ومع ذلك فما فتئت الانظار مشدودة الى المساعي السياسية للمبعوث الدولي الاخضر الابراهيمي والجهود المخلصة لمسؤولي الجمهورية الاسلامية وروسيا والصين ودول حركة عدم الانحياز، لاخراج سورية، هذا البلد المقاوم، من دوامة العنف الارهابي الممول خارجيا في جميع الابعاد.
والواقع ان ما يحصل حاليا في سورية والعراق ولبنان وايران ومناطق اخرى بالشرق الاوسط، يؤكد حقيقة الاعتقاد السائد بأن الاطراف الغربية ــ الصهيونية ــ وادواتها في المنطقة، تنفذ مشروعا تدميريا هداما، تحت ذريعة تطبيق الديمقراطية والحريات، الامر الذي يفضح النوايا الاستكبارية امام الرأي العام العالمي، باعتبار ان تحقيق مثل هذه الشعارات الحضارية، لا يأتي عبر فوهات البنادق والمدافع والتفجيرات والاعمال الانتحارية، ويستحيل تجسيدها باسم الاسلام، لانه دين قوامه السماحة والرأفة والاخوة والايمان، وبالتالي فان من السذاجة بمكان انخراط بعض المسلمين المغرر بهم في هذا المخطط المشبوه بدعوى "الجهاد" او "التضحية في سبيل العقيدة".
فـ "العنف الارهابي" الذي يحرق الاخضر واليابس، هو عمل طائش بلا دلالة ولاهدف، ويبرهن على ان فاعليه، لايمكلون حظاً من الوعي الديني والفهم الاسلامي للنصوص المقدسة (القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة).
في هذا المضمار ربما يبرر البعض ممن تلطخت ايديهم بدماءالناس الآمنين هنا وهناك ممارساتهم، بانهم انما يقدمون على القتل والانتحار والتفجيرات، بفعل "شرعية" الفتاوى الصادرة من واعظ حاكم قطر او من الوعاظ الوهابيين وهم الواجهة الدينية لآل سعود حکام بلاد الحرمين الشريفين . الا انه يتوجب ان يعرف الواهمون ان هولاء الحكام ووعاظهم هم ادوات طيعة للاملاءات والاوامر الصادرة من واشنطن و تل ابيب.
بيد اننا نرد على اولئک المخدوعين : ان الله تبارك وتعالى ورسوله الاكرم محمد (ص)، لم يأتيا في القرآن والسنة بأي نص يجيز قتل الابرياء وسفك الدماء وهتك الاعراض باسم الدين. ويشمل هذا التعليم السماوي المسلمين وغير المسلمين.
الا ان ما يقع من مجازر وجرائم واعمال بشعة، يقطع الشك باليقين بان وراء هذه السلوكيات الارهابية، ايادي استكبارية تحاول اخضاع الارادات الحرة لابناء الامة الاسلامية، وتعبيد ابنائها لفائدة اهداف قوى البغي والعدوان وعلى رأسها اميركا واسرائيل.
وبمتابعتنا الدقيقة والمتواصلة لمجريات الاعمال المسلحة ولاسيما في سورية، يمكن ان نستيقن بان هذه الاعمال، لا تعبر عن اية قيمة اخلاقية او حضارية او دينية، بل تؤكد بما لا شك فيه ان الحملة الشعواء التي يتعرض لها هذا البلد المناضل، هي بسبب مواقفه الرسالية الداعمة لقوى المقاومة في فلسطين ولبنان، وايضا نتيجة لتمسكه بحقوقه المشروعة على مستوى تحرير الجولان وجميع الاراضي العربية والاسلامية الاخرى المبتلاة بمصيبة الاحتلال والغزو والغصب، الآتية بفعل السلوكيات الغادرة والجبانة لتجار الحروب وزعماء الابادة والمجازر البشرية القابعين في اميركاواوروبا والكيان الصهيوني.
وازاء ذلك لم يتردد قائد الثورة الاسلامية عن التحذير من هذه المؤامرة الدولية، وذلك حينما خصص معظم ندائه الى الحجاج الكرام في مراسم "البراءة من المشركين"، للازمة المفتعلة في الشقيقة سورية وللتحركات السرية والعلنية الرامية الى تسعير الفتن الطائفية والمذهبية في العالم الاسلامي.
فقد اوضح الامام الخامنئي في خطابه الموجه الى ضيوف الرحمن بصعيد عرفات (ان اميركا والصهيونية ومعهم عملاؤهم في المنطقة، يخلقون الازمات في سورية، ابتغاء صرف الاذهان عن المشاكل الكبرى في بلدانهم والاخطار المحدقة بهم) مؤكدا سماحته على (ان الانتقام من سورية مرده صمودها بوجه الصهاينة الغاصبين ودفاعها عن فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان طيلة العقود الثلاثة الماضية) مشددا على (وقوف الجمهورية الاسلامية الى جانب الشعب السوري وحكومته).
ولم يفت السيد الخامنئي التذكير بأن (ايران تساند الشعب السوري وتعارض أي تحرك أوتدخل اجنبي في هذا البلد) مضيفا ان (الاصلاح يجب ان يتحقق في سورية عبر تضافر جهود شعبها دون غيره وبآليات وطنية بحتة) مشيرا سماحته الى (ان الحرب الداخلية في هذا البلد والمذابح التي تطاول الشباب المسلم بايدي بعضهم البعض، جريمة بدأت بتحريض وايعاز من اميركا والكيان الصهيوني واتباعهما من حكومات ، وهم لايزالون ينفخون في نيرانها).
مما مضى علينا ان نتفق علي : ان اميركا واسرائيل والانظمة الاقليمية المتآمرة معهما على سورية، يخوضون خوضا اليوم في دماء المسلمين والعرب بالشرق الاوسط، تحت شعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وهم لا يوفرون أية وسيلة دنيئة او اموال او اسلحة او مساعدات لوجستية أو استخبارية، لايصال هذا البلد المقاوم الى الانهيار والسقوط، من أجل ان يتسنّى لهم من بعد الانصراف الى تدمير مواقع المقاومة والممانعة الواحد تلو الاخر.
بيد ان الصمود السوري ودعم احرار العالم لهذه القلعة المنيعة في المنطقة، احبطا التكالب الاستكباري المسعور، لسبب واحد وهو ان الاطراف الدولية المعادية فضحت نفسها بنفسها، حينما كشفت لابناء الامة العربية والاسلامية عن مآربها الشريرة والهدامة على مستوى اغراق المنطقة بالفوضى والاضطرابات والارهاب المنظم تحت يافطة نشر الديمقراطية والحريات، وعليه فانها لم ولن تقيم وزنا لكل ما يمكن ان يؤدي الى استتباب الامن والاستقرار وتعزيزاللحمة الوطنية ، لا في سورية ولا في أي موقع جيوسياسي آخر يشكل مصلحة للاستراتيجية الصهيواميركية.
حميد حلمي زادة