بسم الله الرحمن الرحيم
بداية أرحب بكنّ جميعاً، الأخوات العزيزات، وبناتي العزيزات، والسيّدات النّخب من سائر البلاد الإسلامية، هذا المكان هو بيتكنّ ولكن، نسأل الله تعالى أن يبارك هذا المؤتمر وهذا اللقاء للأمّة الإسلامية.
اجتماعكنّ هذا بالنسبة لي يحوز على أهمّية فائقة. إنّ اجتماع النساء النخبة من شرق العالم الإسلامي وغربه له أهمية تفوق أهمية أي مؤتمر للصحوة الإسلامية. وهذه الأهمية نابعة من أنه فرصة لتعرف النساء النّخب في العالم الإسلامي على بعضهنّ البعض في هذا المؤتمر. وهذا مهمّ جداً. لقرنٍ من الزمن والثقافة الغربية تسعى مدعومة بالمال والقوّة والسلاح والدبلوماسية من أجل فرض الثقافة الغربية وأسلوب الحياة الغربية على المجتمعات الإسلامية بين النساء. لمئة سنة كان السعي من أجل أن تفقد المرأة المسلمة هوّيتها. فقد استُخدمت جميع العوامل المؤثرة وعناصر القوّة: المال، الإعلام، والسلاح، والخدع المادية المختلفة، واستخدام الغرائز الجنسية الطبيعية للإنسان؛ كل هذه استخدمت من أجل إبعاد المرأة المسلمة عن هويتها الإسلامية. واليوم إذا كنتنّ أيتها السيدات النخبة الإسلامية تسعين لاسترجاع هذه الهوية للمرأة المسلمة، فإنكنّ تقدّمن أكبر خدمة للأمّة الإسلامية وللصحوة الإسلامية، والعزة والكرامة الإسلامية. هذا الاجتماع يمكن أن يمثل خطوة كبيرة ومؤثرة على هذا الطريق. فلا تكتفين بالجلوس معاً والتباحث لعدّة أيام بل اجعلنّ هذا اللقاء مقدمة لحركة كبيرة وخالدة، تؤثر على العالم الإسلامي، ويمكنها ذلك. صحوة النساء، والشعور بالشخصية والهوية بينهنّ، والوعي والبصيرة في المجتمع النسائي سيكون لذلك كلّه تأثيرٌ مضاعفٌ على الصحوة الإسلامية والعزّة الإسلامية. وهذا هو المطلب الأول.
بعض الأخوات اقترحن في كلماتهنّ المفيدة والناضجة والدقيقة اقتراحات ونحن نوافق على متابعتها.
هناك مسألة أساسية فيما يتعلّق بنظرة الإسلام إلى جنس المرأة. حيث أنّ هذه النظرة هي في المقابل تماماً للثقافة الغربية التي تنظر إلى المرأة نظرة مهينة. ويضعون لذلك عنواناً هو الحرية، لكنّ الواقع ليس كذلك. إنّ الغربيين وطيلة هذه القرون الثلاثة الأخيرة، قد وضعوا لجميع جرائمهم أسماءً جميلة. فعندما كانوا يقتلون ويستعبدون وينهبون الثروات، وعندما كانوا يفتعلون الحروب المفروضة بين الشعوب وغيرها من الجرائم، كانوا يضعون على كل واحدة منها أسماءً برّاقة وخدّاعة، كأسماء الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وأمثالها. إنّ إطلاق اسم الحرية على التوجّه الموجود في الثقافة الغربية للمرأة، هو اسم كاذب، فهذه ليست حرية. إن أساس ثقافة الغرب مبنية على جعل المرأة بضاعة ووسيلة للعرض بالنسبة للرجل في المجتمع. فالترغيب والحث على التعري يعود إلى هذه الجهة. في الغرب، نجد أن عذابات المرأة طيلة القرنين الأخيرين قد ازدادت ولم تقل. فالتحرر الجنسي والتحلّل الجنسي في الغرب لم يؤدّ إلى خمود فوران قدر الشهوة البشرية التي هي غريزية وطبيعية. وكانوا في السابق يعلنون بأنه إذا كان بين المرأة والرجل علاقة حرّة فإنّ الشهوة الجنسية ستضعف، ومن الناحية العملية اتّضح أنّ القضية على العكس من ذلك، فأينما ازدادت حرية العلاقات بين المرأة والرجل في المجتمع بحسب الوضعية التي أوجدوها فإنّ الميول الشهوانية للبشر تتأجّج أكثر. وفي هذا اليوم فإن الغربيين لا يخجلون ويعرضون قضية الشذوذ الجنسي كقيمة. فالإنسان الكريم، يندى جبينه من الخجل أما هم فلا يخجلون. إن نظرة الغرب إلى المرأة هي نظرة منحطة وناقصة ومضللة وخاطئة. أما نظرة الإسلام إلى المرأة فهي نظرة تمنح العزة والكرامة والتكامل والاستقلالية للهوية والشخصية النسوية وهذا هو ادّعاؤنا. نحن نستطيع أن نثبت ادّعاءنا بأقوى الأدلة.
ففي البيئة الإسلامية تتكامل المرأة علمياً ونفسياً وأخلاقياً وسياسياً وتتقدّم الصفوف في أهم القضايا الاجتماعية في نفس الوقت الذي تبقى امرأة. فأن تكون المرأة امرأة يعد بالنسبة لها نقطة امتياز وافتخار. وليس فخراً للمرأة أن نبعدها عن المحيط النسائي والخصائص النسائية وأخلاقها. حيث يجعلون إدارة المنزل وتربية الأبناء والحياة الزوجية عاراً، ففي الثقافة الغربية تفككت الأسرة وتلاشت. وفي زماننا هذا فإن من المشاكل الكبرى للعالم الغربي هو انتهاء معنى العائلة وازدياد عدد الأولاد الذين لا يحملون هوية. ومثل هذا سوف يخنق الغرب ويمسك بزمامه. فالأحداث الاجتماعية إنما تظهر على مر الزمن. وسوف يتلقى الغرب من هذه الجهة أقوى الضربات، وسوف تنهار الحضارة المادية بكلّ زخارفها وزبارجها من هذه الجهة.
إن الإسلام ينظر إلى المرأة من زاوية الكرامة. فجميع الخصائص الإنسانية مشتركة بين المرأة والرجل. فالإنسان قبل أن يتصف بالأنوثة والذكورة فإنه متصف بالإنسان. وفي الإنسانية لا وجود للمرأة والرجل. فالجميع سواسية. هذه هي نظرة الإسلام. لقد جعل الله سبحانه خصائص جسمانية في كل من الجنسين، يكون لها دور في استمرار الخلقة وفي تكامل الإنسان ورقيّه وفي حركة التاريخ؛ وإن دور المرأة أهم. فإن أهم أعمال الإنسان هو استمرار النسل البشري، يعني الإنجاب، وإن دور المرأة في هذا المجال، لا يمكن مقارنته بدور الرجل. ومن هذه الناحية كانت أهمية المنزل، وأهمية العائلة، وضبط الأعمال الجنسية الغرائزية، ومن هذه الجهة يجب النظر على قضايا الإسلام وأحكام الشريعة الإسلامية. أما الغرب الضال، فإنه يسمي هذه الأمور تقييداً. أما ذلك الأسر المضل فإنه يسميه حرية! فهذا من خدع الغرب وأحابيله. هذه نقطة مرتبطة بقضية المرأة.
أنتن أيتها النساء النخبة، والبنات النخب، والشابات النخب، إن من أهم مسؤولياتكن اليوم أن تحددن دور المرأة وفق الرؤية الإسلامية، وأن تبرزنه وتوضحنه. وإن التربية الإنسانية للمرأة تعد أكبر الخدمات إلى المجتمعات الإنسانية والإسلامية، ويجب أن تستمر هذه الحركة. لا شك بأنها انطلقت لكن ينبغي أن تشتد وتتسع وتتقدم وأنتنّ في هذه الحركة لا شك سوف تنتصرن. فأحد الأعمال الأساسية هو هذا. هذا مطلب.
المطلب الآخر فيما يتعلق بدور النساء في التحولات الاجتماعية وفي الثورات في هذه الحركة العظيمة للصحوة الإسلامية. أقول لكُنّ لو أن النساء لم تشاركن في الحركة الاجتماعية لأي شعب فإن تلك الحركة لن تصل إلى أي مكان ولن تنجح. ولو ساهمت النسوة في أية حركة مساهمة جادة وواعية وعن بصيرة فإن تلك الحركة ستتقدم بنحو مضاعف. وفي هذه الحركة العظيمة للصحوة الإسلامية فإن دور النساء هو دور لا بديل عنه ويجب أن يستمر. فالنساء هن اللواتي يدفعن أزواجهن وأبناءهن للمشاركة في أخطر الميادين والجبهات، ويقمن بإعدادهن. نحن وفي زمن النضال ضد الطاغوت في إيران، وكذلك بعد انتصار الثورة وإلى اليوم، كنا نشاهد عظمة الدور النسائي بشكل واضح وملموس. فلو لم يكن لنسائنا في هذا البلد أثناء الحرب، التي فُرضت علينا طيلة ثمان سنوات، حضور في ميادين الحرب وفي الساحات الوطنية العظيمة لما انتصرنا في هذا الاختبار الصعب والمليء بالمحن. فالنساء هنّ اللواتي نصرونا، أمّهات الشهداء وزوجاتهم وزوجات المعوقين والأسرى والأحرار، فبصبرهنّ أشاعت الأمهات مناخا في نطاق محدود جعل الشباب والرجال راغبين في التواجد العازم وقد انتشر هذا في سائر البلد واتسع. وكانت النتيجة أن الجو العام لبلدنا أضحى دفعة واحدة مناخ الجهاد والتضحية والإيثار وبذل النفوس وانتصرنا. واليوم الوضع هو كذلك في العالم الإسلامي، في تونس وفي مصر والبحرين وليبيا واليمن وفي كل نقطة أخرى. لو أن النساء استطعن تقوية حضورهن في الصفوف الأمامية واستمرّين على ذلك فإن الانتصارات المتلاحقة من نصيبهن. فلا يوجد شك في ذلك.
النقطة الأخرى والكلمة الأخرى، تتعلق بأصل قضية الصحوة الإسلامية. هذه الحادثة الكبرى التي وجدت في العالم الإسلامي وقد انطلقت من تونس وتعاظمت في مصر وانتقلت بعدها إلى الدول الأخرى، فهي في الواقع حادثةٌ مدهشة ولا نظير لها؛ ومهما جال المرء في تاريخنا، فإن هذه الحادثة هي حادثة عظيمة وليست عادية، ويمكن لهذه الحادثة أن تغير مصير العالم وتقضي على الهيمنة الظالمة للاستكبار والصهيونية على العالم الإسلامي التي استمرت لسنوات متمادية ويمكنها أن تشكل الأمة الإسلامية وذلك بشرط أن تستمرّ. إن التحركات الإسلامية تتمتع بالنجاحات وهي في نفس الوقت في دائرة خطر الهزائم. فالآفات تتوجّه إليها، ويجب تحديد هذه الآفات والوقاية منها. في يومنا هذا ولحسن الحظ، الشعوب المسلمة في شمال أفريقيا قد تألّقت جيداً وتحررت بشكل جيد. الحركة حركة عظيمة، وكانت لحد الآن بحمد الله موفقة، لكن التفتوا أن الغرب، وعلى رأسه أميركا والصهيونية، سوف يأتون بكل إمكاناتهم ويتوافدون أكثر، لعلّهم يتمكنون من السيطرة على هذه الحركة وركوب أمواجها، ويجب على الشعوب أن تكون يقظة. لقد أخذوا على حين غرّة ولم يتمكنوا من استشراف ذلك. وهذه الغفلة هي مكرّ إلهي، ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين.
في موضوع لبنان أيضاً، إن انتصار شباب لبنان المقاوم على الجيش الصهيوني المتفوق بسلاحه كان في غفلة منهم أيضاً. وفي الثورة الإسلامية في إيران وقبل 33 سنة كان ذلك أيضاً حين أخذوا على حين غرة. ومثل هذه الغفلات مستمرة. ففي هذه الأحداث كانوا غافلين ولم يتمكنوا من توقعها والاتقاء منها، لكنهم الآن بصدد استدراك الأمور. ومن أعمالهم تثبيط معنويات الناس. فشباب العالم الإسلامي – نساءً ورجالاً ونخبة وخصوصاً البلاد التي جرت فيها الثورات – عليهم أن يعلموا أنهم لو صمدوا في الميادين وقاوموا فإن انتصارهم على كل خدع الاستكبار وأحابيله أمر قطعي. فجميع وسائل الاقتدار للقوى الاستكبارية واهية مقابل تواجد الناس ومقابل إيمان الشعوب. لديهم المال والسلاح والقنبلة النووية والجيوش المجهّزة والوسائل الدبلوماسية ولكن كل هذه عاجزة أمام إيمان الشعوب. فالتفتوا جيداً من أن يضيع هذا الإيمان؛ فبإيجادهم الخلافات وبإلهاء الشباب بطريقة والشيوخ بطريقة أخرى والمتدينين بطور وغيرهم بطور آخر. إن اجتماع الناس على أساس الشعارات الدينية والإسلامية هو الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يتقدم بهذه الشعوب. ولدينا في هذا المجال تجربة طويلة وممتدة.
أخواتي العزيزات، وبناتي العزيزات، طيلة 33 سنة ونحن نواجه عداوات الاستكبار. واليوم يتعالى الضجيج العالمي والصخب الإعلامي العالمي من أجل أن يقول أننا قد فرضنا حظراً على إيران. هؤلاء لا يفهمون ولا يدركون أننا نحن طيلة 33 سنة قد أصبحنا نمتلك المناعة ضد الحظر. فنحن طيلة 33 سنة ونعيش هذا الحظر وقد أصبحنا نمتلك المناعة مقابلة، فالحظر لا يقصم ظهرنا. وشعب إيران صامد. وهو يقف مقابل مؤامرات العدو بروحه وماله وأعزّ أعزته. ونحن اليوم مقارنة بما كنا عليه قبل 30 سنة أصبحنا أقوى بمئة مرة وأكثر تقدماً. إننا اليوم في ميدان العلم والسياسة وإدارة البلد، وفيما يتعلق بالبصيرة الشعبية العميقة أكثر تقدماً بدرجات عما كنا عليه في بدايات الثورة، وقد حصلنا على ذلك من خلال التحدي الذي واجهنا به عداوات الأعداء ضد إيران.
اليوم إن المرأة المسلمة في دولة إيران هي موجود شامخ وعزيز. آلاف الوسائل الإعلامية تقصف بالأخبار والدعايات لعل هذه الواقعية تظهر على نحو مخالف تماماً. لكن الحقيقة هي هذه. فاليوم إن أكثر نسائنا إيماناً وثورية هن نساؤنا المتعلمات. فاليوم إن نساءنا المتعلمات وشاباتنا لهن حضور في أعقد المختبرات والمراكز العلمية التجريبية والإنسانية وهنّ فعالات، إن أكثر نسائنا فعالية في المجال السياسي والعلمي والإدارة الاجتماعية هنّ نساؤنا المؤمنات والثوريات، ولهن معارف جيدة وعمق فكري. إن كل التطور الذي حققه شعب إيران إنما كان بسبب الصمود. ولو أن شعباً صمد لله، وفي سبيل الله فإن الله سيعينه، هذا وعد الله والله لا يخلف الميعاد.
إن الأجهزة الاستكبارية وسياساتها تسعى بكل وجودها من أجل صرف الجمهورية الإسلامية عن دعم فلسطين. إننا نصر على الالتزام بقضية فلسطين. سعوا من أجل تكبير القضية المذهبية والطائفية؛ الجمهورية الإسلامية تقف إلى جانب الإخوة المسلمين من أي مذهب كانوا من الشيعة والسنة والفرق الإسلامية المختلفة. فأينما كان هناك حركة إسلامية وأينما كان هناك دفاع عن الهوية الإسلامية، وأينما كان هناك دفاع عن المظلوم، فإن الجمهورية الإسلامية ستكون هناك متواجدة وحاضرة ولن تتمكن أميركا والصهيونية والشبكة السياسية الفاسدة للمستكبرين من التغلب على الجمهورية الإسلامية ولن تتمكن. إننا بتوفيق الله سنقف إلى جانب شعب فلسطين وإلى جانب الشعوب المسلمة التي نهضت بالثورة وإلى جانب شعب البحرين المظلوم وإلى جانب كل الذين يريدون أن يواجهوا أمريكا والصهيونية، إننا صامدون وسندافع عنهم ولن تأخذنا في ذلك لومة لائم.
إن ما منّ به الله تعالى علينا وعلى الشعوب الإسلامية هو لطف إلهي ورحمة ربانية ويجب أن نعمل لنبقى لائقين لهذه الرحمة ونطلب من الله تعالى أن يوفقنا لنيل موجبات رحمته وفضله، وإن شاء الله سيبقى ذلك دوماً.
اغتنموا هذه الحركة النسوية المسلمة وهذا التعارف الذي يجري من جميع أرجاء العالم الإسلامي واجعلوه قاعدة لأجل القيام بحركة عظيمة بين الأمة الإسلامية والتي ستنتهي إن شاء الله بانتصارات أكبر. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.