اللافت ان المواقف الاستفزازية التي يضطلع بها "حزب العدالة والتنمية" بزعامة السيد رجب طيب اردوغان، بدأت تثير حفيظة واستنكار الشعب التركي واحزابه الوطنية، في مجابهة دوافع "الوظيفة" التي يمارسها زعماء هذا الحزب الذي يعتنق بطريقته الخاصة عقيدة تنظيم (الاخوان المسلمين)، في الوقت الذي يعتبر مرشده العام المصري الشيخ احمد بديع (الجهاد لتحرير القدس وفلسطين) اولى الاولويات في الوقت الحاضر.
الملاحظ ان الحكومة التركية التي بدأت تتحسس اخفاقات ما يسمى بـ "الجيش السوري الحر"، والمجموعات التكفيرية المسلحة على مستوى احراز "مكاسب ميدانية" في الداخل ولاسيما في حلب ودمشق، لم تتورع عن التدخل المباشر طرفا في هذه الحرب الاميركية ــ الاسرائيلية ــ الخليجية، وذلک بفعل الضغوط السياسية والاقتصادية والاعلامية والاشتباکات الحربية واعمال الحظر والاختراقات اللوجستية والامنية التي تقوم بها انقرة منذ اندلاع الازمة الداخلية في هذا البلد، لصالح من يعتبرهم حزب العدالة والتنمية "اخوانا مسلمين".
ويعزز هذا الاعتقاد التقارير الاخبارية والمعلوماتية التي نشرتها صحيفة "صباح" التركية يوم السبت 13/10/2012 كشفت عن قيام حكومة اردوغان بنقل فريق صواريخ (استينجر) الاميركية الى الحدود السورية، كما اكدت على ان الاستعدادات العسكرية على الحدود، تحولت الى درجة "اللون الاصفر"، من ثلاث درجات هي الاخضر والاصفر والاحمر - معلنة - عن وصول 25 طائرة حربية طراز «إف 16» من قواعد جوية مختلفة غربي تركيا إلى قاعدة ديار بكر، إضافة إلى وصول 60 دبابة ليصل مجموع الدبابات المنتشرة على الحدود بين البلدين إلى 250 دبابة.
وفي الواقع فان هذا التوجه التركي المعادي لسوريا، والاستفزازي للعراق ــ بشكل آخر ــ يتنافر کليا مع عقيدة وزير الخارجية (احمد داوود اوغلو) السياسية التي تم تسويقها انطلاقا من مبدأ" تصفير المشاكل والخلافات مع دول الجوار".
اذ ان السلوکيات والمواقف التي تنتهجها انقرة مع دمشق وبغداد، تتناقض كليا مع تلك العقيدة. فقد استحال العثمانيون الجدد بفعل السلوكيات التصعيدية ضد كلا البلدين، الى اذرع ضاربة لا تتردد في تمزيق اوصال جيرانها، تحقيقا لغاياتها المزعومة على مستوى اطماع تركيا في مدينتي الموصول وكركوك العراقيتين في جانب، وتحت ذريعة دعم "الاخوان المسلمين" و"الثورة السورية" في جانب آخر.
ومما لاشك فيه ان التحالف الاميركي ــ الاوروبي ــ الاسرائيلي من جهة والسياسات الطائفية السعودية ــ القطرية ـ الاردنية من جهة اخرى، يلعبان اليوم على وتر عوامل المغامرة والرعونة والطيش وحب السيطرة في "العقلية التركية"، لتضخيم المشكلة الداخلية السورية اكثر فاكثر، وزج انقرة في اتون حرب دولية لا ناقة للشعب التركي فيها ولاجمل، وبما يؤدي الى تكريس النعرة الطائفية والعرقية في بلاد الاناضول التي يفترض بها ان تكون قد انقرضت مع وصول حزب العدالة والتنمية الى سدة الحكم.
على أن ما يقوم به وعاظ السلاطين وعلى رأسهم "الشيخ يوسف القرضاوي"، من تسعير للفتنة المذهبية، واطلاق للفتاوى المحرضة على الاقتتال الاسلامي ــ الاسلامي، يشكل الطعنة الغربية ــ الصهيونية الاكثر ايلاما للامة المحمدية الكريمة، باعتبار ان فتاوى رئيس ما يسمى المجلس العالمي لعلماء المسلمين الصادرة من قطر وهي محمية عسکرية واستخبارية اميركية اوروبية، وفتاوى زعماء الوهابية والتكفير الصادرة من تحت مظلة "آل سعود" وهم المعروفون بانهم صنيعة نظام الاحتكارات البترولية الغربية، والمؤتمرون ــ دون قيد او شرط - باوامر صانعي القرار في واشنطن وتل ابيب، نقول ان هذه الفتاوى من شأنها ان تزيد من شلالات الدم في العالم الاسلامي. ومن المؤكد ان "اسرائيل" الغاصبة لفلسطين والقدس الشريف، ستكون المستفيد الاول من تداعيات هذه الفتنة السوداء ومنعكساتها على عموم الامة ولاسيما على مسيرة الصحوة الاسلامية المعاصرة.
حميد حلمي زادة