مصر بين إرادتين

مصر بين إرادتين
الأربعاء ٢٧ يونيو ٢٠١٢ - ١٢:٠٠ بتوقيت غرينتش

بات واضحا ان هناك إرادة مصممة وبقوة على إعادة الاوضاع في مصر إلى ما قبل تاريخ 25 يناير عام 2011، أو على الأقل الحفاظ على ماتبقى من تركة نظام مبارك حاليا، على أمل استعادتها بالكامل تدريجيا.

هذه الارادة كانت قبل ذلك التاريخ مكشوفة واضحة بشخص مبارك، الا انها اختفت بعد رحيله، وراء المجلس العسكري واجهزة الامن والحزب الوطني المنحل و وسائل الاعلام  المرتبطة  بالنظام السابق.
هذه الارادة المعادية لتطلعات الشعب المصري ، دلت على وجودها وبشكل لافت عبر قرارات حل البرلمان والاعلان المكمل والمماطلة في الاعلان عن نتائج الانتخابات وسن قوانين مثل حق الضبطية القضائية وتسميم الاجواء بالشائعات والبلطجية.
هذه الارادة بانت معالمها بالكامل اثر جولتي الانتخابات الرئاسية ، بعد ان نجحت بما تملكه من قوة ونفوذ في ايصال احمد شفيق ، رجل مبارك ومرشح النظام القديم الى جولة الاعادة امام المرشح محمد مرسي.
الاجراءات التي اتخذها المجلس العسكري بالاضافة الى نتيجة الانتخابات الرئاسية والتي تحمل الكثير من الدلالات ، كلها تؤكد وجود نية مبيتة لتسميم الاجواء في مصر في اليوم الذي يلي تسلم محمد مرسي مسؤولية رئاسة الجمهورية وحتى قبل ذلك اليوم.

 

إرادة قوى الثورة المضادة
هذه الارادة تعرف قبل غيرها ان من الصعب ان تقفز على ارادة الشعب ، وتجازف بأعادة النظام القديم بشخص شفيق ، لذا ومن باب مالا يدرك كله لا يترك جله ، عملت على تقليص فارق الاصوات بين مرشحها ومرسي ، الى حد كبير، وأتخذت ما اتخذته من اجراءات لتكون السيناريوهات المضادة للثورة اكثر مقبولية واقناعا: 
اولا-التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات والاضرابات وحتى اثارة الاضطرابات والقلاقل ، التي ستشهدها مدن مصر ، بسبب او بدونه ، بعد تولي مرسي مسؤولية رئاسة الجمهورية ، ستكتسب شرعيتها من النسبة العالية من الاصوات التي حصل عليها شفيق!! ، والتي تؤكد ان مايقارب نصف الشعب المصري غير راض على الثورة وعلى الاوضاع التي عقبت رحيل مبارك !!
ثانيا- تكبيل الرئيس في التعامل مع الاضطرابات بقيود الاعلان المكمل ، ورفض الجيش تلقي الاوامر من شخص الرئيس.
ثالثا- اطلاق يد رجال المخابرات العسكرية والشرطة العسكرية في اتخاذ اي اجراء بحق المدنيين واحالتهم الى النيابة ، عبر سن وزارة العدل في ظل حكم العسكر ، قانون حق الضبطية القضائية.
رابعا- فرض مجلس شعب جديد يكون ساحة لرجالات العهد القديم  وخنجرا في خاصرة الثورة  ، بعد نجاح بروفة ايصال شفيق الى جولة الاعادة ، وبعد حل المجلس الاول الذي كان من الصعب على رجالات مبارك اقتحامه في الظروف التي اعقبت الثورة .
خامسا- اثارة الفتن الدينية والطائفية والقومية وضرب السلم الاهلي من خلال فتح النار على كل المحرمات.
سادسا- استخدام سلاح الشائعات الى اقصى مدى له ، وهو سلاح تخصص نظام مبارك في استخدامه على مدى عقود.

 

إرادة قوى الثورة
كل هذه القضايا وهناك الكثير غيرها تختزنها جعبة رجالات مبارك ، ستجعل من الاعوام الاربعة القادمة باهظة الثمن ومكلفة لقوى الثورة ، لذا على هذه القوى ومن بينها جماعة الاخوان المسلمين ، التي خرج الرئيس الجديد من بين رجالاتها ، ان تطوي هذه المرحلة ، بالشكل الذي يحرق كل اوراق القوى المعادية للثورة ، كطابور مبارك المعشعش في اجهزة الدولة  ورجالاته المتنفذين في المجتمع المصري ، بأرادة اقوى من ارادة الباطل واهله ، لذا يتحتم على هذه القوى تجاوز هذه المرحلة العسيرة وبأقل الخسائر عبر اتخاذ مواقف منها :
- ان يشرك الاخوان المسلمون ، قوى الثورة الاخرى التي شاطرتهم الميادين وقاسمتهم زنازين مبارك ، في الحكم مشاركة حقيقية :
- لسد كل المنافذ التي يمكن ان تتسلل منها قوى الثورة المضادة لبث الفرقة وتشتيت شمل قوى الثورة.
- ليشارك الجميع نشوة الانتصار النهائي في حال نجحت قوى الثورة ، ان شاء الله ، على قوى الثورة المضادة ، ويسجل هذا الانتصار للاخوان المسلمين بالدرجة الاولى ، وهو مايضعهم في قلب الحياة السياسية المصرية.
- ليتحمل الجميع الفشل ، لا سامح الله ، اذا مانجحت قوى الثورة المضادة في وقف عجلة الثورة ، والا يدفع الاخوان المسلمون وحدهم ضريبة الفشل ويرتد عليهم انسحابا الى هامش الحياة السياسية المصرية.
- لاقناع الشعب بصوابية نهج الثورة وقواها ، ومن ثم سد الطريق امام قوى الثورة المضادة لاعادة تجربة شفيق في الانتخابات التشريعية.
- لاظهار الحجم الحقيقي لقوى الثورة المضادة وفضح مخططاتهم.
- لتغيير الصورة المرسومة لجماعة الاخوان المسلمين لدى البعض ، بانهم حزب شمولي يرفض الاخر.
هذه النجاحات التي ستحققها أرادة قوى الثورة على أرادة الثورة المضادة سوف تقطع والى الابد كل أمل لرجالات العهد البائد ، عهد الدكتاتورية والاستبداد والفساد والتبعية ، في العودة مرة اخرى الى السلطة ، وستعيد مصر الى الطريق الصحيح ، طريق الاستقلال والريادة والكرامة والعدالة والتسامح ، طريق لطالما اشتاق لمصر ، مصر التي ضاقت بأنظمة لا تليق بعظمتها ودورها الانساني ، مصر الحضارة العريقة والتاريخ التليد ، مصر التي تأبى الا ان تكون أم الدنيا .. وهو ما سيكون.


ماجد حاتمي

كلمات دليلية :