فقد تدرجت طهران خلال العقدين الماضيين، لاسيما في اعقاب فترة الدفاع المقدس ولجم غطرسة الطاغية صدام حسين (1980 ــ 1988)، باعتماد سياسة الاستعداد والتأهب وتلبية متطلبات التسلح الدفاعي، وفقا لما تمليه الثورة المعرفية العالمية في جميع الابعاد والاختصاصات.
فالثابت ان تزايد وتيرة الضغوط والعقوبات والحصارات السياسية والاقتصادية والعلمية، حفز العلماء والخبراء والمبدعين الايرانيين على التسابق باقصى سرعة مع كبريات القوى والاطراف التي احتكرت لنفسها اسباب القدرة والتدمير والبطش، لفائدة نزعة الاستكبار والتدخل في شؤون الدول الاخرى ولاسيما في الشرق الاوسط والخليج الفارسي حيث مصدر امدادات الطاقة (النفط والغاز) الى العالم الغربي.
وكان لظهور عامل الحرب الالكترونية ، دور حاسم في موازين القوى الدولية، الامرالذي ادركت طهران كنهه وتأثيره البالغين منذ البداية، وهو ما استنفر الطاقات الايرانية الشابة للردّ على التحديات الاميركية والاوروبية والاسرائيلية التي كانت ومافتئت السباقة في العدوان على الجمهورية الاسلامية ومنجزاتها التقنية والنووية السلمية وعلى بناها التحتية المعتمدة في ادارتها وتشغيلها وصيانتها على المعارف الالكترونية والكامبيوترية.
في هذا المجال لا نبالغ اذا قلنا ان قدراتنا المعرفية اكثر براعة مما قد يعلن او يسرب بين الفينة والاخرى، ولاشك في ان تصعيد المواقف العدائية الغربية والصهيونية، سوف يزيد في زخم التحدي والاثارة في نفوس العلماء الايرانيين، ابتغاء ايقاف الاشرار الدوليين عند حدودهم، وافهامهم بان العبث بامنهم الوطني والاقليمي خصوصا والاسلامي عموما، لن يكون نزهة ابدا.
ومما يلفت الاهتمام هنا هو ان الجمهورية الاسلامية التي اثبتت حتى الان جهوزيتها الدفاعية في مختلف الاختصاصات العسكرية والتقنية، تطبق هذا الحق المشروع في اطار القوانين الدولية وميثاق الامم المتحدة ومعاهدة حظر الانتشار النووي (ان بي تي)،ودون ان تفسح ادنى مجال للشك في سلمية انشطتها التكنولوجية والفضائية.
بيد ان زعماء التحالف الاميركي ــ الاوروبي ــ الاسرائيلي وعملاءهم الاقليميين اخذوا وانطلاقا من عقدة الحقد والحسد والخصام حيال تعاظم القدرات الاسلامية الايرانية، يكثفون من تحركاتهم وممارساتهم اللاحضارية واللااخلاقية للاطاحة بهذه (القدرات)، او احتوائها او تحييدها، لصالح "المؤامرة الصهيوغربية" الرامية الى تدمير سورية باعتبارها الخط الامامي لجبهة قوى المقاومة والممانعة في العالم الاسلامي.
بهذا الشكل الاستكباري المفضوح، يسعى اعداء الامة الاسلامية الخارجيون والداخليون الى تحديد احداثيات القضاء على مكونات هذه (الجبهة المجاهدة) الواحد تلو الاخر. بيد ان ايران التي تتصدى بكل قوة لهذه المؤامرة الخبيثة، تمكنت من فك رموز الحرب الالكترونية فيها ، واصابت بمقتل اهدافا الكترونية حساسة، حاول الاعداء استخدامها لتعطيل قدراتها وانجازاتها وبما يؤدي الى تدمير كل ما حققته الارادة الاسلامية الحرة في نطاق الدفاع عن النفس وحماية جبهة قوى المقاومة في المنطقة.
ولعل من المهم القول (والخطاب موجه الى اولئك الجيران المتواطئين مع العدوان الاطلسي ــ الاسرائيلي) ان التمادي في خدمة المخططات الاستكبارية هو خطأ قاتل ما لم يتم تداركه، لانه عندما يجد الجد فإن عليهم ان يدفعوا ثمن التفريط والغدر بالجيرة والقواسم المشتركة الكثيرة لدول المنطقة وشعوبها، وقد يكون من غير المستغرب اذا ما حرموا من نفحة عطف او عفو حين يواجهون باللغة الرادعة لسلوكياتهم المعادية.
*حميد حلمي زادة