السعودية وقطر.. علام تختلفان؟

السعودية وقطر.. علام تختلفان؟
السبت ٠٦ أكتوبر ٢٠١٢ - ٠٦:٤٤ بتوقيت غرينتش

بين الدوحة والرياض، عاصمتي «حركة التحرر الوطني العربية»، خلاف غير معلن على صورة المستقبل السياسي الذي تهندسه سياسة «الفوضى الخلاقة» منذ نيف وعام، فالدولتان الراعيتان لـ«الثورات» العربية، رعاية سياسية ومالية، إلى جانب «الشقيقة» التركية، تتفقان في وجوب إزاحة النخب السياسية الحاكمة بدون رضى الدولتين، وتختلفان على حصة كل منهما في النظام الجديد القائم، او الذي قد يقوم، على انقاض السابق.

والقناتان الفضائيتان المملوكتان للدولتين («الجزيرة» و«العربية»، او «الجزيرة العربية» اختصاراً)، تتزاحمان بالمناكب لتقسما المجال لممثلي الدولتين من «الثوار» في بلدانهم، ولألسنتهم من «المثقفين» أو «المفكرين»، ومن الصحافيين والاعلاميين، ومن «الباحثين الاستراتيجيين»، للتباري في قراءة فنجان المرحلة القادمة، وتلميع أحصنة الرهان عند كل دولة من الدولتين. ولا بأس ـ في الاثناء ـ من كيل المدائح لوقوف هذه او تلك، اكثر من غيرها، وراء «الثورة» وللثناء على العمل الاعلامي «الجليل» لهذه الفضائية او تلك لخدمة قضية «التغيير الديموقراطي»...

وليس من شك في ان الدولتين، اللتين ترعيان «الديموقراطية» في بلاد غيرهما لا في بلديهما!، تجتمعان على مصافي رهان واحد وعاقم يحمل اسم «التيار الإسلامي»، وعلى صعوده تنفقان بسخاء، و«في سبيل الله» ابتغاء مرضاته، لكنهما تنقسمان على حدود الانقسام داخل هذا التيار إلى فريقين فيه مختلفين، لتناصر الواحدة منهما الفريق الذي تهواه وتطمئن إليه.

 وليس معنى ذلك ان أيا من الدولتين تدين بالولاء لأي تنظيم إسلامي، وان خلافهما ينشأ، بالتبعة، من خلاف الإسلاميين، وانما القصد ان كلا منهما تجد هواها مع فريق بعينه دون آخر (كما هي حال السعودية)، او مع فريق بعينه أكثر من الآخر (كما هي حال قطر). أما الولاء فمن الإسلاميين يكون للدولتين اللتين انفقتا عليهم طويلاً، وهيأتهم لمثل هذه المرحلة، وسعتا لدى اميركا لقبول التعامل معهم والوثوق بهم.

ليس سراً ان هوى قطر مع تنظيمات، او فروع، جماعة «الإخوان المسلمين» منذ زمن بعيد. ومن يزر الدوحة يعرف ذلك، وير ـ بالعيان ـ عشرات قيادات التنطيم، من الأقطار العربية كافة، تعيش هناك وتتمتع بحسن الضيافة.

 ثم إن قناة «الجزيرة» تعج بهم: مسؤولين فيها، او موظفين، او ضيوفا متعاقبين على نشراتها الإخبارية وبرامجها «الحوارية». وتكاد الدوحة تكون المقر الرسمي لاجتماعات التنظيم الدولي لـ«الإخوان المسلمين»، وهي ـ قطعاً ـ مقر لسانهم «الفقهي» ـ الإفتائي.

وعلى طريقتها في الجمع النافر بين المتناقضات، لا ترى الدوحة حرجاً في استضافة قيادات «الإخوان» جنباً إلى جنب، وأحياناً في الفندق نفسه، مع «المكتب التجاري الإسرائيلي» وغيره من المؤسسات الصهيونية، ومع القاعدة العسكرية الأميركية في العيديد (وهي الأكبر في كل منقطة الخليج)! فهؤلاء جميعا يفيدونها عند الضرورة!

ثم ليس سراً ان هوى السعودية مع السلفيين لأسباب تتعلق بمكانة المؤسسة الوهابية في الدولة منذ تكوينها، وتتعلق ببرنامج «نشر الدعوة» في العالم، الذي ترعاه المؤسسة وتنفق عليه الدولة، ويستفيد من جزء منه طيف واسع من الحركات السلفية في الوطن العربي والعالم الإسلامي.

 ومع ان السعودية تعاملت، في فترات مختلفة، مع «الإخوان المسلمين»، وأوت قياداتهم، وقدمت لهم الدعم في مواجهتهم لعبد الناصر وحافظ الأسد والقذافي، إلا انها لا تطمئن لهم كثيراً، كما ان علاقتها بالمؤسسة الوهابية لم تسمح لها بأن تتجاوز رأي الأخيرة في «الإخوان»: كما فعلت قطر.

الخلاف صامت بين الدولتين، اليوم، على حصة كل واحدة منهما في نظام الآخرين (في تونس، ومصر، وليبيا)، وهما تسعيان في كتمانه، وفي ضبط توترات العلاقة الإخوانية ـ السلفية في تونس ومصر، وفي كل «ثورة» يحتل فيها هؤلاء «الإخوة الأعداء» مكاناً، حتى لا تنفجر فيجبرهما انفجارها على مواجهة سياسية واعلامية لا ترغبان فيها.

غير ان هذه الهدنة موقتة، وهشة، و ـ بالتالي ـ قابلة للانكسار، لأن أسباب هشاشتها تقيم في قلب التفاهم الشكلي بين «الإخوان» والسلفيين، لكنها تقيم ـ أيضاً ـ في صلب التفاهم الموقت بين الدوحة والرياض، على «نشر الديموقراطيته» في بلاد الآخرين، والذي كاد (أي التفاهم) ينفجر في اليمن.

أليس مشروعاً ان يتساءل المرء، اليوم، عن مدى قدرة هذا التفاهم بين الدولتين على ان يصمد امام امتحان الصدام الإخواني ـ السلفي على أبواب السفارات الاجنبية، هل ستتدخل العاصمتان لضبطه، ام سيطفح كيله عليهما فيفسد الود و«القضية»؟!

عبد الإله بلقزيز/باحث وأكاديمي ـ المغرب