في نهاية سبعينات القرن الماضي وتحديدا بعد اشهر من انتصار الثورة الاسلامية الشعبية الايرانية واسقاطها لرأس النظام الشاهنشاهي بما مثله من طاغوت داخلي وكلب حراسة للامبريالية الامريكية اقليميا وقام 'الطلبة السائرون على نهج الامام' بالاستيلاء على ما سموه وقتها بـ 'وكر الجاسوسية' الامريكية اي مقر سفارة الولايات المتحدة في طهران قرر الرئيس جيمي كارتر رئيس الادارة الديمقراطية الحاكمة وقتها ارسال كل من رمزي كلارك وويليم ميللر على عجل للقاء زغيم وقائد الثورة الجديد في محاولة للتفاهم معه على 'تسوية' او حل ما لقضية الرهائن، سارع الامام الراحل الطلب من احد حوارييه ان يأتي اليه بورقة وقلم وكتب نص الرسالة التالية دون ان تبدأ بالبسملة :
'لقد نمي الي بان ممثلين لكارتر في طريقهم لايران بهدف الالتقاء بي في مدينة قم، لهذا وجدت من واجبي ان اذكر بان الادارة الامريكية التي احتضنت الشاه الفار- انما اعلنت معارضتها الفاضحة لايران، ومن جهة اخرى وحسب ما قيل بان سفارتهم كانت تعمل بمثابة مقر لتجسس اعدائنا على ثورتنا الاسلامية المقدسة، لذلك ليكن في علمكم بانه لن يكون هناك اي لقاء لهؤلاء الموفدين الخاصين معي باي شكل من الاشكال، اضافة الى ذلك فانه:
1 ـ لا يحق لاعضاء مجلس قيادة الثورة الالتقاء بهؤلاء ابدا .
2 ـ لايحق لاي مسؤول حكومي ان يلتقي بهم .
3 ـ اذا ما قامت امريكا بتسليم الشاه المخلوع وهو العدو رقم واحد لشعبنا العزيز، للدولة الايرانية وتوقفت عن اعمال التجسس على ثورتنا فان طريق المحادثات يمكن ان يفتح حول بعض من جوانب العلاقات التي تفيد شعبنا روح الله الموسوي الخميني' وبالفعل فقد عاد الرجلان ادراجهما من تركيا التي كانا قد وصلاها دون ان يتمكنا من الاجتماع باي احد ناهيك عن الدخول في اي مفاوضة مع اي مسؤول حكومي!
ونحن من جهتنا اليوم اذ نستحضر هذه الحادثة المهمة والمثيرة في دلالاتها انما لنقول لمن يسيل لعابه في ايران او في كثير من بلدان الثورات او الانتفاضات العربية او الصحوة الاسلامية سموها ما شئتم لنقول بان القيادة الايرانية عندما اتخذت مثل هذا الموقف في حينه لم تكن تمتلك من مقدرات القوة والاقتدار الا القليل، وهي كانت لا تزال طرية العود ومحاطة بكل اشكال وانواع الاعداء والخصوم الاقليميين، وفي اوضاع اقتصادية وامنية لا تحسد عليها، ما كان يمكن اتخاذه مبررا لاتخاذ قرار مغاير تماما يضعه الكثيرون اليوم في باب السياسات 'الواقعية' او في باب 'ضرورات الانحناء امام العاصفة' او ما شابه من تبريرات الخضوع والركون الى الامر الواقع الذي اتخذته وتتخذه كثير من قيادات ونخب السياسة الثورية العربية والاسلامية اليوم، بحجة ان و'ما حيلة للمضطر الا ركوبها'!!
لا يا سادتي الكرام، ليس هذا هو منهج الثوار والمناضلين ولم يكن يوما، فالثورة في الاساس هي على الواقع المر والصعب والمعوج والانطلاق نحو اللامتعارف واللامألوف والذي لا يعرف المستحيل!
هكذا فعل الفيتناميون عندما قرروا الصمود امام اعتى واشرس امبريالية حربية مدمرة!
وهكذا فعل الفتحاويون يوم انطلقوا من الصفر امكانات وكسروا حاجز الحكومات العربية التي باعت فلسطين بالخديعة والتزوير!
وهكذا فعلت حركة الجهاد الاسلامي، وهكذا فعل الحمساويون، وهكذا صبر وصابر ثوار العراق والافغان وقبلهم الجزائريون في ثورة المليون شهيد، اليس كذلك؟!
حتى على مستوى الحكومات الم تتخذ كل من مصر وسوريا قرارا غير مألوف وغير متعارف وغير متوقع فاجأ العالم كله في حرب رمضان تشرين الشهيرة قبل ان يسرق نصرهما المظفر الحرامية والمتخاذلون والمتآمرون من انصار 99 في المائة من اوراق الحل بيد امريكا ؟!
انه صراع الارادات يا ثوار العروبة والاسلام، وهو صراع ينظم العلاقة بين كل الثورات والحكام من جهة مع الناس والجمهو اي جمهور!
اليس من حق الجمهور الموالي للحكام القدامى كما الجدد، كما الموالون او التابعون او الانصار لاولئك الذين يحلمون او يتعطشون للسلطة او ممن غرقوا في ملذاتها حتى النخاع ان يسألوا اليوم وبصوت عال:
منذ متى كانت الثورة وسيلة للتقاتل بين اطياف الشعب الواحد بدل ان تكون طريقا لقتال الغازي والمحتل؟!
ومنذ متى كان مسموحا التحالف مع العدو الاساسي والاجنبي المعروف لعامة الامة ضد جزء من مكوناتها ايا تكن المبررات وامامنا نموذج المجاهد الجزائري الكبير عبد الحميد بن باديس يوم قال: والله لو طلبت مني فرنسا ان اقول لا اله الا الله لرفضت!
فكيف اذا طلبت مني ان امزق شعبي واقتل على الهوية وادمر بلدي واقبض اجور ممارسة الفتن والحرب بالوكالة عن الاجنبي من اجل اسقاط سلطة ايا كانت، فماذا ستكون سمات سلطتي الثورية الجديدة بعد كل ما ارتكبته من محرمات ومجازر وحروب ابادة ؟!
ومنذ متى كانت الرجعية وكان الاستعمار وكانت الصهيونية وكان الملوك والاباطرة وامراء بيع المواطنين وثروات الامة في سوق النخاسة الدولية هم انفسهم من يرعون ثورات الحرية والتحرر والدفاع عن حرية التعبير وحقوق الانسان وارساء دعائم الحكم الديمقراطي ناهيك عن الحكم الشوروي الاسلامي؟!
اليس فينا رجل رشيد، يلفظ هذه المهزلة من ساحات وميادين الثورات العربية والاسلامية ويرفع صوته عاليا : كفى تجارة بالثورة والثورات، وكفى ركوب موجة عشق الناس وتوقهم للتغيير، واعلاء الصوت بما فيه الكفاية بان الناس باتت صاحية والله وهي تريد التغيير نحو الامام وليس نحو الوراء!
نعم هي تريد القطع مع عصر الغرب الاستعماري وعصر ربيبته الكيان الصهيوني وعصر وكلائه المحليين، ومن ثم مع عصر المستبدين والديكتاتوريين، وانه لا حرية ولا ثورة ولا تغيير ولا تحول ولا رقي ولا تقدم مع تجار شبعوا من سرقة الثروات بالمفرق وهم اليوم بصدد سرقة الثورات بالجملة!
اليس فينا رجل رشيد يصرخ باعلى صوته : لا تحرر ولا ثورة ناجحة ولا حرية ولا ديمقراطية ولا حقوق ما لم تتم القطيعة مع امريكا والصهيونية ووكلائهما المحليين الصغار؟!
اليس فينا امل دنقل جديد يقول للثوار الكسبة:
لا تصالح وان توجوك بتاج الامارة !
اكل الرؤوس سواء؟!
ايتساوى رأس برأس؟!
ترى لو خرقوا عينيك!
وثبتوا مكانهما جوهرتين !
اترى؟!
هي اشياء لا تشترى!