طبعا كان الهدف من (الهيلمان) الإعلامي هو محاولة اقناع / تضليل الرأي العام العربي والدولي بأن النظام جاد في قبول توصيات اللجنة وما يترتب عليها، لكن الهدف الحقيقي من القبول الإعلامي (الشو) هو مجرد قبول شكلي دون المحتوى، فهو يقول للعالم انني قبلت بالتوصيات وفقط عند هذا الحد، لكن التنفيذ لن يتحقق.
وبالفعل لم يتحقق، فبعد مرور قرابة سنة وعلى الرغم من قبول النظام بتوصيات لجنة بسيوني وعلى رؤوس الاشهاد والإعلام فإنه لم ينفذ شيئا ملموسا من تلك التوصيات وخاصة ماهو جوهري في هذه التوصيات، لا بل قفز عليها بتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات من شخصيات موالية، وغير قادرة على تنفيذ حتى توصية واحدة من قبيل اعادة المفصولين مثلا او اطلاق سراح معتقلي الرأي وقيادات الانتفاضة او الكف عن اطلاق النار على المتظاهرين او منعهم من التظاهر.
وبعد مرور الوقت اصبحت توصيات لجنة بسيوني مجرد حبر على ورق وقد تنصل النظام من التزاماته وقبوله بهذه التوصيات، واصبحت في فقه النظام من مخلفات الماضي. وممارسات النظام قبل التوصيات وبعدها هي، هي تجاه الاحتجاجات لم تتغير حيث المعالجة الامنية / القمعية هي سيدة الموقف، ولم تعدّل في ممارساته وعنفه تلك التوصيات / الإدانات أي شيء على الاطلاق.
هذا فيما يخص قبول النظام بتوصيات لجنة بسيوني. اما اليوم وبعد مرور قرابة سنة فهو يقبل ايضا وعلى مضض بتوصيات اخرى هي توصيات مجلس حقوق الانسان او بمعظمها من خلال جلسة المتابعة الدورية التي عقدت في 19 من الشهر الماضي في جنيف، وقبوله هذا في حد ذاته يعتبر ادانة اخرى له ولممارساته تجاه شعبه. لكنه في نفس الوقت سرعان ما يتنصل ويتملص من تنفيذه للتوصيات التي قبل بها. وينطبق عليه المثل (عادت حليمة لعادتها القديمة). القمع ثم القمع ثم القمع.
فهو يعتقد انه بهذا القبول يحاول ان يلتف على المجتمع الدولي، وكأنه يريد ان يقول انني قبلت ونفذت تلك التوصيات. ولكن شتان بين القبول والتنفيذ في ظل نظام محكوم بمنطق الاستبداد والدعم الدولي والامريكي خاصة. والقبول بالتوصيات لا يكفي.
ولكن للاسف الشديد ان النظام في الوقت الذي يقبل فيه بالتوصيات سواء تلك الصادرة من قبل مجلس حقوق الانسان او من قبل لجنة بسيوني قبل حوالي سنة، فإنه لا ينفذ شيئا من تلك التوصيات على الارض، بل يزيد الوضع تعقيدا من خلال ممارساته القمعية التي تتعارض مع التوصيات التي يوافق عليها. وفي الحقيقة إنه يلعب بالتوصيات ولا ينفذها، ويقول شيئا في جنيف، ويقول ويفعل عكسه في البحرين.
وهو بهذه الطريقة يستخدم اللف والدورات والكذب السياسي، بمعنى انه يعلن موافقته على التوصيات لكن هذه التوصيات ستظل حبرا على ورق، حيث التنفيذ سيتبخر مع الوقت وستنتهي المشكلة مع مرور الوقت.
لاشك ان اللف والدوران من قبل النظام هما من سماته، إلا ان ذلك ليس شطارة منه، بل هو نتيجة منطقية وموضوعية للدعم والتواطؤ الامريكي والبريطاني معه وتغطية ممارساته وهي ممارسات خطيرة، وتستحق العقوبات اسوة ببقية الانظمة القمعية .لكن فيما يبدو ان النظام مطمئن لوضعه ولنتائج ممارساته ونقض ما يلتزم به بسبب من ان الادارة الامريكية تعتبره حليفا استراتيجيا ولن تفرط فيه حتى لو اباد شعبه، فهو مدعوم من القوة الاعظم.
وهو يعرف ان السياسة الامريكية في منطقة الخليج "الفارسي" تجعل من مصالحها الاستراتيجية وتحالفاتها مع الانظمة وفي مقدمتها النظام البحراني اهم من حقوق الانسان في البحرين واهم من الربيع البحريني واهم من النضال من اجل الديمقراطية واهم من حقوق الانسان، ولن تخذله، ويكفي الاشارة في هذا السياق الى عدم تطرق اوباما في خطابه في الامم المتحدة الى الثورة البحرانية.
لذلك فإن النظام سيظل مستمرا في قمعه وعنفه المفرط وممارساته الامنية تجاه الحراك الشعبي ويده في الماء كما يقال، كما سيظل يقبل بأي نوع من التوصيات التي تدين ممارساته لكن دون ان تجد طريقها للتنفيذ او تؤدي الى تغيير نهجه، سيلتف عليها بالتأكيد، فقط لأن الامريكان لا يريدون ذلك ولن يزعجوا النظام بالضغط عليه لتنفيذها، وقضية الشعب البحريني ليست ضمن اجنمدتهم فيما يتعلق بالديمقراطية وتداول السلطة واحترام حقوق الانسان، فالنفط وصفقات السلاح اهم من شعب يناضل ضد نظام قبلي استبدادي. فدعم الديمقراطية والحكم الرشيد في البحرين ليست من شيم الامريكان. بالنتيجة ستظل كل التوصيات السابقة واللاحقة حاضرا ومستقبلا في مهب الريح وحبرا على ورق بالنسبة للنظام ورعاته.
هذا هو مصير توصيات لجنة بسيوني قبل سنة والمصير نفسه بالنسبة لتوصيات مجلس حقوق الانسان. وسيبقى الوضع على حاله وزيادة طالما ان النظام مدعوم امريكيا ومغطى بعباءته، ومرتاح لتغطية الحليف الامريكي الذي يعرف تماما انه سيهب الى نجدته متى ما تطلب الموقف ذلك .
فالتوصيات مهما كانت قوية، مجرد حبر على ورق اذا لم تجد الارادة الدولية لاجبار النظام في البحرين على تنفيذها، فهي ليست ذات قيمة، والارادة الدولية في هذه المنطقة من العالم هي امريكية / امبريالية بالدرجة الاولى حيث يتوقف فعلها وديمقراطيتها ودفاعها عن حقوق الانسان والشعوب عند ابواب العوائل الحاكمة في المنطقة.
اجل انها المصالح الامبريالية الاستراتيجية التي تجعل من ربيع الشعب البحريني المستمر منذ اكثر من سنة ونصف لا كجزء من ربيع العرب، انما تجعل منه شيئا من خارج الفصول والتاريخ وتتركه تحت رحمة النظام الخالي من الرحمة.
**يوسف مكي