الفعل الروسي والبيئة الأستراتيجية الأممية الجديدة

الفعل الروسي والبيئة الأستراتيجية الأممية الجديدة
الإثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢ - ١١:٠٤ بتوقيت غرينتش

أبت كل المعطيات إلاّ أن تقول:- بأنّ خارطة طريق تغيير التوازنات الاستراتيجية الشرق أوسطية وبالتالي الدولية، يبدأ بالضرورة من دمشق، وينتهي بالضرورة في دمشق أيضاً ... كيف يكون ذلك؟!.

تحدث المزيد من الخبراء والمحللين الأستراتيجيين الأمميين، عن طبيعة التوازنات الشرق أوسطية الجارية حالياً بفعل الحدث السوري وتداعياته، وفي هذا الخصوص تشير المعطيات الواقعية، إلى أن منطقة الشرق الأوسط قد أصبحت على موعد مع بيئة استراتيجية جديدة ذات أفق دولي عميق، بفعل الموقف الروسي المتماسك في جلّ المسألة السورية، والفعل الصيني المساند له، بجانب الدعم الأيراني المستمر.
فبيئة التوازنات الاستراتيجية الجديدة الشرق أوسطية، والتي تحدثت عنها مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية المختلفة مؤخراً، أشارت وأكدت في هذا الخصوص على التالي :-
- المحور الذي تكوّن على خلفية حرب لبنان عام 2006م (محور الممانعة لأمريكا)، وضم دمشق ـ طهران ـ حزب الله اللبناني ـ حركة حماس الفلسطينية، لم يتأثر كثيراً بفعل غياب حركة حماس، حيث يتم اعادة " هندرة " الأخيره عبر بعض العرب – قطر تحديداً والسعودية الى حد ما، بوجود بندر بن سلطان على رأس جهاز الأستخبارات السعودي - وبعض الغرب وعبر حركة الأخوان المسلمين – التنظيم الدولي، وبالتالي فإنّ القوام الرئيس لهذا المحور ما زال موجوداً رغم غياب الفعل الحركي الشامل لحماس، حيث الأخيرة صارت اتجاهات مختلفة نتاج ما يجري في سورية.
-  المحور الذي تكوّن على خلفية حرب لبنان عام 2006م (محور الموالاة للعم سام)، والذي ضمّ عمّان ـ القاهرة ـ الرياض ـ حركة فتح الفلسطينية ـ قوى 14 آذار اللبنانية، تأثر كثيراً بسبب انهيار نظام حسني مبارك المصري، إضافة إلى خروج قوى 14 آذار من السلطة في لبنان.
هذا، وبرغم سعي حركة حماس إلى الوقوف غير المعلن، (من وراء حجاب) إلى جانب محور الموالاة للعم سام، فإن ذلك لم يتح لهذا المحور الحصول على قوة مضافة حقيقية، وذلك لأن حركة حماس لاقيمة لها بدون سوريا وحزب الله اللبناني، إضافة إلى أن المنعطفات التاريخية الشرق أوسطية قد أكدت تماماً بأن الفلسطينيين يتخلون دائماً عن كل من يتخلى عن سوريا، بدليل أن الزعيم الراحل ياسر عرفات نفسه قد فقد الكثير من الفلسطينيين عندما وقع أوسلو وذهب بعيداً عن دمشق.
إضافة إلى ذلك، نلاحظ أيضاً أن محور الموالاة للعم سام، لم يستطع حتى الآن تعويض خسارته للقاهرة، وتشير التطورات الجارية إلى أن محاولات تعويض خروج حسني مبارك، من المجلس العسكري المصري نفسها قد باءت بالفشل، فهل يكون عزاء واشنطن في محمد مرسي الرئيس المصري الجديد؟ جلّ الأمور ليست على ما يرام حتّى اللحظة.
وفي الاتجاه نفسه، يمكن الإشارة أيضاً إلى أن وقوف تركيا إلى جانب محور الموالاة لواشنطن لن يجدي نفعاً، وذلك لأن فعالية تركيا كقوة مضافة في أي تفاعلات شرق أوسطية، ترتبط حصراً بمدى وقوف تركيا إلى جانب تيار الممانعة الشرق أوسطي، وبالتالي، فإن وقوف تركياً حالياً إلى جانب خيار الموالاة لواشنطن، سوف لن يؤدي سوى إلى عودة تركيا لنفس مواقفها السابقة خلال فترات حكم تورغوت أوزال وكنعان إيفرين وسليمان ديميريل، الأمر الذي سوف يؤدي بدوره إلى عزل تركيا عن الشرق الأوسط.
هذا وقد سعت واشنطن وحلفاءها الشرق أوسطيين وبالذات محور "الرياض ـ الدوحة"، وأنقرا، إضافة إلى عمّان، لجهة القيام بالمزيد من محاولات تغيير اصطفافات خارطة الشرق الأوسط، وتضمنت الجهود الآتية:
- بناء تحالف الرياض ـ الدوحة ـ عمّان ـ أنقرا، من أجل ضبط التوازنات الشرق أوسطية، بما لا يعطي فرصة لتمدد فراغ الانكشاف الذي حدث بفعل سقوط نظام حسني مبارك المصري، وزين العابدين بن علي التونسي.
- السعي من أجل إعادة قوى 14 آذار اللبنانية إلى السلطة، وتعزيز قوة حركة فتح الى حد ما تكتيكياً، مع وجود خيار استراتيجي لأحداث ربيع فلسطيني لأنهيار منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي انهيار حركة فتح واستلام حماس للسلطة هناك، إضافة إلى تثبيت أنظمة بديلة موالية لواشنطن في كل من القاهرة وتونس.
- السعي لإكمال مشروع الحرب الطويلة ضد الإرهاب، عن طريق خوض المواجهات بالوكالة عن واشنطن كما حدث في  ليبيا المحتله  وسورية الآن، إضافة إلى طهران لاحقاً.
برغم انهيار نظام الزعيم الليبي البدوي الراحل معمّر القذافي، فإن ليبيا المحتلة لم تستقر حتى الآن رغم اجراء الأنتخابات الأخيره فيها، وعلى ما يبدو فإن جولة جديدة من المواجهات بانتظارها، وبالنسبة لإيران، فإنه أصبح في حكم الأمر الواقع أنّه، لا سبيل لإنهاء فعاليات البرنامج النووي الإيراني، ولا سبيل لقطع الطريق أمام صعود الروابط العراقية ـ الإيرانية، طالما أن الشيعة العراقيين يشكلون 70% من الشعب العراقي.
وبكلمات أخرى، فقد أبت كل المعطيات إلا أن تقول بأن خارطة طريق تغيير التوازنات الاستراتيجية الشرق أوسطية، يبدأ بالضرورة من دمشق، وينتهي بالضرورة في دمشق أيضاً.
لقد تعاملت طهران بكفاءة عالية مع سيناريو ما بعد خروج القوات الأمريكية من العراق، بالمقابل أصبح خصوم طهران من العرب والغرب، أكثر استعداداً لجهة المزيد من الدفع باتجاه انهيار دمشق.
وتأسيساً على ذلك، يرى خصوم إيران، بأنه طالما لا يوجد سبيل لمنع تحول بغداد إلى قوة مضافة بجانب طهران، فإن الحل الأمثل، هو أخذ دمشق بعيداً عن طهران، وذلك، لأن مثلث دمشق ـ بغداد ـ طهران معناه، انهيار استراتيجية الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وهو أمر معناه أن واشنطن، سوف تسعى بالضرورة إلى التحول باتجاه البحث عن روابط مع المثلث الحديدي الشرق أوسطي الجديد، وذلك لأن حكمة أمريكا البراغماتية تقول بأن القويّ إذا لم تستطع التغلب عليه، فمن الأفضل أن تسعى إلى التحالف معه، بدلاً من تضييع الوقت والجهد مع الضعفاء الذين تسهل السيطرة عليهم، بالقليل من القوات الأمريكية التي لا يتجاوز عددها في أحسن الأحوال عن لواء مكون من كتيبة مشاة، وكتيبة مدرعات، وكتيبة قوات خاصة.
* محمد احمد الروسان - عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية