الفكرة الفرنسيّة للتدخّل في سوريا: عقبات في طريق التطبيق

الفكرة الفرنسيّة للتدخّل في سوريا: عقبات في طريق التطبيق
الثلاثاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٢ - ٠٣:٠٠ بتوقيت غرينتش

لا يخفي المراقبون «إعجابهم» بالفكرة التي يسوق لها الفرنسيون للتدخل في سوريا، والمبنية على إيجاد مناطق يسيطر عليها الثوار لتكون نواة لحكومة مؤقتة «تطلب حماية» من الدول الداعمة لها. ويزداد إعجابهم أمام «التنميق» الدبلوماسي الذي تُنسج بواسطته الفكرة ليتم تسويقها ضمن إطار المساعدات الإنسانية. فحسب مصدر فرنسي رفيع المستوى، فإن المطلوب ليس فقط مناطق مترابطة جغرافياً بل مطلوب أيضاً «أحواضاً سكانية» بمعنى تجمعات سكانية تبرر «مبدأ الحماية» وتأمين وصول المعونات.

مختصر الفكرة، التي بدأت تتطور مع بيانات الثوار حول «المناطق المحررة»، هو تجاوز مجلس الأمن والولوج إلى سوريا من باب «القانون الإنساني»، أي «مجموعة القواعد الدولية التي تهدف إلى حماية المحاربين والمدنيين أثناء النزاعات المسلحة، لاعتبارات إنسانية»، والانطلاق استجابة لنداء استغاثة السكان في مناطق تسيطر عليها الحكومة المؤقتة العتيدة.
إلا أن «الفكرة الفرنسية»، رغم أنها بدأت تشق طريقها إلى قناعات دوائر القرار الغربية، التي عارضت وما فتئت تعارض التدخل المباشر في سوريا، فهي تحمل ببواطنها نقاط ضعف متعددة.
1) إن المناطق المحررة، وإن وجدت، فتكون محررة لساعات أو في أحسن الأحوال لأيام قبل أن يعود جيش النظام لـ«تطهيرها»، حسب تعبيره بعد قصف عنيف لا يفرق بين مدني وثائر، وهو ما نراه في الصور الخارجة من بلاد الشام.
2)  المناطق المؤهبة لتكون نواة «مناطق محررة» تمتد طوال إلى الحدود التركية، و«الأحواض السكانية فيها» إما كردية أو علوية. ولا يخفى على أحد أن الأكراد لا ينظرون بعين الرضا لأي تدخل يعتمد على القوة التركية، لا بل من المؤكد أنهم سوف يحملون السلاح للتصدي له. أما العلويون فهم، وإن لم يكونوا مؤيدين للنظام القائم في دمشق، فإن التأجيج المذهبي الذي يحيق بهم يجعلهم مترددين كثيراً في «طلب النجدة من قوى أجنبية»، ناهيك عن أن «ابناء عمهم العلويين في الشق التركي» غير راضين على منحى «الحرب» التي قلبت الموازين السكانية في مناطقهم.
3) بالطبع توجد مناطق «لا وجود فيها لأي قوة عسكرية تابعة للنظام» وإن وجدت فتكون منزوعة السلاح، إلا أن هذه المناطق هي ذات كثافة سكانية كردية وتحت سيطرة «كردية من دون أي منازع»، وهي التي يسميها الناشطون الأكراد «كردستان الغربي». فمدن مثل كوباني والقامشلي وعفرين والمالكية هي تحت سيطرة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي ويديرها، والمناطق المحيطة بها، «المجلس الشعبي الوطني لغربي كردستان» عبر إدارة ذاتية تمسك بكافة مرافق الحياة المدنية عبر لجان الحماية الشعبية.
تمثل هذه النقاط الثلاث البعد الجغرافي على الأرض الذي يعوق وضع الخطة الفرنسية حيز التنفيذ. ولكن توجد أبعاد أخرى، منها البعد الدبلوماسي. فالرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، لا يكف عن الترديد مقولة «لا تدخل من دون قرار أممي». وهو بذلك يضع نفسه في خطى الدبلوماسية الفرنسية التي تسعى جاهدة لتعزيز دور الأمم المتحدة في حل الصراعات الدولية، وهو ما قاد جاك شيراك للامتناع عن المشاركة في الحرب على العراق. وبالطبع لا يغيب عن أحد أن الهدف من هذه الفكرة هو إيجاد مخرج لهذه العقبة يبرر تجاوز مجلس الأمن.
إلا أن البعد الأهم هو بعد سياسي، وهو ناتج عن «تعقيدات الوضع السوري». رغم أن فرنسا كانت من مؤيدي إقامة منطقة الحكم الذاتي في العراق، نراها ويراها الأكراد «فاترة الهمة» بالنسبة لأكراد سوريا. فالأكراد لم يلقوا أي أذن صاغية لدى باريس في بداية الثورة بسبب «الخوف الذي اعترى دبلوماسيي الكي دورسيه من إغضاب المجلس الوطني السوري». فباريس تبدو حاضنة للمجلس، وبالطبع لا يكفي اختيار عبد الباسط سيدا في منصب الرئيس كي ترضى الفئات الكردية المتنوعة.
«الخوف الفرنسي» لا يقتصر على ردات فعل المجلس، بل إن قسماً كبيراً من المعارضة التي لا تتوافق مع المجلس إلا على رفض مطالب الحكم الذاتي للأكراد، وإن كان الرفض بأشكال متنوعة ومتدرجة ومتفاوتة.
وتسعى باريس لعدم إثارة نفور حلفائها، وتأتي تركيا بالدرجة الأولى، وهي التي لا تخفي تهديداتها باحتلال المناطق الكردية السورية في حال أُعلنت مناطق حكم ذاتي. ثم يوجد تخوف من «تشجيع العلويين على المطالبة بحكم ذاتي»، وهو ما يفتح أيضاً باباً على إطالة الصراع. ناهيك عن أن «مسبحة الأقليات» طويلة، كما يقول أحد خبراء المنطقة، وهذا يمكن أن يصل إلى لبنان قبل أن يرتد إلى العراق حيث يطالب التركمان بـ«وضع خاص». وبالطبع لا يناسب هكذا توجه حلفاء فرنسا الخليجيين حيث يمكن أن يؤجج مطالب قد يصعب وصفها بـ«إنفصالية»، ولكنها تفتح قمقماً يخرج منه عفريت تفتيت المنطقة.
*بسام الطيارة