فالعقل والمنطق يحكمان بأن من غير المألوف ان تواجه ايران اليوم، ذات الخطاب الطائفي والموقف التحريضي، التي واجهته قبل 33 عاما عندما اشعل الطاغية المقبور "صدام حسين" حربه الرعناء، ضد الجمهورية الاسلامية بتاريخ 21 ايلول سبتمبر1980، بدعوى "حماية البوابة الشرقية للامة العربية من رياح الثورة الاسلامية" أومن "الغزو الصفوي"، وغير ذلك من الشعارات الديماغوجية، التي سوقت آنذاك للعدوان على بلد مسلم جار اسقط بتضحيات خيرة ابنائه النظام الشاهنشاهي المتواطىء من قمة الرأس الى اخمص القدم مع المشروع الاميركي الصهيوني، واستهل اول مواقفه التحررية واعظمها بطرد سفارة "اسرائيل الغاصبة من قلب طهران واهدائها الى منظمة التحرير الفلسطينية لتكون اول سفارة لفلسطين على مستوى العالم اجمع في حينها.
وبالعودة الى لغة "الذاكرة"، وهي لغة يعتبرها الاستراتيجيون مصيرية غالبا على مستوى تمييز الاعداء من الاصدقاء، وفي وضع النقاط على الحروف، لا يسعنا ان ننسى أو نتناسى حجم الدعم المالي والمعنوي الهائل الذي قدمه زعماء بعض الانظمة العربية ولاسيما "الخليجية" منهم، الى صدام حسين، على امتداد السنوات الثمان لهذه الحرب الظالمة (1980ـ1988)، وما مارسته وسائل اعلامهم المرئية والمسموعة والمقروءة من تكبير وتضخيم وتعظيم ل"الطاغية"، حتى جعلوه يصدق في قرارة نفسه بانه اصبح "زعيما للامة العربية" و"حامي حماها"، ودون ان يشعروا طبعا ب"المصيبة" التي ستنتظرهم لاحقا جراء ذلك التبجيل الذي بلغ لدى بعض الجهلة والسفهاء "مرحلة التأليه"، والعياذ بالله.
فمن قائل (اعطني خوذة جندي عراقي وخذ الف أديب) ومن قائل (لولاك ما طلع القمر 000 لولاك مانبت الشجر) ونظير ذلك من الخزعبلات والتفاهات.
وهنا يمكن التعليق بان "الطاغية" انتهى الى "عقيدة" هي في الواقع لصيقة بنوازعه الشريرة، وهي عقيدة التصرف بالمزيد من التهور والاستعلاء والاذلال، لكل من طبل وهلل وسوق له، مطالبا اياهم باكثر مما هو متوقع لكي يمضي هو في تنفيذ سيناريوهاته التسلطية باسم الحرب على الجمهورية الاسلامية الفتية، مسوغا لنفسه اطلاق تسمية "قادسية صدام" عليها، وكأن ابناء ايران الذين يقاتلهم ليسوا من اهل (لا اله الا الله محمد رسول الله) ولا (من اهل القبلة).
اما زعماء انظمة البترودلار والاعلام المضلل، فانهم لم يعوا خطورة هذا الانذار، ولم يدركوا فداحة اخطائهم الا في الاعوام الاخيرة للحرب المفروضة على الجمهورية الاسلامية، وذلك بعدما ايقنوا بانهم يدفعون ثمن التحريض عليها وتسعيرها اضعافا مضاعفة، وبانها اخذت تعود وبالا عليهم في تهديد مراكز نفوذهم، واستنزاف ثروات شعوبهم، وانقيادهم لسلوكيات صدام حسين الطائشة التي حولتهم الى صعاليك واقزام واتباع خانعين امام شعوب المنطقة والعالم.
انها صورة تشبه الافاقة من المخدر الثقيل، واليقظة بعد ادمان طويل على الثمالة، فقد اخذ المعنيون بتأجيج هذه الفتنة، ولاسيما بعدما غزا "الطاغية" الكويت بتاريخ (2 أب 1990) في ليلة وضحاها، واستباحته كل شيء فيها، يشعرون بحصتهم في وقوع تلك الكارثة التي مهدت تلقائيا وبرغبة زعماء البترول الاعلام انفسهم، لتواجد الجيوش والاساطيل الاميركية والاوروبية والمراكز الاستخبارية الغربية والاسرائلية في منطقة الخليج الفارسي، استعدادا لطرد الطاغية وجنوده من الكويت، ومن ثم احتلال افغانستان والعراق لاحقا، وتلغيم الاوضاع والاجواء ضد الجمهورية الاسلامية كما هو ملاحظ في السنوات الاخيرة.
اللافت ان التصعيد الغربي الاسرائيلي ضد طهران، والذي بلغ مستوى التلويح بالحروب المعلنة والخفية، بدعوى امتلاك الجمهورية الاسلامية للتقنية النووية، وتطور قدراتها التسليحية الدفاعية، يلقى من الدعم السياسي واللوجستي والاعلامي والتحريض القومي الخليجي ولاسيما من قبل ال سعود وآل ثاني وآل خليفة بخاصة، ما يثير العجب العجاب والاستغراب الممزوج بالمرارة، باعتبار ان الانظمة البترولية هذه يفترض بها ان تكون قد اعتبرت من تجاربها المخزية الماضية، وما آلت اليه اوضاعها عندما تطوعت لمساندة بلطجة "الطاغية المقبور" بالمال والاعلام والسلاح وكل شىء، لكنها بالنتيجة دفعت الثمن غاليا، وهي ما فتئت تسدد ضريبة الجاهلية والتعصب والطائفية داخليا واقليميا ودوليا حتى يومنا هذا.
ثمة كلمة رائعة للامام علي (عليه السلام) تقول: ((ما اكثر العبر واقل الاعتبار))، والواقع ان بعض الانظمة العربية الخاضعة للاملاءات الصهيواميركية قد طبع على سمعها وبصرها بحجب سميكة من الضلالة والضياع والنسيان، فعادت تضرب على وتر الشحن المذهبي والقومي، وتجدد نفس المعزوفة الطائفية البغيضة للتشهير بايران وجميع قوى محور المقاومة والممانعة بوجه المشروع الصهيوني، مثلما كانت تفعل ابان دعمها الاعمى لشعارات صدام حسين وممارسته الخرقاء، حتى ذاق الاخير وبال امره في هذه الدنيا، سوى ما ينتظره هو ومن اتبعوه وآزروه من خزي وهوان في الاخرة بجريرة الدماء البريئة التي اراقوها نتيجة سلوكياتهم الخادمة للمصالح الاستكبارية في العالم الاسلامي.
ومثلما انتهى الدعم الخليجي ل"الطاغية" الى "لا شيء"، فان هذا الدعم للاستراتيجية الاطلسية سيكون محكوما هو الاخر بالفشل والهزيمة والمهانة، لان الجمهورية الاسلامية الان هي اقوى مما كانت في عام 1980 وايران اليوم، غيرها بالأمس، فهي عصية على التهديدات الغربية، وهي لا تقيم وزنا لاسرائيل وتعتبرها اتفه من ان تتجرأ عليها، الا اذا كانت "تل ابيب" تستعجل ازالتها من خارطة الشرق الاوسط، فتتحقق بذلك مقولة سيدنا الراحل الامام الخميني (قدس سره الشريف)، على يدي قائد الثورة الاسلامية السيد الخامنئي (دام ظله) وجند الله المؤمنين في كل مكان الذين يحترقون شوقا لانزال العقاب بالمجرمين الصهاينة واسيادهم، ولتأديب عبيدهم الاقليميين الذين عاودوا السباحة في المستنقع الطائفي، بيد انهم ربما لن يخرجوا منه هذه المرة.
ويقيننا ان شعوب الصحوة الاسلامية التي باشرت مهامها على مستوى تطهير المنطقة من التواجد الاطلسي مثلما هو حاصل في افغانستان وباكستان وليبيا ومناطق اخرى من آسيا وافريقيا، لن تسمح لمؤججي الفتنة الطائفية بتمرير مآربهم الفاسدة.
باختصار نقول: ان هذه ليست كل الحكاية، فالمستقبل يبشر بمتغيرات اخرى، ولقد آثرنا استعمال "لغة الذاكرة" في هذا المقال باعتبارها الاقرب الى الادراك والوعي والفهم، ولكي لا نكون مقصرين او ملومين ونحن نحتفي باسبوع الدفاع المقدس، اذا ما تعاملت الجمهورية الاسلامية بحزم مع كل من يريد شرا بها وبحلفائها في محور المقاومة والممانعة.
حميد حلمي زادة