ايران .. والامتحان التطبيقي في عدم الانحياز

ايران .. والامتحان التطبيقي في عدم الانحياز
السبت ٢٥ أغسطس ٢٠١٢ - ٠١:١٠ بتوقيت غرينتش

لا نبالغ ولا ننتقص من دور الاخرين ان قلنا ان مبادىء حركة عدم الانحياز ، وبعد مرور 57 عاما على مؤتمر باندونغ ، الذي شهد بلورة فكرة الحركة ، و بعد مرور 51 عاما على اول مؤتمر للحركة في بلغراد ، لم تجد طريقها للتطبيق على ارض الواقع ، بتفاصيلها وفلسفتها الا بعد 18 عاما من تاريخ تأسيسها ، اي بعد تأسيس جمهورية ايران الاسلامية ، التي قامت ثورتها منذ اليوم الاول على شعار "لا شرقية لا غربية ، جمهورية اسلامية".

 نعود ونكرر لسنا هنا في وارد تقويم سياسات 120 دولة عضو في هذه الحركة ، ومواقفها من التطورات التي شهدها العالم ، قبل وبعد الحرب الباردة ، التي وضعت اوزارها في بداية تسعينيات القرن المنصرم أثر انهيار الاتحاد السوفيتي ، وصعود الولايات المتحدة الامريكية كقوة مهيمنة لا منافس لها على المسرح الدولي ، فمواقف هذه الدول ليست سرا من الاسرار ، فالجميع ، حتى من ليس له المام بابجديات السياسة ، يميز بسهولة توجهات ومواقف هذه الدول مما جرى ويجري حولنا ، ومدى المسافة التي تفصل هذه التوجهات وهذه المواقف من المبادىء الاساسية التي قامت عليها حركة عدم الانحياز .

 لذا لن نضيف شيئا جديدا الى ما هو معروف ، الا انه من حقنا ان نجهر بسياسة ومواقف جمهورية ايران الاسلامية التي جاءت تجسيدا حرفيا ل"مبادىء باندونغ العشرة" (1955) ، وكذلك لمبادىء مؤتمر بلغراد (1961) ، بل وزادت عليها ، الامر الذي ، جعلها هدفا للكتلتين الشرقية والغربية  ، عندما كان العالم يعيش في ظل النظام الثنائي القطب ، ولم تخرج من دائرة الاستهداف حتى بعد انهيار هذا النظام ، فظلت أمريكا ، القطب الاوحد الذي يئن العالم اليوم تحت وطأته ، تناصبها العداء ، لتمسكها بذات المبادىء ، مبادىء حركة عدم الانحياز.

بعض مبادىء واهداف حركة عدم الانحياز

تبلورت فكرة تأسيس حركة عدم الانحياز بعد الحرب الكونية الثانية وفي خضم الحرب الباردة التي كانت دائرة بين الكتلتين الغربية والشرقية بزعامة الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد السوفيتي ، والدافع الرئيسي لتأسيس الحركة  كان الحفاظ على استقلال الدول التي كانت تتجنب الانخراط في الصراع الدائر بين الشرق والغرب ، وكذلك الحفاظ على الهوية الوطنية للدول المستقلة.

اما اهداف الحركة ، فيأتي في مقدمتها مكافحة الاستعمار وتصفيته ، ودعم حركات التحرر ، وتعزيز التضامن بين الدول المستقلة ورفض النظام الدولي القائم ، وبناء علاقات دولية قائمة على الاخلاق ، ورفض الحرب الباردة وسياسة الاحلاف.

اما الدفاع عن النفس امام العدوان كما جاء في ميثاق الامم المتحدة ، وعدم استخدام القوة لتهديد استقلال الدول الاخرى ، والالتزام بالمواثيق الدولية وتعزيز دور المنظمة الدولية ، فهي بعض مبادىء حركة عدم الانحياز.

 حركة عدم الانحياز بعد انتهاء الحرب الباردة

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية تسعينيات القرن الماضي وانتهاء الحرب الباردة رأى البعض ان حركة عدم الانحياز فقدت علة وجودها ولم تعد ذات جدوى ، وكثفت وسائل الاعلام التابعة للمعسكر الغربي المنتصر ، هذا المعنى ، في الوقت الذي يرى فيه الكثيرون ان دور حركة عدم الانحياز اصبح اليوم اكثر اهمية من الامس بسبب هيمنة النظام الاحادي القطب على العالم الان ، فتجمع 120 دولة تحت مظلة واحدة ، يمكن ان يساهم في عرقلة محاولات امريكا للهيمنة على العالم ، وفرض قوانينها وقرارتها على العالم ، عبر استفرادها بمنطمة الامم المتحدة ، وتحويل مجلس الامن الى وسيلة لخدمة مصالحها.

 ففي ظل الاستفراد الامريكي بالقرار الدولي وهيمنة واشنطن على المحافل الدولية ، اخذت الشعوب تتلمس اهمية دور حركة عدم الانحياز ، بشكل اكثر وضوحا قياسا بمرحلة الحرب الباردة التي مر بها العالم. الكثيرون يرون في حركة عدم الانحياز محفلا دوليا يمكن ان يزرع الامل في قلوب الملايين التواقة للحد من الهيمنة الامريكية على القرار الدولي ، لامتلاكها 86 بالمائة من موارد النفط و52 بالمائة من موارد الماء للعالم ، ولاحتضانها اكثر من نصف سكان المعمورة .

وحركة عدم الانحياز

 ايران التي تحتضن القمة السادسة عشرة لحركة عدم الانحياز في الفترة بين 26 الى 31 من شهر اب/ اغسطس الحالي ، انضمت فور انتصار ثورة الشعب الايراني ، على النظام الشاهنشاهي ، اقوى حلفاء امريكا في الحرب الباردة ، عام 1979 ، الى حركة عدم الانحياز  ، كعضو جديد وفاعل ، جسد عمليا وبالتفصيل مبادىء وفلسفة الحركة ، وقدمت ومازالت تقدم اثمانا باهظة ، بسبب هذا التجسيد العملي لمبادىء باندونغ وبلغراد ، لاسيما تلك التي تؤكد على مكافحة الاستعمار ودعم حركات التحرر والدفاع عن القرار الوطني للدول المستقلة ورفض هيمنة القوى الكبرى على المحافل الدولية.

الجمهورية الاسلامية الايرانية وعلى مدى ثلاثة عقود تعرضت لشتى الضغوط والعدوان من اجل ثنيها ودفعها الى التراجع عن مبادئها التي استمدتها من الدين الاسلامي الحنيف والداعية الى نصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم ، الامر الذي دفع المعسكرين الشرقي والغربي الى الاتفاق  ، وقلما اتفقا ، على وأد الجمهورية الاسلامية الفتية في ايران ، و وأد خطابها المميز والمتمرد على النظام العالمي حينها ، فحرضا ودعما صدام حسين ليشن عدوانا ظالما سافرا على جارته تحت ذرائع تضحك الثكلى ، فكان ما كان ، هزيمة العدوان وفضحية المعسكرين الشرقي والغربي ، وخروج الجمهورية الاسلامية مرفوعة الراس ، متمسكة اكثر من ذي قبل بنهجها وخطابها المستقل.

الجمهورية الاسلامية الايرانية وانطلاقا من مبادئها وقفت الى جانب المقاومة في لبنان لتحرير ارضها من دنس المحتل الصهيوني ، ودفعت ومازالت تدفع اثمانا باهظة لهذا التجسيد العلمي لاحد مبادىء حركة عدم الانحياز والمتمثلة بدعم حركات التحرر في العالم.

 وكما وقفت الى جانب الشعب اللبناني حتى حرر ارضه من الاحتلال الصهيوني الغاشم  ، وقفت ايران بكل ماتملك من قوة الى جانب القضية الفلسطينية ، التي تكالبت عليها قوى الشر بهدف تصفيتها لولا انتصار الثورة الاسلامية في ايران عام 1979 ولولا حنكة ودراية مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الامام الخميني (رضوان الله تعالى عليه ) الذي تبنى القضية الفلسطينية بعد ان اخرجها من نطاقها العربي الى فضاء الاسلام الارحب ، جاعلا من نصرة الشعب الفلسطيني واجبا شرعيا  رابطا مصير القدس بمصير اكثر من مليار انسان وتصفيتها ، حائلا دون تصفيتها ، وهكذا اسقط في يد امريكا والصهيونية العالمية.

اما النظام العالمي ، فكانت لايران معه جولات وجولات ، فلم تنفك ايران وامام كل محفل او تجمع دولي ، تضع اصبعها على نقاط الضعف في جسد هذا النظام الذي وقع فريسة الهيمنة الامريكية والصهيونية وتحول الى مطية طيعة لتمرير نوايا هذا الثنائي البغيض، ودعت ايران وبصوت عال الى تغيير النظام العالمي الحالي والعمل على تاسيس نظام دولي عادل يقوم على الاخلاق والمشاركة.

اما حق الشعوب في نيل استقلالها وتقرير مصيرها والدفاع عن حقوقها، فكانت ايران الرائدة في رفع لواء الدفاع عن استقلال الشعوب ومناهضة الاستعمار مهما تلون وغير شكله ، وبذات القوة والاندفاع الذي رفضت فيه احتلال افغانستان من قبل امريكا ، رفضت ايران الغزو الامريكي للعراق ايضا ، وقبل هذا وذاك رفضت الغزو الصدامي للكويت ، دون ان تحركها في ذلك عوامل او مصالح مهما بلغت تاثيراتها.

 أما في مجال الدفاع عن حق الشعوب في التقدم والتطور فكانت ايران الرائدة في هذا المجال وجسدت هذا المبدأ عمليا من خلال دفاعها الثابت والمبدئي عن حقها في امتلاك الطاقة النووية للاغراض السلمية ، رغم كل الضغوط والتهديدات الامريكية الصهيونية لحرمانها من هذا الحق.

المبادىء التي طبقتها ايران ، والتي كانت بالاساس نابعة من تعاليم الدين الاسلامي الحنيف وبعض مبادىء حركة عدم الانحياز ، ضاعفت من اهمية القمة السادسة عشر للحركة ، لانعقادها في البلد الذي خرج ناحجا وبامتياز من الامتحان التطبيقي لعدم الانحياز ، واثبت بالتجربة ان مبادىء الحركة ليست ضربا من الخيال.

ماجد حاتمي