واقع الامر ان هذا المال البترولي المتبرع به،يستبطن نيران حقد مضطرمة ، كونه لن ينفق لتأمين الرغيف او لقمة العيش في سبيل إغاثة المنكوبين جراء الاضطرابات المفتعلة في انحاء سورية ، بل سيتحول الى اسلحة فتاكة تزيد من ويلات الحرب الدولية الطاحنة في هذا البلد ،وتحيل ربوعه الوادعة الى خربات و مقابر مقفرة تعبث فيها الضباع والعصابات التي تعتاش على رائحة الموت وإراقة الدماء البريئة . بيد ان السلوكيات السعودية وحتى القطرية اثبتت انها ما فتئت مجبولة على الغدر والكراهية و التطرف حتى عصرنا الحاضر ، مع اننا اجتزنا (12 عاما) من القرن الحادي و العشرين، حيث تتواصل مسيرة الوعي الانساني و التطور المعرفي بوتيرة متسارعة ، وعلى هذا الاساس يفترض ان لا يكون حتى البدائيين خارج سباق الزمن او مرحلة ما بعد الحداثة.
أما في ما يتعلق بتحركات حكام قطر و على رأسهم " حمد بن خليفة آل ثاني" ، على مستوىتصعيد المواقف السياسية و العسكرية و الاعلامية ضد دمشق ،فإنها باتت مفضوحة و حقيرة مثل أصحابها الذين ارتضوا لأنفسهم ان يكونوا " مطايا" لتنفيذ (الحرب الاميركية- الاوروبية- الاسرائيلية)، على سورية وحلفائها في محور المقاومة و التصدي للمشاريع " الصهيوغربية" في الشرق الاوسط والخليج الفارسي.
وليس هذا غريبا على المتحكمين في رقاب المسلمين والمتربعين على اموالهم ،و الذين يتصرفون بها– دون حساب و كتاب - لتوسيع نطاق القواعد العسكرية و الاستخبارية الاميركية و الاوروبية في بلدان شعوبهم و شواطئها طلبا للحماية والاستقواء بها للتمسك بحكوماتهم الرخوة من جهة ، و إمعانا في زعزعة استقراردول بعينها من جهة اخرى ، معروفة بمناهضتها للسيطرة الاميركية – الاسرائيلية.
و إزاء ذلك فقد تدفقت الاوامر و التعليمات من وراء القارات الى "ال سعود " و "ال ثاني " لكي يبذلوا الاموال والاسلحة ،وان يقدم " اسلاميو تركيا الناتويون" الدعم اللوجستي لعصابات القتل و الارهاب و التكفير، من اجل ان يعيثوا فسادا في سورية و العراق و لبنان و ايران، و في مناطق اخرى لم يتضح معالم المشهد السياسي فيها بعد ، عقب الثورات الشعبية التي اطاحت بالانظمة العميلة للغرب المتصهين ، في كل من تونس وليبيا و مصر و اليمن.
أما ما يمارسه ملوك "النعرات القبلية و الطائفية" في البحرين والمنطقة الشرقية من بلاد الحرمين الشريفين ،فإنه مأساة انسانية لا تضاهيها أية مأساة اخرى ، لأن ما يجري هناك من هضم و سحق مروعين للمبادئ الإنسانية،على مرأى ومسمع أدعياء الديمقراطيات والحريات السياسية و الحقوق المدنية في العالم الغربي دون أن يحركوا ساكنا أو يرتد لهم جفن، حتى لكأن الدماء الطاهرة التي تسيل هنالك بفعل آلة القمع السعودية والخليفية ،هي خارج دائرة التاريخ المعاصر، وايضا كأن العذابات والظلامات والآهات التي تعج بها البحرين والقطيف لاتلتقي آذانا صاغية لدى المتشدقين بحماية حقوق الانسان؟!
لقد اصبح واضحا تماما ان التهويل السياسي و الاعلامي و النفسي الذي يضطلع به "السعوديون" و "الثانويون " و "العثمانيون الجدد" ، هو مقدمة لمخطط استكباري يتجاوز بكثير ما قد يجول في الادمغة الضيقة لهؤلاء الحكام المرتزقة ، و قد كان علينا ان نلتفت لهذه المؤامرة يوم اللقاء الذي جمع حكام قطر و قادة اسرائيل في فلسطين المحتلة ، و قيام "حمد آل ثاني" بمبايعة زعيم الصهاينة شمعون بيريز على السمع الطاعة ، و انطلاقا هذا الثنائي من بعد في تخريب الاوضاع و تفجير الاستقرار في الشرق الاوسط عبر استغلال ثورات الشعوب المسلمة على الظلم و الاستبداد و الدكتاتورية من المغرب الى المشرق.
كما بات بينا لكل قريب و بعيد ان الانظمة الخليجية سخرت فتاوى بعض علماء الدين الذين كانوا في وقت سابق محط احترام الناس مثل الشيخ يوسف القرضاوي لدس السم بالعسل و اغواء عامة ابناء الامة للانخراط في هذه اللعبة القذرة ، و القاء انفسهم في محرقة مشروع الفوضى الاميركية الهدامة ، في حين اطلق الصهاينة العنان لانفسهم انتهاك حرمة باحات المسجد الاقصى الشريف و تدنيسها بغية تهويدها لاحقا على حين غفلة من المسلمين و العرب، و نتيجة لانشغال وعاظ السلاطين في انتاج الفتاوى و الدعوات المحرضة على الفتنة و الاقتتال الداخلي بين ابناء الامة المحمدية الكريمة .
و مما يؤسف له – بشدة- ان شاشات التلفزة و الفضائيات اضحت مرآة عاكسة للحالة المرزية التي اصابت العالم الاسلامي حتى ان ثمة قنوات تكفيرية مهرجة تمولها السعودية و قطر و الامارات لا تفتأ تعرض تقارير مصورة مفبركة و غير مفبركة، ولاسيما عن سورية الشقيقة ، و تستخدم كلابا مسعورة مثل التافه "عدنان عرعور" للتحريض على الارهاب و الجريمة المنظمة و المجازر الطائفية و العرقية، و تحاول بذلك الايحاء الى ان الرئيس بشار الاسد بات قاب قوسين او ادنى من السقوط او الرحيل.
لكن الذي نريد قوله في هذا المقام ان الذين يراهنون على هذا المخطط الشيطاني ، واهمون جدا، لأن سورية تمثل الخط الامامي لجبهة المقاومة بوجه المشروع الصهيو اميركي ، وان حلفاءها في هذه الجبهة المناضلة وهم العراق و ايران وحزب الله لبنان و المقاومة الفلسطينية الباسلة والاصيلة، عازمون على تقويض "المؤامرة السعودية- القطرية- التركية" التي تتحرك وفقا لاملاءات واشنطن و تل ابيب ، وهم صاروا مخولين الان دون تردد ،للدخول طرفا مباشرا في هذه المناجزة ، بعدما اعلنت الاطراف الغربية – الخليجية- التركية من قبل الحرب رسميا على دمشق وبغداد طيلة السنوات الماضية ، وهي لا تتورع عن محاولاتها لافشال خطة المبعوث الدولي كوفي انان بشأن سورية توخيا لإنهائها، ابتغاء تدويل الحرب الغاشمة فيها، دون الاهتمام بشلالات الدماء والدمار التي ستنجم عنها،فضلا عن التهديدات الجيو استراتيجية المتوخاة من وراء هذه الحملة الشعواء، ولا سيما في مضمار القضاء على جبهة قوى المقاومة و الممانعة في العالم الاسلامي ، الامر الذي لن تسمح به المواقع الحرة و المناضلة في المنطقة ابدا.
حميد حلمي زادة