صحيح أن هذه الجولة ليست نهاية الصراع وهي جولة ضمن جولات قادمة وستستمر الجوالات بين الشعب الفلسطيني ومقاومته وبين الاحتلال الإسرائيلي حتى نهاية هذا الاحتلال وجلائه عن كل فلسطين وإن وجدت في الطريق حلول مرحلية قائمة على استرداد أي شبر من الأرض الفلسطينية كامل السيادة دون الاعتراف بإسرائيل أو بأي حق لليهود على ارض فلسطين مع حق أي مواطن فلسطيني أن يقيم في فلسطين أي كانت ديانته يهودية أو مسيحية أو إسلامية؛ ولكن هذا الأرض فلسطين هي ارض فلسطينية خالصة منذ الأزل وستبقى كذلك ولن يغير هذه الحقيقة الاحتلال وجبروته وانحياز العالم وظلمه وتخاذل العرب وتفريط المفرطين.
نقول إن المقاومة تريد أن تفرض معادلة جديدة مع الاحتلال، تبدأ هذه المعادلة بإحداث توازن الرعب، وإلا كيف يمكن تفسير أن خمسة ملايين من الصهاينة والمحتلين يمكثون بعضا من الوقت في الملاجئ وفي حالة من الرعب، وصولا في المعادلة إلى إحداث توازن الردع مع الاحتلال الإسرائيلي، وإلا كيف يمكن تفسير أن تقصف المقاومة القدس وتل الربيع( تل أبيب)، ومناطق متعددة في فلسطين المحتلة.
لم تعد (إسرائيل) وحدها من يملك القوة رغم الاختلال الواضح في موازين القوى الذي لا يقارن بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، ولكن أن يُهدد المحتل ومستوطنوه في قلب المركز في غوش دان وابعد، وهذا في حسابات الاحتلال الأمنية والعسكرية خطير جدا وهذا ما يفسر حالة الجنون التي وصل إليها تفكير الاحتلال في إعادة استهداف المدنيين بشكل مباشر من خلال قصف منزل عائلة صلاح في مخيم جباليا ومنازل المواطنين في مدينة رفح وغيرها من المناطق الفلسطينية في قطاع غزة.
لقد تفاجأ الاحتلال بالمقاومة رغم علمه أن لدى المقاومة إمكانيات متطورة ولكن أن تكون إلى هذا الحد من البعد والقوة وهذا شكل صفعة قوية للمخابرات الصهيونية وبالتحديد M75، والتي أعلنت كتائب القسام أنه صناعة محلية تحمل بصمة القسام، وفجر 5 وغيرها من القذائف والكورنيت القصير منها والذي يصيب بدقة الهدف، ثم من الواضح أن هناك فشل آخر للاستخبارات الصهيونية وهو الأماكن التي تتربص بها الصواريخ للمحتل حيث نفذ الاحتلال عشرات الهجمات مستهدفا أراضي زراعية مدعيا أن هذه الأماكن فيها صواريخ فجر 5 ، وخرج وزير الإرهاب بارك في مؤتمره الصحفي مدعيا أن 80% من الصواريخ تم تدميرها وما هي إلا ساعات وإذا بمنطقة القلب ( تل أبيب ) تضرب بصواريخ فجر5 ، وإذا بالقدس ومحيطها يضرب بـ M75 .
ما يقوم به الاحتلال كان متوقعا وربما تحدثت عنه في ما كتبت من مقالات أو تحدثت من تحليلات على وسائل الإعلام، وان عملية برية لن تكون في حسابات الاحتلال في هذا المرحلة، وحذرت أن الاحتلال سيعتمد إستراتيجية الاغتيالات للقيادات العسكرية إلى جانب المجاهدين وسيستهدف مواقع يعتقد أنها مخازن الصواريخ وسيمتد بيده الآثمة الى مقرات الحكومة المختلفة وعلى رأسها المقرات التابعة لوزارة الداخلية وغيرها ثم يكمل المخطط بتنفيذ اغتيالات لقيادات سياسية، وآخر ما يفكر به الاحتلال هو الاجتياح البري للقطاع؛ لأنه يدرك أن عملية برية لن تكون سهلة في ظل المعادلة الجديدة التي فرضتها المقاومة، وهنا الفت الأنظار إلى ملاحظة من خلال متابعتي للمشهد هو غياب طائرات الاباتشي من أجواء قطاع غزة خلال الفترة الأخير وهذا ليس اعتباطا من قبل الاحتلال ولكن لأنه يتوقع أن يكون لدى المقاومة مضادات ارض جو وطائرات الاباتشي تكون سهلة لهذا النوع من المضادات والتي يتوقع الاحتلال أن يكون لدى المقاومة صواريخ سام 7 وسام 18 وهو سلاح يحمل على الكتف، ومن هناك يصبح الهجوم البري بحاجة إلى حسابات كبيرة ويصعب ان يكون في ظل عدم وجود غطاء جوي من طائرات الاباتشي.
من المتوقع أن تستمر العملية حتى نهاية الأسبوع أكثر أو اقل بقليل ستعود الأمور إلى حالة الهدوء ملكن بمعادلة مختلفة، لأن هذا العدوان ليس نهاية المواجهة مع الاحتلال ولكنها حلقة في سلسلة حلقات متواصلة من الاعتداءات من قبل الاحتلال ودفاع عن النفس من قبل المقاومة وتبقى جذوة المقاومة مشتعلة في انتظار اكتمال حالة التغيير وتتغير المعادلة في دائرتها الأوسع وسيكون هناك حديث آخر مختلف عما يجري اليوم.
*مصطفى الصواف – المركز الفلسطيني للاعلام