما حاصرتهم سلطات آل سعود).
واضح ان فتاوى "عبدالعزيز آل شيخ" بعيدة كل البعد عن كنه ما جاء به الشرع المقدس الذي يأبي للمسلمين الانصياع للقهر والاضطهاد والتمييز، ويحرم عليهم اتباع السلطة الجائرة خاصة تلك التي تأتمر بالأوامر الصادرة من واشنطن وتل ابيب والعواصم الاوروبية، وهي الاوامر التي تسوغ لآل سعود وحلفائهم في المحميات البترولية بالخليج الفارسي، تأجيج الممارسات الارهابية والاجرامية في سورية والعراق ولبنان تحت ذرائع متناقضة مثل دعم الثورة الشعبية اومناهضة الطائفية او التخلص من المقاومة الباسلة فيها. هذا في حين انهم لايسمحون لابناء الحرمين الشريفين والبحرين حتي بمجرد رفع اصوات الرفض والمعارضة السلمية في بلادهم.
اذا ما دققنا في تلاعب مفتي آل سعود ( عبدالعزيز آل الشيخ) بمقاصد الشريعة لفائدة اولياء نعمه ملكا وامراء ومتنفذين، يمكننا ببساطة التعرف على الهشاشة البنيوية للعقيدة الوهابية، باعتبارها عقيدة ولدت من رحم التناقضات القبلية والبدوية والسياسية في بلاد الحرمين الشريفين (مكة والمدينة) منذ اكثر من 200 عام.
فالمتابع لفتاوى "آل الشيخ" و من سبقوه، وكل المحسوبين على هذه المدرسة سيما المضطلعين منهم بنشر افكارها ومواقفها هنا وهناك، يدرك تماما ان "الوهابية" ليست سوى اداة رخيصة يستخدمها النظام السعودي لتشويه الاسلام وتضليل ابناء الامة وايقاع العداوة والبغضاء وسفك الدماء في ما بينهم.
ومن المعروف ان آل سعود الذين يحكمون بلاد الحجاز ونجد والاحساء بالحديد والنار منذ ان اجلسهم الانجليز على سدة الحكم هناك في اعقاب انتهاء الحرب العالمية الاولى (1914 ــ 1919)، لم يدخروا وسعا في استغلال الشريعة الاسلامية من اجل تمرير مآرب اسيادهم الغربيين، وقد كان لمنظري "المؤسسة الوهابية" وما فتئوا دور بارز في التغطية على افعال " الاسرة القبلية المالكة" وسلوكياتها وسياساتها المتواطئة مع المشاريع الاستعمارية .
وبناء على ذلك دأب وعاظ السلاطين في بلاد الحرمين الشريفين ومنهم "المفتي الحالي" على اختلاق مختلف "التبريرات الدينية" التي تبيح للحكام السعوديين فعل أي شيء حتى وان كان منافيا للشريعة ، او تحريم كل ما يخالف اهواءهم ومصالحهم اللصيقة بمصالح الاستكبار الاميركي والصهيونية العالمية.
ونحن اذا ما وضعنا نصب اعيننا المواقف السعودية المحرضة على الاقتتال الطائفي والتعصب المذهبي واشاعة التوجهات التكفيرية ودعم اتباعها بالمال والسلاح والاعلام لغرض اغراق العالم الاسلامي بحمامات الدماء والموت والاضطرابات والفوضى والدمار والفتن السوداء، لامكننا وضع اليد على الدور التدميري للمفتي " آل الشيخ" ومن هم على شاكلته من زعماء "الوهابية" وصبيانها، على مستوى تضليل المسلمين من جانب، وخدمة الاستراتيجية الصهيوغربية من جانب آخر، وذلك عبر الترويج لمواقف النظام السعودي المعادية للمقاومة والجهاد لتحرير فلسطين والقدس الشريف والاراضي العربية المحتلة الاخرى.
حميد حلمي زادة