يومها انعقد المؤتمر تحت شعار الكرامة والمشاركة والحوار وهو الشعار الذي كان يستأهل ان يعاد تكراره في قمة مكة الاسلامية الاخيرة وهو ما لم يحصل للاسف الشديد!
على اية حال فالعيون اليوم وبعد خمسة عشر عاما من ذلك التاريخ تتجه من جديد نحو طهران ولكن هذه المرة بسبب احتضانها للقمة السادسة عشرة لدول عدم الانحياز.
وهي القمة التي سيحضرها اكثر من مائة دولة عضو في ثاني اكبر منظمة دولية بعد الامم المتحدة، تؤكد التقارير بان اكثر من خمسين دولة منها ستمثل على مستوى الرجل الاول في البلاد، هذا اضافة الى حضور ممثلين عن عشرين منظمة دولية، بالاضافة الى الامين العام للامم المتحدة وضيوف شرف مثل بوتين وعبد الله غول وآخرين!
كما في القمة الاسلامية كان ثمة مشككون وضاغطون واموال اغراء او ابتزاز مدفوعة جاهزة في محاولة لمنع حضور البعض او تخفيض مستوى الحضور يحصل في هذه الساعات بشأن القمة الجديدة، والاكثر غيظا وحنقا وحماسة في الوقت نفسه للضغط وابتزاز الدول هم الاسرائيليون الصهاينة والمتغطرسون الامريكيون.
وكما لم ينجحوا في ظروف كانت فيها ايران اضعف مما هي عليه الآن وكانوا هم اقوى مما هم عليه الآن، فانهم لن يتمكنوا في القمة المرتقبة قولا واحدا!
لا تقدير الموقف ولا موازين القوى ولا حرب صراع الارادات المشتعلة بين الجبهتين المعادية لايران ومحور المقاومة اوالمناصرة لهما ستسمحان لنتنياهو واسياده ان ينجحوا في ذلك، ولا حتى تسارع التحولات الاقليمية والدولية واصطفافات المتخاصمين فالرابحون باتت صورتهم ساطعة اوضح من الشمس في رابعة النهار!
تصوروا فقط ومن باب المثال لا الحصر هو ان ولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز كان التصريح عنده اقوى من التلميح لدى حديثه مع الرئيس نجاد خلال القمة بانه يتمنى ان يكلفه الملك عبد الله بتمثيل المملكة، طبعا باعتبار ان العاهل السعودي لا يستطيع السفر، هذا فيما استعجلت المنامة باعادة سفيرها الى طهران رغم كل الصراخ حول تدخل ايران في ثورة البحرين، وهي تناقش حاليا اعلى مشاركة ممكنة بمن فيهم شخص الملك، منتظرة اشارة طهران لعلها تقبل باعادة سفيرها الى المنامة حتى تفهم منه بان مليكها مرحب به عندها!
اما الرئيس المصري محمد مرسي فانه وكما تؤكد الانباء فانه سيشارك على راس وفد من مائة شخص، ما يعطي الانطباع بان مصر حريصة على استعادة ثقلها الاقليمي ودورها الريادي في هذه الحركة العالم ثالثية والتي حفر الرئيس الراحل عبد الناصر اسمه الخالد في تضاريسها ايا كانت وجهة نظر الرئيس الجديد بناصر والناصرية فهو لا يملك الا ان يأتي الى طهران وهو محمل بعبق ناصرية هذه الحركة الاستقلالية.
ثمة ثلاثية واخرى رباعية ستحكم اجواء المؤتمر كما يقول المتبحرون في ردهات ودهاليز اعمال المؤتمر الثلاثية وهي مصر وايران وفنزويلا باعتبارهم الثلاثة الاعضاء السابقين والحاليين واللاحقين، وهم الساعون والحريصون اشد الحرص على مشاركة ان لم يكن مناكفة او قل انتزاع جزء من قيادة العالم من الاحادية الامريكية، خاصة اذا ما علمنا بان عنوان المؤتمر العريض هو نحو ادارة مشتركة للنظام الدولي في ظل سلام عادل ودائم!
اما الرباعية فهي ايران ومصر والسعودية وتركيا، وان كانت الاخيرة ليست عضوة بل ضيف شرف الا ان الايرانيين الذين التقطوا المقترح المصري حول سورية في قمة مكة الاسلامية مصممون على تحويله الى مبادرة تخرج دمشق من دوامتها الحالية، فالمقترح المصري الذي قضى كما عرضه الرئيس مرسي ان تدخل ايران وتركيا كطرفين فاعلين مؤثرين لدى طرفي الازمة السورية فيما تحضر كل من مصر وتركيا كمراقبتين لايجاد حل سياسي وسلمي لها.
عظيم، ماذا يعني هذا؟
هذا يعني ان الثقل المصري العائد مع التصميم الايراني المعروف بحزمه سيسحبان البساط من الايدي الدولية العابثة بالازمة السورية لاهداف باتت معروفة للجميع، ويجعلانها قضية اقليمية تخص اهل الدار، والامر الثاني وهو ما سيفضي آليا الى جعل ايران جزءا من الحل كما هي تعتقد ومعها كان كوفي انان والذي بسببه احرج فاخرج، وليست جزءا من المشكلة كما كانت تصر امريكا ولم تحصد حتى الآن سوى الخيبة والفشل، خاصة اذا ما نجح رئيس الديبلوماسية الايرانية علي اكبر صالحي بجمع الدولة وجزء مهم من المعارضة حول طاولة حوار في طهران كما وعد في آخر تصريح له مرجحا ان يحصل ذلك كمبادرة من المؤتمر ايضا وان يحصل اللقاء فعلا بعد نحو اسبوعين!
ما تقدم يعني باختصار هو ان من وصف مؤتمر طهران الاسلامي في العام 1997م بانه مؤتمر التوافق على طهران يستطيع اليوم بقوة اكثر ان يصف او يوصف مؤتمر طهران الحالي بانه مؤتمر الانحياز لطهران!
ببساطة متناهية لانه لم يبق من مفهوم عدم الانحياز الاصلي الذي صنعه نهرو وسوكارنو وعبد الناصر بداية في باندونغ في العام 1955م ومن ثم التحق بهم تيتو في بلغراد في العام 1961 م سوى الانحياز بعد ان تآكل احد المعسكرين واصبح بمثابة العدم فيما الآخر يسارع الخطى بالافول والانحسار في طريقه للانعدام، عندها تحين لحظة التخيير بين العدم والانحياز ولم يعرفا عاقلا او حكيما اذا دار الامر له بين العدم او الانحياز ان اختار غير الانحياز!
وهكذا يفعل غالبية عقلاء العالم في توجههم اليوم الى طهران وهو ما اشعل نار غضب الصهاينة والامريكان!
محمد صادق الحسيني
القدس العربي