ثمة'خبرية' قوية تداولها ايضا الديبلوماسيون والاعلاميون المقيمون في بيروت خلال نفس الفترة مفادها بان ما سمته قوى المقاومة والممانعة بـ 'الانقلاب الفاشل' لقوى 14 آذار على حكومة الرئيس ميقاتي انما تعثر وفشل لان 'تقييما' دوليا اجمع على ان مثل تلك الخطوة 'المجنونة والرعناء' كما ورد في التقرير كان يمكن ان تحول لبنان فعلا الى 'قوة مشتركة' من الجيش والمقاومة تخرج 14 آذار نهائيا من الحياة السياسية وتنهي معها اليونيفيل وتحاصر المتطرفين منهم في 'زاوية شمالية' لن تطول امد سيطرتهم عليها!
ايا يكن واقع حال 'الخبريتين' الا ان القدر المتيقن منهما ان العالم الغربي بل وابعد من ذلك ما كنا ولا زلنا نسميه ب'معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية' اي يضاف الى المذكور اعلاه كل من روسيا والصين ايضا بات لديهم شعور مؤكد، بان اي تحرش 'واسع النطاق' باي من اطراف محور المقاومة سيشعل بالضرورة حربا ضروسا من النوع 'غير المتماثل' او غير المتقارن يمكن ان يطيح بتفاهمات يستعد لها الغرب مع روسيا والصين حول ايران وسوريا بعد الانتخابات الرئاسية الامريكية.
لذلك كله جاءت 'فشة الخلق' في خرطوم السودان تعويضا عن خيبة الامل الكبرى في الذهاب الى ما كان يسميه بوش بالوصول الى 'الجائزة الكبرى' اي فتح طهران!
لقد عملوا المستحيل ليحركوا الوضع الداخي في طهران بما تشتهي انفسهم وما استطاعوا النيل منها حتى في الشكل، اذ لم يتركوا مواجهات اليكترونية سايبرية وغيرها او معارك اقتصادية او مالية او حربا نفسية او احتيالية او تشويهية او ارهابية او اغرائية الخشنة منها والناعمة الا وخاضوها، غير ان القيادة الايرانية كانت لهم في كل مرة بالمرصاد!
صحيح ان 'الحروب' كانت بين كر وفر سقط خلالها شهداء لنا فيما كاد البعض من اهل الدار ان يقع فريسة الخدعة والاغراء حينا ويفرك البعض الآخرمن ضعاف النفوس او الجيران ايديه فرحا، لكن الحركة الاجمالية كانت تسجل تفوقا للجانب الايراني بالنقاط بكل امتياز في حرب الارادات او في القرار السياسي كما في الاقتصاد كما في كل اشكال حروب الادمغة، لسبب بسيط لا غير الا وهو ان الغالبية الساحقة من الشعب الايراني كما ورد في اكثر من استطلاع للرأي اجرته مؤسسات المجتمع المدني هنا، بانهم لن يسمحوا لبيرق الاجنبي ان يكون هو الخيمة التي تحميهم مهما اختلفوا على تركيبة البيت الداخلي!
ونضالات التاريخ الايراني المعاصرة تستحضر الآن بقوة في كل شوارع المدن والبلدات والدساكر الايرانية بقوة لاثبات قدرة الشعب على رفض املاءات الاجنبي.
انه شعب الامام الشيرازي الذي دخلت فتواه الشهيرة بتحريم التبغ المحتكر من جانب الانكليز في نهاية القرن التاسع عشرالى قصر ناصر الدين شاه وتنغص عليه 'شرب الشيشة ' بعد ان امرت زوجته بتكسيرها كلها قائلة له من حللك علي حرم هذا!
انه شعب زعيم انتفاضة المشروطة الشهيرة في بدايات القرن الماضي الشهيد آية الله العظمى فضل الله نوري الذي حين عرض عليه علم بريطانيا وسفارتها ليحميه من اغتيالات الروس القيصريين وغيرهم امام تحدي تحالف الروس والانجليز والعلمانيين المتحالفين معهم المصممين آنذاك لحماية ومساندة حكومة رضا شاه الملكية التي كانوا يعدون لترسيخها نموذجا يشبه اتاتورك، ان قال لهم يومها:
لقد عشت سبعون عاما في كنف راية الاسلام ولن اغير من نهجي ايا كانت التحديات:
ردوا العلم من حيث جاء!
انهم شعب آية الله السيد حسن المدرس الذي حرر المجتمع الايراني من سلطة الدولة العميلة والتابعة والمتغولة التي ارادت مصادرة الدين وتوظيفه في خدمة السلطان تحت ذريعة الفصل بين الدين والسياسة فما كان الا ان اطلق شعاره الشهير:
ان ديننا عين سياستنا وسياستنا عين ديننا، وبذلك اطاح بكل انواع فقهاء السلطان وجعل العالم هو السلطان الجامع للشرائط وهو حده من يمكن ان يكون 'قسيم الجنة والنار' اذا ما كان ولابد من احد يريد ان يلعب دور خليفة الله في الارض!
انهم شعب آية الله الكاشاني المناضل الشرس ضد الانكليز والمدافع الحقيقي عن تأميم النفط الايراني في خمسينات القرن الماضي والذي رفض ان يقع في فخ السذج من النخبة من راهنوا على الاستعماريين الجدد آنذاك من الامريكيين الذين حاولوا ان يخدعوا بعض ضعاف النفوس ليستبدلوا طاغية بطاغية وتبعية باخرى!
انهم شعب الامام الخميني الكبير الذي رفض ان يقيد حركته النهضوية بين مطرقة وسندان الحرب الباردة في نهاية السبعينات، ويطلق شعاره التاريخي الشهير: لا شرقية ولا غربية جمهورية نعم ولكن اسلامية، لا كلمة زيادة ولا كلمة اقل!
لذلك كله تراهم اليوم يقفون بكل اطيافهم وتلاوينهم وانتماءاتهم الفكرية والحزبية وا..... خلف قيادة امر عملياتها واضح لا لبس فيه ولا تأويل: لا مفاوضات ولا مساومة ولاتسوية ولا حتى اشارات من تحت الطاولة الا بعد الانتهاء من انجاز مهمة تحرير القدس وفلسطين!
وعليه كلما يتقدم الامريكيون خطوة نحوهم كلما يتصلبون اكثر فاكثر لانهم سرعان ما يشعرون باقتراب فخ الخديعة والاحتيال!
*محمد صادق الحسيني